يفرح المتنفعون من الفساد ونهب المال العام واستغلال السلطة والنفوذ، باستمرار تسويق أن هناك حالة تنافر بين فئات المجتمع بمختلف تعبيراتها وبين الحكم والحاكم، أكثر من غيرهم.
نعم، المتنفعون يوجدون ويشتغلون من داخل الدولة ولأجلها، لكنهم واعون جدا بأن استمرار التيه وسط هذه الدوامة، دون الغرق فيها، رهين بتوفير كل ظروف الحاجة إليهم، خاصة في وطن الاهتمام فيه بالفعل السياسي وتدبير الشأن العام تكاد نسبته تلامس الصفر.
كيف يستمر دوران الدوامة دون انقطاع؟
من أجل اقتراف محاولات الفهم، هنا أستحضر ما جاء على لسان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، حين جمع معظم رجال الدولة وبعضا من الصحافة في حضرة المجلس العلمي الأعلى.
قال الوزير التوفيق، صباح أحد أيام الأحد من شهر فبراير الماضي "نعلم أن التراكمات خلقت حالة نفور تجاه الحكم والحاكم وهذا ما يجب أن نعمل على تبديده".
هذا كلام رجل دولة في حضرة الدولة ورجالاتها ومسؤوليها، من علماء وقضاة وأمنيين ووزراء ورؤساء مؤسسات كبرى.
منذ ذلك الحين، وأنا أحاول فهم ما جاء على لسان رجل، عاصر عشرات الحكومات، واشتغل على ملفات تلامس يوميا حفظ واحدة من ركائر السيادة المغربية، أي تدبير الشأن الديني.
قناعته التي نطق بها، تحمل أكثر من شق بترتيب محكم، لا أفهم كيف تم القفز عليها، بل كان يجب أن تكون موضوع نقاش عمومي مفتوح.
لكن، واللعنة دائما عليها، هناك من لا ولن يروقه الخوض في نقاش هذه القناعة وأسباب نزولها.
الوزير التوفيق قال: "نعلم"، بصيغة الجمع، أي أن هناك وعيا بما سوف يأتي.
ثم انتقل للحديث عن وجود تراكمات. أي أن النتيجة التي سوف تأتي في ما بعد، وقعت بفعل فاعل، لم يحدده هو، ولم يجتهد أي أحد آخر منا لتحديد كيف صنعت الطفرات وسط هذا التراكم الذي ينتقل من الكم إلى النوع.
هذه التراكمات في ماذا تسببت؟
يجيب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية: "خلقت حالة نفور تجاه الحكم والحاكم". وهنا، وضع الرجل السلطة، أي القصر، تمييزا بين مصطلحي "الحكم" و"الحاكم". ولا أعتقد أنه وظفهما فقط هكذا، دون أن يكون اختار بعناية فائقة وضعهما في سياقهما، وأنهما هما المستهدف بحالة "النفور" التي أنتجتها "التراكمات" المعروفة لدى من تستهدفه.
ثم ختم قناعته المعبر عنها أمام الجميع بالدعوة إلى أنه "هذا ما يجب أن نعمل على تبديده".
وأنا سأحاول أن أضيف، جنب كلام الوزير، أن هناك تجارة سائدة بالمغرب منذ بزوغ فجر خروج الحماية الفرنسية من البلاد.
تجارة تزدهر كلما اقتربت الأزمات من المغرب أو حاولت ملازمته، ويا للغرابة، دائما ما ترتفع حدتها، حين تكون المملكة مقبلة على أوراش كبرى وتحولات تستهدف تغييرا جذريا للنخب، خاصة تلك التي تجمع باستبداد مطلق ما بين السلطة والثروة.
تجارة زادها فرملة أيّ تحول، وإن استطاعت تنفذ جريمة وأده في المهد.
إنها تجارة الاستثمار في إطالة سوء الفهم بين من تستهدفهم التراكمات لأجل استمرار حالة النفور تجاه الحكم والحاكم.
كيف يمكن تبديدها؟
الجواب هو: يجب أولا فضح من يستفيد منها ويضخ وقود وغاز دوران توربينات دوامة تجارة الاستثمار في "سوء الفهم"!