حاصرت فضيحة ما يعرف بـ"شهادات قيلش" التي تفجرت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، المنعقدة اليوم الاثنين، حيث وجد نفسه في مواجهة أسئلة محرجة من عدد من النواب البرلمانيين.
في هذا السياق، قال ميداوي "أعبر عن حزني وأسفي الشديد وكذلك عن إحراجي كمواطن مغربي وكمسؤول عن هذا القطاع الاستراتيجي"، مبرزا، في جوابه على أربعة أسئلة شفوية تجمع بينها وحدة الموضوع حول "التلاعب في الشهادات الجامعية، أن ما تشهده بعض المؤسسات الجامعية من تجاوزات وممارسات غير قانونية يمثل حالات "قليلة ودخيلة"، ولا تعكس المسار التاريخي العريق للجامعة المغربية، داعيا إلى تحمل جماعي للمسؤولية من جميع الفاعلين داخل المنظومة.
وفي تشخيصه للواقع، تابع الوزير: "لا يوجد مسؤولية إدارية على صعيد المؤسسة، وعلى صعيد الجامعة، وعلى صعيد الوزارة"، مشيرا إلى ضرورة تعزيز التتبع واليقظة والاستباقية من طرف جميع المسؤولين، بدءا من الموظف إلى غاية الوزارة.
وأرجع الميداوي بعض الاختلالات إلى أسباب موضوعية، من بينها "الارتفاع المستمر في الأعداد، والاكتظاظ، وضعف التأطير البيداغوجي والإداري، وتعقيد المساطر، وتجاوز القوانين المنظمة لمسالك الماستر والدكتوراه"، مضيفا أن هذه النصوص "أصبحت متجاوزة".
ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن الزجر وحده غير كاف، مؤكدا ضرورة المضي في إصلاح استراتيجي شامل، يأخذ بعين الاعتبار "الذكاء العالي والتكنولوجيا التي تتطور".
وفي هذا الصدد، كشف الوزير أن الوزارة تعمل على إعادة صياغة مشروع جديد للقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، موضحا أن هذا المشروع يروم إحداث مجلس استراتيجي يترأسه شخصية كبيرة، وتناط به صلاحيات تقييم استراتيجيات الجامعة، ومناقشة برامج عمل رؤساء الجامعات.
وأشار الوزير إلى أن "الجامعة المغربية هي المؤسسة العمومية الوحيدة التي ترأسها رئيس الجامعة وليس رئيس الحكومة أو الوزير"، ما يفرض بحسبه تطوير منظومة الحكامة والتنسيق المؤسساتي.
وأوضح أن المشروع الجديد يتضمن أيضا "إضافات لتحملات المسؤولية الجامعية"، كما دعا إلى "إعادة هيكلة التعليم العالي والخريطة الجامعية بمعايير دولية".
وكشف الوزير عن توجه لتقسيم الكليات الكبرى حسب التخصصات المعرفية إلى كليات متعددة التخصصات، مشيرا إلى أن "التحويل التدريجي لا بد منه من هذه المؤسسات للاستقطاب المفتوح والمحدود".
كما أعلن عن إعداد "ميثاق وطني للمسؤولية المجتمعية للأفراد والجامعات"، بهدف "تخليق الحياة العامة وتعزيز القيم"، مشيرا إلى أن الوزارة تشتغل على آليات جديدة لتدبير سلكي الماستر والدكتوراه بشراكة مع الجامعات.
وفي تعقيبهم على جواب المسؤول الحكومي، أثار النواب البرلمانيون، أغلبية ومعارضة، ما وصفوه "بالانحراف الخطير الذي تعرفه بعض مؤسسات التعليم العالي"، لاسيما في ما بات يعرف بقضية "شهادات قيلش"، مؤكدين أن هذه الوقائع تمس بمصداقية الجامعة المغربية وتستوجب التصدي لها بحزم وصرامة.
وحذر عدد من النواب من الانزلاقات الخطيرة التي قد تقع داخل المؤسسات الجامعية، مؤكدين أن أخطر ما يمكن أن يصيب أمة هو تسرب الفساد إلى جامعاتها.
ودعوا إلى المعالجة الصارمة لكل التجاوزات التي تمس نزاهة البحث العلمي وموضوعيته، مشددين على أن الجامعة لا يمكن أن تمس باسم الجنس أو النقاط، ولا أن يعتدى على كرامة الأساتذة والباحثين الشرفاء.
في بالمقابل، أشاد برلمانيون بالمستوى العالي للكفاءات التي أنتجتها الجامعة المغربية، من أطباء ومهندسين وأساتذة، معتبرين أن أبحاث الدكتوراه المنجزة داخل مختبراتها تضاهي أو تتجاوز في بعض الأحيان نظيرتها في الجامعات العالمية، داعين إلى ضرورة التوفيق بين الاستقلالية الأكاديمية والاستقامة الأخلاقية من أجل صون صورة الجامعة ومصداقية نتائجها.
وخلال التعقيبات، أشار محمد ودمين، عضو فريق الأصالة والمعاصرة، إلى أن الأستاذ المعني بملف "شواهد أكادير" بالقضية تم تعيينه بأسفي، في إطار عملية تحويل المناصب المالية، ثم نقل إلى أكادير سنة 2013 حيث تولى تنسيق مسلك "المنظومة الجنائية والحكامة الأمنية"، وأن آخر فوج أشرف عليه تخرج سنة 2021، ومنذ ذلك الحين لم يجدد هذا التكوين.
من جهتها انبرت مليكة الزخنيني، عضو الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية، لطلب عدم التطرق لموضوع معروض على القضاء قائلة "إن قرينة البراءة تجعل كل متهم بريئا إلى أن تثبت إدانته، و لا يجوز تناول القضايا المعروضة على أنظار القضاء داخل قاعة البرلمان، ولا تضمينها بمحاضر الجلسات، احتراما لمبدأ استقلالية القضاء".