أحمد مدياني: إعادة تدوير النخب!

أحمد مدياني
أحمد مدياني

قبل أيام نشرت تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تلخص قناعات شخصية اتجاه أزمة مركبة يعيشها المغرب. أزمة نواجهها جميعا بالصمت والقفز عليها أحيانا، وقبول ما تنتجه من انتكاسات دائمة!

جاء في التدوينة:

"ضدا في الزخم الذي أصبحت تحصده مبادرة الحكم الذاتي نحو ملف الصحراء المغربية... تم طرح (جلوف البنان) تاع اقتراح (تقسيم الأقاليم الجنوبية)... هدشي كلو بوحدو...

لأنه ما يحز في النفس... هو: بماذا يمكن أن نواجه هذه الاجتهادات السياسية والدبلوماسية الخبيثة...؟

راه ما عندناش لا اليوم لا غدا النخبة لأجل ذلك...

والمقاربة تاع رجالات الدولة تتآكل سنة بعد أخرى... بل حتى الاعتماد على من يتحركون في الظل ما بقاش كاف أبدا...

الاجتهاد يواجهه بالاجتهاد...

ومن يتحكمون في المشهد السياسي اليوم... معظمهم يجتهدون فقط في حصد الغنائم..."

ذات ليلة بمقهى وسط مدينة جنيف السويسرية صيف 2022، جلست رفقة عدد من "الأصدقاء المغاربيين الجدد" وقد كان من بين الحاضرين للسمر الليلي، أستاذ جامعي تونسي ينشط في مجال حرية التعبير والصحافة ويشتغل بهذه القبعة لدى عدد كبير من المنظمات الدولية والإقليمية. وناشط حقوقي جزائري من صف "الاسلاميين" الذي فروا لاجئين إلى الخارج، وتحديدا بلندن.

ولأن الاخوة من تونس والجزائر، لا يفوتون فرصة لقاء مغربي دون طرح نقاش قضية الصحراء المغربية، بادر الأستاذ الجامعي بفتح الملف، متسائلا:

"لماذا تتماهون مع أطروحة نظام دولتكم اتجاه ملف الصحراء؟"

وقبل أن أجيبه، ألححت على تصحيح صيغة سؤاله بالقول: "أولا نحن مقتنعون بحق الوطن على كامل ترابه.. ليس عندنا أطروحة خاصة بالنظام وأخرى تخص الشعب..."

ثم استحضرت تفاصيل حضوري لأول مؤتمر وطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي عام 2007 بالرباط.

لماذا؟

الجواب موجه للصديق التونسي. لأنه خلال المؤتمر ولحظة صياغة البيان الختامي، أصخت السمع إلى مرافعات مناضلين عاشوا لسنوات ويلات الاعتقال السياسي والمحاكمات، بل إن منهم من واجه عقوبة الإعدام بسبب معارضتهم لفترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني.

هل نقصت قناعتهم السياسية الردكالية من منسوب ارتباطهم بالأرض؟

الجواب: لا

ثم استرسلت في ردي، وهنا ركزت بصري في الناشط الحقوقي الجزائري اللاجئ، وأضفت:

"نشأت وسط تنظيم سياسي مارس العديد من أعضائه العمل السياسي المسلح، بعضهم لازالت آثاره ظاهرة على أطراف جسدهم شاهدة على ما مضى. الغريب في الأمر أني وجدت أن هؤلاء أكثر شراسة في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمغرب، بل إن سقفهم يصل حد المطالبة باسترجاع الجزر الجعفرية المقابلة لسواحل مدينة الناظور، وإنهاء الاحتلال الإسباني لها الذي بدأ عام 1848".

هذه مواقف المعارضين. لكم أن تحاولوا تخيل قناعات عامة الشعب.

اكتشفت وأنا أسرد الكثير من التفاصيل، أن الذين أصصح لهم عددا من المغالطات عن المغرب وعنا، لم يصادفوا يوما ما من يخبرهم بأن الصحراء المغربية قضية شعب، وليس نظام كما يحاول أن يسوقها خصوم المغرب.

فجأة وأنا أتحدث إليهم بنبرة حادة، انخفض منسوب حماس المرافعة قليلا!

اشتغلت فرامل كبح العفوية الصادقة المثقلة بالانتصار للمبادئ، لينطلق هدير محرك طرح الأسئلة المزعجة ضدنا.

رجعت إلى الخلف قليلا... دخلت في حوار عنيف مع نفسي وخاطبتني قائلا:

"ليس اللوم على من يجهلون مواقف المغاربة وليس مملكة المغرب فقط... بل هو على المكلفين بمهام تصحيح سوء الفهم المركب عند الآخر".

وكما الحال خلال تلك الجلسة الليلية بجنيف، أنا اليوم في حال أسوء من البارحة. تقفز أسئلة مزعجة أكثر من سابقاتها.

أحاول أن أهدئ من روع تسلل اليأس، باستحضار مسافات طويلة قطعها المغرب من أجل نصرة قضيته الوطنية الأولى. مع ذلك، عفوية تلك الليلة، بكل حمولتها، تآكلت أكثر.

لا ينكر ما نتقدم فيه غير جاحد. في المقابل، لا يقدم التخوف على التفاؤل المفرط، سوى من يتحرك بشعار "الله يخرج غير سربيسي أنا على خير".

تكامل معركة استكمال واسترجاع الحق المشروع، لا تحتاج فقط لمواقف الساسة ومن هم فوق كرسي الحكم اليوم، خاصة وأن المواقف مهما كبرت، تتغير برحيل هؤلاء، ولنا في درس إعلان الرئيس الأمريكي السابق ترامب، "اعتراف بلاده بمغربية الصحراء" عبر تغريدة على موقع "اكس"، خير دليل وأبلغ درس.

كذلك الحال اليوم داخل الاتحاد الأوروبي الذي تعتمد دوله مع المغرب سياسة المواقف وفق نهج مشوه لقاعدة فصل السلط.

بماذا يمكن أن نواجه كل هذا؟

بالعودة إلى أصل الحكاية التي بدأت هنا. وهي ضرورة علاج عقم إنتاج النخب الذي أصاب الوطن.

اليوم قررت المملكة إعادة أحمد رضا الشامي لشغل منصب سفير المغرب لدى الاتحاد الأوروبي. مسؤولية سامية مقابل أخرى رافقها الكثير من الجدل مؤخرا.

ألا يوجد عندنا غير الشامي ليحزم حقائبه ويعود إلى القارة العجوز قصد ملئ الفراغ الدبلوماسي والسياسي كما أخبر بذلك حين رن هاتفه لإبلاغه بالقرار؟!

والطامة الكبرى في الحكاية ككل... كم من فراغات في الداخل والخارج نواجهها اليوم فقط بنهج إعادة تدوير النخب!