انطلق في حدود الساعة التاسعة من مساء الجمعة، بث المناظرة التلفزية بين المتأهلين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، قيس سعيد (مستقل) ونبيل القروي (حزب قلب تونس)، من استديوهات التلفزة التونسية، تحت عنوان "الطريق إلى قرطاج، تونس تختار".
وتمحورت الأسئلة الموجهة للمشاركين في المناظرة التلفزية حول أربع ملفات رئيسية وهي "الدفاع والأمن القومي" و"العلاقات الخارجية" و"صلاحيات رئيس الجمهورية في علاقة بالبرلمان وبرئاسة الحكومة" و"الشـأن العام".
الدفاع والامن القومي
وحول السؤال الأول الوارد ضمن محور "الدفاع والأمن القومي"، والمتعلق بتصوره للمساهمة في تطوير الأمن القومي للتصدي للتطرف والإرهاب، اقترح المترشح نبيل القروي تفعيل قانون الإرهاب، مقترحا تجميع الأجهزة الاستخباراتية تحت راية رئاسة الجمهورية.
في المقابل، أكد المترشح قيس رفضه القطعي للحديث عن الخطط الأمنية أمام عدسات الكاميرا، قائلا "من المؤسف جدا الحديث عن هذه الخطط أمام الجميع وعلى مرأى ومسمع من المصورين".
وفي علاقة بالتعامل مع اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والجهاز السري لحركة النهضة، شدد سعيد على أنه لا مجال لتدخل أي حزب في الجهاز القضائي أو توظيفه، مضيفا أن من قضايا الأمن القومي أن تكون هناك عدالة ناجزة وفوق الجميع.
واعتبر المترشح نبيل القروي أن "الدولة التونسية في ورطة الآن وفضيحة بسبب عدم كشف حقيقة الاغتيالات السياسية"، مقترحا تكوين "محكمة مختصة تضم قضاة مختصين تعمل على هذا الملف وتقدم نتائج عملها في ظرف 6 أشهر". هذا المقترح رد عليه المترشح قيس سعيد ب"أنه من غير الممكن إحداث محاكم خاصة أو مختصة بنص الدستور".
وبخصوص توسيع مجلس الأمن القومي بضم خبراء ومختصين، أبرز المترشح نبيل القروي "ضرورة توسيع هذا المجلس ليشمل الماء والتصدي لمخاطر التكنولوجيا والصحة والفلاحة والسياحة وكل ما يمكن أن يشكل خطرا على تونس".
واعتبر المترشح قيس سعيد أنه لا يمكن الاقتصار على المسائل التقليدية في علاقة بالأمن القومي، مبينا أن "التربية هي من أوكد مسائل الأمن القومي لدورها في تحصين الشباب من الإرهاب والتطرف".
وتمثلت أبرز الوعود الانتخابية للمترشح نبيل القروي في علاقة بالمحور الأول في مضاعفة أجور الأمنيين بثلاث مرات، في حين اقترح المترشح قيس سعيد أن يتمتع شهداء وجرحى الثورة والعمليات الأمنية بنفس الأجور والمنح والترقيات بعد وفاتهم أو إصابتهم.
السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية
وبخصوص المحور الثاني "المتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية"، اعتبر المترشح قيس سعيد أن السياسة الخارجية التونسية تنطوي على ثوابت بقطع النظر على تغير الحكام، وتحكمها معاهدات واتفاقيات دولية، غير أنه قال بخصوص اتفاقية الأليكا أنه لن يوافق على المس بمصالح تونس ولا يمكن حل مشاكل الطرف المقابل إلا بحل مشاكل تونس.
من جانبه، قال المترشح نبيل القروي، إنه سيعمل على البحث على فرص جديدة في مجالات الدبلوماسية الاقتصادية في جميع الدول ولا سيما الدول الإفريقية، كما أنه سيحدث خطة سفير للدبلوماسية الرقمية يكون دورها جلب الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيات الحديثة إلى تونس.
الأزمة الليبية
وبخصوص دور تونس في الأزمة الليبية اشترك المترشحان في سعيهما إلى مقابلة طرفي النزاع في ليبيا من أجل ايجاد حل ليبي ليبي للأزمة القائمة، وفي التاكيد على دور تونس في المساعدة على ذلك.
كما اتفق كلا المترشحين على تجريم التطبيع مع الكيان الاسرائيلي في الدستور، مع التفريق بين اليهود والاسرائيليين. في المقابل، اختلف الطرفان في الموقف التونسي من الكيان الاسرائيلي، حيث اعتبر القروي أن موقف تونس يجب أن يكون متجانسا مع موقف السلطة الفلسطينية، فيما شدد سعيد على ضرورة اعتبار المطبعين خونة يجب محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، باعتبار أن العرب في حالة حرب مع كيان محتل شرد الشعب الفلسطيني.
العلاقة بالموساد
وبسؤال القروي عن علاقته بمستشار الأمن القومي الاسرائيلي الذي تحدثت الاخبار عن إبرامه عقد "لوبيينغ" مع شركته، أجاب بأنه لم يكن له علم بذلك، باعتبار أن الشخص المعني قدم نفسه على أساس أنه مواطن كندي ودخل تونس بجواز سفر كندي.
وفي آخر جزء من هذا المحور كرر المترشح نبيل القروي وعوده بالعمل على إعلاء الراية الوطنية في الخارج. في المقابل، رفض قيس سعيد أن يقدم وعودا جوفاء بقدر سعيه إلى الإنصات لمقترحات الشباب في المناطق المهمشة، وهو ما دعا القروي إلى مبادرته بالسؤال حول كيفية تحقيق هذه المقترحات في صورة تعددها وتعارضها، وهو ما أضفى بعض الحركية على الحوار، غير أنه لم يمكن من تبين أفكار المترشحين بسبب عدم فهمهما لطريقة احتساب الوقت.
صلاحيات الرئيس
وبالمرور إلى المحور الثالث المتعلق ب"صلاحيات رئيس الجمهورية والعلاقة بالبرلمان وبرئاسة الحكومة"، وحول مشاريع القوانين ذات الأولوية بالنسبة للمترشحين، تحدث القروي عن برنامج لمقاومة الفقر والتهميش، والذي قال إنه "يلتقي فيه مع حركة النهضة، بما يضمن التصويت لفائدة أية مبادرة تشريعية في الصدد". أما سعيد، فقد أكد ضرورة تقديم مشاريع قوانين تمكن الدولة من استرجاع دورها الاجتماعي في ميادين الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي.
ولخص المترشح نبيل القروي الحالة القصوى لاستقالته من منصب رئيس الجمهورية ب"الإصابة بمرض خطير"، متعهدا بعدم منح أي فرد من عائلته منصبا في السلطة لأن "لا أحد من عائلته في حاجة إلى ذلك" وفق قوله. أما المترشح قيس سعيد فقد تمسك بتحمل "المسؤولية بكامل أوزارها وأثقالها"، متابعا:" سأتوجه للشعب فقط وأصارحه بالحقيقة في حال لم أقدر على تحمل مسؤولياتي"
وبخصوص ختم ميزانية الدولة وقانون المالية، قال القروي أنه سيتولى ختم المشروعين لأن البلاد لا تتحمل مطبات أخرى، وبدوره أكد المترشح قيس سعيد على ضرورة استمرار الدولة مهما كانت الاكراهات، في مقابل تقديم مشروع لتعديل قانون المالية.
وتمحور التفاعل بين المترشحين في آخر هذا المحور حول تعديل الدستور من عدمه، إذ اعتبر القروي أنه يجب تفعيل بنود الدستور، في حين تمسك سعيد بضرورة تغيير بعض القوانين على غرار القانون الانتخابي ونظام الاقتراع على القائمات، معتبرا أن رسالته هي الاستماع إلى مشاغل الناس وخاصة الشباب وتقديم مبادرات تشريعية تستجيب لتلك المطالب.
الشأن العام
في المحور الرابع "المتعلق بالشأن العام" وفي رد المترشح قيس سعيد على سؤال بخصوص خطته لمكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتبييض الأموال، أكد أنه يجب اعتماد الاصلاح من الأعلى إلى الأسفل وارساء مجتمع القانون عوض دولة القانون، معتبرا أن النصوص القانونية والمبادرات التشريعية لن تقضي على الفساد لأن الدولة لم تتول دورها الاجتماعي ولم يتم تفعيل مراقبة المواطنين للمسؤولين.
أما المترشح نبيل القروي فقد قال إن تونس تتوفر على آليات وقوانين لمكافحة الفساد غير أن المشكل يكمن في غياب التطبيق واشتغال الدولة بأياد مرتعشة، داعيا إلى تطبيق القانون وارجاع هيبة الدولة.
وبخصوص الحلول المقترحة للنهوض بالمقدرة الشرائية للمواطن التونسي، أفاد القروي بأن برنامجه ينبني على ارساء رقابة على الأسعار ومكافحة اللوبيات والمافيات التي تتسبب في رفع الأسعار، فيما أرجع قيس سعيد السبب في ذلك إلى تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، ما أفرز عملية تنكيل بالمواطن التونسي، وفق تعبيره، مشددا على ضرورة تدخل الدولة في مسالك التوزيع وتكريس الرقابة على المسؤولين من قبل المواطنين ومحاسبتهم في صورة تنكرهم لوعودهم الانتخابية.
وفي مجال حرية الإعلام ودعم الاعلام، وخاصة الاعلام العمومي، دون المساس بحرية التعبير، أفاد كلا المترشحين بأنه لا مجال للتراجع عن حرية التعبير أو إعادة العقوبات السالبة للحرية، متعهدين بعدم رفع أي قضية ضد أي صحفي مهما بدر منه تجاههما.
في الجزء الأخير من المناظرة تم توجيه أسئلة خاصة لكل مترشح وإثارة بعض الأخبار التي راجت مؤخرا بشأنهما. وفي هذا السياق، كذب قيس سعيد بإطلاق الإشاعة المتعلقة بامتلاكه عددا من العقارات، كما نفى انتماءه لأي شق سياسي، سواء من الاسلاميين أو من اليساريين، معتبرا أن كل هذه الإشاعات هدفها تشويهه.
من جانبه، نفى القروي ما قيل عن دفعه أموالا كبيرة لفائدة ضابط الموساد في إطار ما يعرف بقضية "اللوبيينغ". كما كذب وجود أي صفقة له مع حركة النهضة لإخراجه من السجن، مجددا التأكيد على أنه لن يتحالف معها في صورة فوزه.
على صعيد آخر، ذكر نبيل القروي أنه سيعمل في الأشهر الثلاثة الأولى لولايته على تجميع كافة الأحزاب والمنظمات الوطنية من أجل ايجاد مبادرة للقضاء على الفقر، مضيفا أنه سيتولى إيجاد حل لشركة فسفاط قفصة التي تعيش أزمة منذ عدة سنوات.
أما منافسه قيس سعيد، فقد تعهد بالعمل على استعادة الدولة لدورها الاجتماعي، وبتحقيق إرادة الشعب في إطار القانون والدستور.
وفي الختام تعهد المتنافسان بالموافقة على إجراء حوار بعد مضي 99 يوما من الحكم (في صورة الفوز) على القناة الوطنيةالأولى، شرط أن يكون مباشرا ودون معرفة محاوره.
وقبل انتهاء المناظرة قلل القروي من أهمية مشروع منافسه، واعتبر أنه لن يكون بامكانه تطبيقه. كما اتهمه بوجود داعمين له، على غرار حركة النهضة، فيما رد عليه قيس سعيد بأن الشباب التونسي ليس دمى متحركة، ولا يمكن إرجاعه إلى القفص بالنظر إلى أنه انطلق نحو بناء جديد.
وقد تميزت المناظرة الخاصة بالدور الثاني بأنها كانت أكثر تفاعلية حيث تدخل الصحفيان اللذان أدارا أطوارها في أكثر من مناسبة لاستيضاح بعض التفاصيل بخصوص إجابات المترشحين. كما تم فسح المجال أمام المترشحين لتوجيه أسئلة لبعضهما البعض حسب المحاور أو طلب استفسار أو تفاصيل عن بعض النقاط الواردة في برنامجيهما، إضافة إلى اعتماد ديكور جديد جلس فيه المترشحان في وضع متقابل على مكتب جلس على رأسه الصحفيان اللذان أدارا المناظرة.
يذكر أنه تقرر تنظيم الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها يوم الأحد المقبل 13 أكتوبر 2019 على إثر عدم تمكن أي مترشح من المترشحين 26 في الدور الأول من الحصول على 50 بالمائة من أصوات الناخبين.
وكانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد أعلنت في 17 سبتمبر الماضي عن إحراز المترشح قيس سعيد (مستقل) على 620711 صوتا وهو ما مثل 18،4% من الأصوات فيما حاز المترشح نبيل القروي (حزب قلب تونس) على 525517 صوتا ما يمثل 15،6% من الأصوات.