في شخص عبد الله بونفور.. مجلس الجالية يكرم الدراسات الأمازيغية

تيل كيل عربي

أشاد المشاركون في لقاء تكريم الأستاذ الجامعي عبدالله بونفور، المتخصص في الدراسات الأمازيغية، نظمه يوم أمس الأحد 20 أبريل 2025 مجلس الجالية المغربية بالخارج، ضمن برنامجه بمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، بحضور عدد من المفكرين والجامعيين والمثقفين والفنانين والإعلاميين، بمسار هذا الباحث.

واعتبر الإعلامي والكاتب نجيب الرفايف، في بداية هذا اللقاء الذي حضره إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، أن "الحياة إما أن نحققها أو نحلم بها، وقال مخاطبا المحتفى به عبد الله بونفور "أنت حققت الغرضين معا، لقد تعرفت عليك في زمن كان الكلام والتعبير محجوزا، ومع ذلك تقاسمنا نفس الاهتمام بالفنون والثقافة ومختلف أشكال التعبير، من وضعيتك كباحث جامعي وأنا كصحفي في بداية المشوار".

وأضاف الرفايف أن كتاب بونفور، الموسوم بـ"مقدمة في الأدب الأمازيغي" الصادر في ثلاثة أجزاء، يعد أهم إنجازاته في التأليف، في الوقت الذي يعد كتابه عن بورغواطة آخر أعماله، والذي أماط فيه اللثام عن البرغواطية، بنياتها وتشكيلاتها، ولغتها..

أما عبد الغني أبو العزم، فتوقف طويلا عند علاقته ببونفور، وقال لا بد لي أن أعترف أن الكلمات كانت تخونني، عندما حاولت أن أصف ولو جزءا مما تسرب في ذهني من صور منذ التقيت بالصديق عبد الله بونفور، وكيف تطورت علاقتي معه، سواء على المستوى الإنساني والاجتماعي والثقافي، أو على المستوى العلمي وتبادل المعلومات؟

وقال في هذا الصدد، ولكن لا مفر من إبراز بعض الصور التي كان بإمكانها إيضاح الرؤية حول شخصيته، مؤكدا أن صاحبه بونفور "لم يكن حالما أو متوهما، وهو بذلك لا يحكم على الأشياء والأسماء التي لا يعرفها، أو كانت مجرد شائعة مما جعله عصامي النشأة، وبذلك نجده شديد الحساسية تجاه المواقف القائمة على التخمين، ولا تتضمن ما هو تجريبي وتنقيبي".

وأضاف المتدخل "يمكن أن أقول إن مواقفه (بونفور) كانت تتسم بميزان دقيق، هكذا تعرفت عليه منذ 60 سنة خلت، مشيرا إلى أن عددا من التلاميذ الذين نجحوا في امتحان الشهادة الثانوية، التحقوا  بمدرسة المعلمين في النصف الأخير من شتنبر 1960، حيث تم قبول عدد محدود منهم لقضاء سنة دراسية، حسب نظامها القائم على تكوين نظري وتطبيقي، حيث كان بونفور من أصغر الملتحقين بها، واعتبر آنذاك دخول مدرسة المعلمين الإقليمية امتيازا عظيما، مذكرا بأنه تعرف داخل هذه الأجواء على من صار  فيما بعد صديقا عزيزا ومازالت علاقاته به مستمرة إلى الآن.

وأوضح أن أغلبية أفراد هذا الفوج كانوا يحملون طموحا ليكتسبوا موقعا بعد تخرجهم، واستطاع بعضهم أن يحققه بامتياز  ورغبتهم في التحضير لنيل شهادة الباكلوريا، وهذا ما حصل فيما بعد مع بونفور، الذي التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وتمكن من تحضير أطروحة السلك الثالث حول موضوع "البلاغة العربية"، وبعدها أطروحة دكتوراه الدولة حول "موازين عروضية في اللغة الأمازيغية".

ومن جهتها، اعتبرت الباحثة الجامعية خديجة محسن، أن لحظة التكريم تكون دائما صعبة ومعقدة، لأنها قد تتحول إلى اختزال للمنجز، وقد لا توفي المحتفى حقه، مبررة أن المحتفى به يتوفر على أعمال جامعية أكاديمية خاصة على مستوى الأدب الأمازيغي الذي تمكن من تثمينه، وكذلك التعريف  بالشعر الأمازيغي الشعبي وذلك عبر أعماله في مجالي الترجمة والتدوين، الذي تمكن من الانتقال به من الشفوي إلى الكتابي والانفتاح على الحكايات والأحاجي بلهجات ولغات أمازيغية (القبالية وتاريفيت وتشلحيت) من خلال التركيز على المتن الأدبي، والذي مر  فيه بمرحلتين؛ الأولى "كمية"  عبر التدوين، والثانية عبر الاهتمام بالجوانب الجمالية باعتماد المناهج التحليلية الجديدة البنيوية، ومن هنا تبدو أهمية أعمال بونفور، في كونه عمل على إبراز القيمة الجمالية للأدب الأمازيغي ( البلاغة – الأسلوب- القاموس ..)

 

أما الباحث الأكاديمي محمد الصغير جنجار، فقال إنه كان في البداية يعرف بونفور من بعيد كمشتغل على اللغة، ولما اقترب منه وتعرف على مشروعه البحثي وانفتاحه على العلوم الإنسانية والاجتماعية، عمل على مرافقة أعماله، خاصة حول كتابه عن بورغواطة الإمارة التي نشأت في القرون الوسطى على الساحل الأطلسي للمغرب، وضمت مجموعة من قبائل مصمودة.

وأضاف في هذا السياق "كنت أتساءل آنذاك ماذا يمكن أن يضيف كتاب جديد حول هذه الحقبة التاريخية، لأن كل شيء قد تم نشره، لكن بونفور لم يكن مقتنعا، بأن  كل ما نشر  قد أظهر جوانب غير معروفة عن هذه الفترة الغامضة في تاريخ المغرب"، ملاحظا أن بونفور لم يكتف بالأعمال الجامعية الصارمة، بل واكب التحولات المجتمعية الراهنة اللاحقة لما عرف بالربيع العربي، وانخرط في ورش تحديث المغرب، حتى يتبوأ مكانته في عالم متغير.

ومن جانبه، قال الباحث حسن وهبي إن مسار بونفور، مسار غني ومتنوع ومكثف، واختار عدم حشر نفسه في زاوية مغلقة في مجال البحث، من خلال اهتمامه بالكتابة وبالنقد الفني والتشكيلي حصريا، ملاحظا أن أعماله كلها مطبوعة بالصرامة العلمية والنبش والتدقيق والدقة.

أما الفنان التشكيلي فؤاد بلامين، فتوقف عند انشغالات بونفور بالفن المعاصر  في سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت فورة للأعمال التشكيلية التي واكبها بونفور بعناية فائقة، موضحا أن المحتفى به كان يزور محترفات التشكيلين، ويواظب على حضور " لقاءات الخميس" التي كانت تجمع لفيفا من الفنانين التشكيلين، ويقوم كل واحد منهم بالتعريف بأعماله الفنية ويتحدث عن انشغالاته، وكانت هذه المجموعة متنوعة الاهتمامات والتخصصات ( الأدب  التشكيل، الموسيقى..) مشيرا إلى أن بونفور كان يلقن خلال هذه اللقاءات الأسبوعية كيف نعد بطاقة القراءة ومنهجية البحث الجامعي، حيث استفدت كثيرا من ذلك، خاصة عند تحضير شهادة الدكتوراه في جامعة باريس. وقال "أنا مدين لبونفور  كثيرا في عملي، كما أنا مدين في ذات الوقت لمقهى باليما بالرباط التي كانت بمثابة جامعة مفتوحة".

وفي أعقاب هذه المداخلات، ذكر عبد الله بونفور بأن لوحة كان يتضمنها ملصق الإعلان عن ندوة دولية حول اللسانيات أنجزها فؤاد بلامين تحولت إلى نقاش حاد حول مدى احترام الاختيارات الفنية والجمالية للفنان وعدم التصرف في منجزه الفني، موضحا أن هذه اللوحة كانت تتضمن بعض الرموز، التي فهمت على أنها يونانية، وتم رفضها بذريعة المحافظة على الهوية الوطنية.

وقال بونفور "إن كتابنا وشعراءنا وفنانينا، يحتاجون إلى إقامة جسور فيما بينهم، مع العلم أن هناك أيضا نوعا من الإهمال يطال المبدعين، مستدلا، في هذا الصدد، بالمفكر عبد الكبير الخطيبي الذي أصبح مغيبا حيث لا نكاد نسمع عنه شيئا الآن، معتبرا أنه دخل مجال الكتابة التاريخية عنوة.