يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. من هذا المنطلق، من حين إلى آخر، عندما أفقد البوصلة تجاه كيف يمكن فهم أشياء كثيرة، خاصة من و جهة نظر الصحفي، ألجأ لقراءة ما يبوح به عدد من الزملاء "لي سبقونا بأكثر من ليلة". من بينهم الزميل الحسين يزي... زميل فهم ويفهم جيدا قواعد موازين القوى أكثر مما يفهمها غيره، بل سبق له أن غامر وتطرق إليها من زاويته التي اقتنع بها يوما ما، ورغم أني كنت، من "ضحايا" تلك الفترة، استفدت أكثر مما مسني الضر، لأنه حين يبوح إنسان صادق ويواصل اقتراف الصدق، ينفعك أكثر مما يضرك.
ينشر الزميل يزي، منذ فترة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ويكرر ذلك دون ملل ولا كلل، كيف أن "استمرار قيادة أخنوش بصيغة الحكومة الحالية يشكل خطرا على الدولة والشعب".
تدوينات أحد الذين خبروا الصحافة الحزبية وأسسوا لممارسة المهنة داخل مؤسسات إعلامية "مستقلة" ليست من ضرب الخيال، أو بحث عن منافع زائفة، لأنني على يقين أنه إن أراد ذلك واجتهد لأجله منذ "زمن الغفلة الحديثة"، لتجاوز بكثير كل من استثمروا في الفراغ الذي وقع ولايزال.
نحن اليوم أمام رئيس حكومة يتجاهل الجميع. ويهاجم الجميع.
بصريح العبارة: عزيز أخنوش يريد الكل أن يغرد خلفه أن "العام زين لأجله دون غيره"...!
أخنوش لا يقبل الانتقاد... ولا يقبل أن يجادله أحد... أخنوش يخاف التقارير وإن صدرت عن مؤسسات الدولة...
تخيل أنه مر للسرعة القصوى، وأصبح يدفع من هم حوله، لاستهداف من عينهم الملك محمد السادس على رأس مؤسسات دستورية، المفروض فيها ضمان امتصاص ما يجب امتصاصه لأجل غرض استمرار الدولة وليس الأشخاص، أو لنقل صراحة الشخص، وهو عزيز أخنوش.
رئيس الحكومة الذي عطل كل المؤسسات، ولا يقوى على عقد اجتماعات ولقاءات ومشاورات مع مسؤوليها ومجالسها، لأنه مقتنع هو قبل غيره أن "فاقد الشيء لا يعطيه".
"باطرون" يتنكر لنقابة "الباطرونة" ونسف عن سبق إصرار وترصد "آلية العمل المشترك معهم" ... يتجاهل عقد أي اجتماع للجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي... لم يعقد ولا اجتماع واحد للجنة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بعد ثلاث سنوات من ترؤسه للحكومة... يهاجم تقارير مندوبية التخطيط ويشكك في توقعات بنك المغرب ويصف رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بنعوت صعدت لأعلى مستويات السلطة في المغرب...!
قريبا... ورغم كل الفضائح والملفات والتحقيقات التي تطال البعيد والقريب جدا من دائرة الرجل... "باقي ليه غير يشكك ولا يستهدف بلسان بيتاس"... في تقارير المجلس الأعلى للحسابات... ويهدد "بضربة استباقية" رئاسة النيابة العامة لكي لا تتفاعل مع رسالة مفتوحة صادقة خطها النقيب عبد الرحيم الجامعي...
لن أستغرب إن وقع ذلك...
لأنه، أخبرني أحد "وزراء الدولة والسيادة" خلال جلسة سابقة معه بمنزله: "أخنوش لا تهمه الدولة... تهمه مصالحه... يتعرق كثيرا خلال اجتماعات المجلس الحكومي حين كنا نتطرق لملفات ومواضيع ومشاريع تحرجه هو... وما يمس غيره مهما بلغت قيمته وأهميته... ما سوقوش..."
وأتمنى أن يخرج الرجل في القريب العاجل للبوح بكل هذا، كما باح بالكثير مؤخرا، حين تحدث عن ضرورة استمرار الدولة كما اقتنع بها مؤخرا، أنها « نعمة ».
اليوم كان المغاربة أمام خطاب الملك محمد السادس. مناسبة دستورية يفرضها يوم الجمعة الثاني من كل شهر أكتوبر لافتتاح الدورة التشريعية للبرلمان بغرفتيه.
الملك وكما أعطى الإشارات المباشرة وغير المباشرة من قبل، يؤسس لتدبير شؤون المغاربة في ما بينهم.
تريدون فصل السلط؟ ترفضون الجمع بين الثروة والسلطة؟ مقتنعون بأن حياتكم يمكن أن تكون أفضل؟ ما يمنع ذلك تفضحه مؤسسات الدولة التي عينت من يرأسها أنا الملك؟!
غير هذا والكثير...
"إذن القرار عندكم حين تحين لحظة الانتخابات لتنزيل التغيير الذي تريدون..."
غير ذلك "غادي نبقاو كاملين كيف ما قالوا جدودنا كنسمرو في بغل ميت..."
ومع كل ما سبق... لا يمكن القفز على أن ما يقترفه أخنوش اليوم واستهدافه للجميع يُسرع خطر تهديم أسس الثقة في الدولة.
لماذا؟
لأنه يسوق على أنه "هو والدولة شيء واحد لا يمكن فصلهما عن بعض. عكس من سبقه".
حتى ابن كيران الذي كان يختبئ كثيرا وراء الملك. لم يقترف ما يقترفه أخنوش اليوم من تهديم لأسس الاستقرار الذي يعد رأس مال مملكة المغرب على مر التاريخ.