سيناريو سريالي تعيشه سوق اللحوم الحمراء بالمغرب، تحول فيه الضحية إلى جلاد، يتلذذ بسياط الأسعار "المرقدة" في ملح انتفاء الوعي بتقديم المصلحة العامة على الخاصة. وتحول الجلاد إلى ضحية، تتلذذ بغنائم أرباح البيع وريع دعم الاستيراد وامتيازات محو الديون وإعادة جدولة أخرى.
تحول الجزار من متهم إلى مشتك، واستعاد الشناقة نغمة عزف التحكم في السوق وفق ما يشتهي جشعهم. وندم الكساب الصغير، الذي تخلص من بعض قطيعه، عقب تلاوة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية للبلاغ الملكي الذي كانت مقاصده تجنيب المغاربة مشقة تكاليف الأضحية وإنقاذ سلالة الأغنام التي كادت تنقرض.
يوم أمس الاثنين، تحدثت مع أيوب، جزار بأحد الأسواق الشعبية بالدار البيضاء. سألته عن صحة الأسعار التي وصلتها "الدوارة"، فأكد ذلك، ثم حذر من أن السوق سوف تلتهب أكثر كلما اقترب أسبوع عيد الأضحى.
حين قلت إن المتهم تحول إلى مشتك، ليس مبالغة، بل صرخة عدد من مهنيي بيع اللحوم بالتقسيط، بسبب تأثير "اللهطة" الجماعية على شراء أحشاء الخروف وما يرافقها وباقي أجزاء "السقيطة" ككل.
إذ أن أسعار اللحوم، وبعد استقرارها لأسابيع، عادت لتلتهب. وإن كان السبب في ذلك الذين يتخفون اليوم وراء حفلات العقيقة والختانة أو الصدقات، لشراء الأكباش حية أو مذبوحة، فإن هذا البعض يؤثر على الكل، ويعيد معاناة توفير قطعة لحم على مائدة طعام المغاربة.
أمام كل هذا وجب طرح التساؤلات المفروض فيها أن تزعجنا أجوبتها جميعا.
وهي: من المستفيد من هذه "اللهطة" الجماعية؟ من ينفخ تحت رمادها لتشتعل؟ ولماذا أطلقت عملية إعادة تشكيل القطيع الوطني بصرف ملايين الدراهم لمربيها الذين يغتنون اليوم من سوقها للمسالخ العلنية منها والسرية؟
المستفيدون بجشع واضحون جدا، إلا إذا كنا نمارس بشكل جماعي جريمة تجاهل بحثهم عن الاستدراك لحصد الغنائم أضعافا مضاعفة.
استدراك يظهر أنه عن سبق إصرار وترصد، يعيدان مخاطر انقراض رؤوس القطيع الوطني، الذي تراجع حسب آخر إحصائيات وزارة الفلاحة الصادرة شهر فبراير الماضي، بنسبة 38 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2016.
استدراك يبحث من خلاله "الفراقشية الكبار" عن تصريف ما استوردوه من أغنام وأبقار ولحوم، بأسعار النفخ في ارتفاع الطلب مقارنة بالعرض، عبر إشعال سوق إعداد "بولفاف" و"التقلية".
وتكفي العودة إلى أرقام وزارة الفلاحة والصيد البحري للتأكد من تسجيل طفرة في الاستيراد، إذ أنه إلى حدود يوم 11 فبراير من العام الجاري، بلغت واردات المغرب 21 ألفا و800 رأس من الأبقار، و124 ألف رأس من الأغنام، و704 أطنان من اللحوم الحمراء.
الغريب في القصة ككل، أن انفجار إقبال المغاربة، كما يسوق ويظهر تجاه سوق الماشية واللحوم، جاء بالموازاة مع قراءة آخر سطر من عرض وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، عقب المجلس الحكومي الأخير.
وجاء فيه تفاصيل عملية إعادة تشكيل القطيع الوطني، وما تضمنته من إلغاء لديون عدد من مربي الماشية، وتوجيه برامج دعم مختلفة سوف يلتهمون من ورائها ملايين الدارهم دون وجه حق، لأنه اليوم يتاجرون بما يملكون بأسعار تتضاعف كل يوم.
قلت إنه مشهد سريالي. ولا يملك الواقف أمام فصوله غير ترديد المثل المغربي القائل "زيد الشحمة في ظهر المعلوف!"... "شحمة" يضاعف أطنانها شعب "يُفرقِشُ" نفسه.