توفي صباح اليوم الجمعة عبد الرحمان اليوسفي، قائد حكومة التناوب التوافقي، وأحد المناضلين الذين بصموا تاريخ المغرب الحديث.
وقد دون الراحل مذكراته قبل وفاته بعنوان "أحاديث فيما جرى" اختار من خلالها التطرق إلى عدد من المحطات في حياته، والادلاء بشهادته في عدد من الأحداث التي عاصرها في تاريخ المغرب الحديث.
في هذا الصدد، اختار "تيلكيل عربي" إعادة نشر مقتطفات من مذكرات عبد الرحمان اليوسفي، وتقديمها لقرائه من أجل تقريبهم من مسيرة شخصية وطنية كان لها دورها البارز في تاريخ في الميدان السياسي والنضالي.
في هذه الحلقة يستحضر الرجل الذي بلغ من العمر (94 عاما)، بعض المحطات؛ من أهمها ما عايشه مع بعض الشخصيات السياسية التي طبعت مغرب ما قبل الاستقلال وما بعده؛ كعلال الفاسي، المهدي بن بركة، الفقيه البصري، وكذلك ولي العهد آنذاك مولاي الحسن.
شهادة اليوسفي، ليست بالطبع كبقية مئات من خبروا المراحل الأولى لاستقلال المغرب، اليوسفي كان من قيادات المقاومة الذين أسسوا حزب الاستقلال، بحيث أنشأ أول فرع للحزب بمدينة طنجة.
يتذكر اليوسفي في مذكراته أن "الخلافات" داخل حزب الاستقلال كانت منذ الأربعينيات، إذ أن القاعدة التنظيمية لحزب الاستقلال شهدت "تحولا نوعيا، بحيث انضم لصفوفه العمال والصناع والتجار والصغار"، لكن ورغم ذلك، ظلت القيادة "تميل إلى الانغلاق على نفسها"، وفق تعبير اليوسفي.
قيادة شابة ضد محافظة
الوحيد من القيادات الحزبية، آنذاك، الذي لم يكن ينظر إلى تلك التحولات بعين الرضا هو علال الفاسي، بحسب ما يتذكر اليوسفي. الأخير يضيف أن سلطات الحماية عندما نفت محمد الخامس، حاولت فصل القيادات الوطنية عن الشعب. ولحسن الحظ، يقول اليوسفي، فالقيادات الشابة والجديدة التي أفرزتها التنظيمات الجديدة لحزب الاستقلال، هي التي أطلقت شرارة المقاومة. هكذا "أصحبت القواعد هي التي تقود الحزب وليس القيادة المحافظة"، بحسب المذكرات.
اعتبر اليوسفي أن القيادة المحافظة لحزب لاستقلال، مع البدايات الأولى لاستقلال المغرب، لم تكن "تفطن إلى ضرورة تطوير المؤسسات وتجديدها، لكن العناصر الشابة، كالمهدي بن بركة والفقيه البصري وغيرهما حاولوا تصحيح هذا الخطأ، وبدعم معنوي من علال الفاسي". اليوسفي في مذكراته يلقي بلومه على القيادة المحافظة (أي أحمد بلافريج، وغيره)، لكونها أغلقت أبواب اللجنة التنفيذية في وجه الوجود الشابة في الحزب.
يضيف اليوسفي أنه بعد هذا الحدث، أي "عدم الانفتاح"، جاءت مبادرة المهدي بن بركة لتأسيس لجنة سياسية مكونة من تلك العناصر الشابة، تروم إعادة تنظيم الحزب بعقد مؤتمرات جهوية، عرفت بالجامعات المستقلة لحزب الاستقلال، أو ما سيعرف بحركة 25 يناير 1959.
بعد شهرين من هذا التاريخ، سيتم تشكيل تنظيم جديد سيحمل اسم الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، بشكل قانوني ويقع مقره بالدار البيضاء، وبقيادة تضم كلا من محمد البصري، المهدي بن بركة، عبد الرحمان اليوسفي، محمد بالمختار والحسين أحجي. اليوسفي يتذكر أن قيادة حزب الاستقلال "المحافظة" رفعت دعوى قضائية ضد هذا التنظيم "اليافع" لاستغلاله نفس تسمية حزب الاستقلال. مما سيضطر رفاق اليوسفي إلى تأسيس "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" في ما بعد.
حسرة على "مغرب آخر"
اليوسفي اعترف في هذه المذكرات، أن تفكيرا عميقا ظل يخالجه طيلة العقود المنصرمة، يخص انشقاق حزب الاستقلال؛ وهو أنه "لو ساعدت الظروف ليتعرف كل من علال الفاسي والمهدي بن بركة على بعضهما، ولو تمكن كل منهما من اكتشاف الاخر، من خلال الحوار والنقاش السياسي والفكري، وبواسطة العمل اليومي والنشاط التنظيمي، لما حصل يوما الانفصال داخل حزب الاستقلال"، بحسب المذكرات.
اليوسفي يذهب أبعد من ذلك ليقول: "لو تمكن كل من الأمير الحسن وعلال الفاسي والمهدي بن بركة ومحمد البصري من بناء جسور التواصل فيما بينهم، والتفكير في تصور بناء مشترك ما بعد الاستقلال، لتمكن المغاربة من تفادي عديد من المنعرجات التي أخرت مسيرتنا، ولعشنا مغربا آخر غير الذي نعيشه".