منذ عشية انعقاد المجلس الوزراي، يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، وبعد مخرجاته وتعييناته، تسلل إلى النفس كثير من اليأس وليس بعضه. شعور لم ينبع من الانفعال، بل جزء من قناعات، وهذه الأخيرة تحتاج بدورها إلى اختبار تأجيل ترجمتها، لأنها، بحكم التجربة، لا تدرك الحقيقة كاملة.
مساء يوم أمس الأربعاء، ترددت في الكتابة أو التعليق على التعديل الحكومي. وحسنا فعلت. كتبت أكثر من تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي لم أنشرها، لجأت إلى تطبيق المراسلات الفوري "واتساب" مع الزميل محمد فرنان.
أرقن، ثم أنسخ، أرسل إليه ما أخطه، وبعد كل المجهود الذي أقترفه، لا أنشر، بل أحذف ما كتبته.
داخل دوائر السلطة والدولة، هناك شعور بإحباط غير مسبوق، يعبر عنه كثيرون من أطر مؤسسات سيادية، طبعا ليس للعلن. يبوحون به اليوم، وفق درجة الثقة، مع من يمسكون بجمر الاستقلالية والوطنية، دون مقابل ولا ابتزاز ولا استرزاق.
بعد تبادل الكثير مع عدد من هؤلاء الذين يحملون هم الوطن طولا وعرضا دون طمع، راجعت الغضب وعوضته بمحاولات الفهم. اعتبرت أن اللحظة التاريخية من مستقبل المملكة المغربية تحتاج هذا المنعطف.
لماذا؟
لأن التأسيس لاستمرار الدولة بكل مكوناتها يفرض أن تأخذ الملكية مسافة من اتخاذ القرار الحكومي وترجمته، بل وحتى تكليف من يشرفون عليه.
الملكية في المغرب، بكل ما تعبر عنه في الباطن والظاهر، ضمنت، على مدى عقود، شروط الاستمرارية، بفهمها لمتطلبات استمرار المخزن، واللفظ هنا جاء في سياق مؤسساتي، وليس الوسم الذي تربينا عليه وسط تنظيمات وأحزاب اليسار.
ما هو مؤكد أن الملك محمد السادس ترك لرئيس الحكومة، منذ مدة، قرار تنزيل فصل السلط القادم.
تمرين يواجهه المغاربة، بشكل جماعي.
يرافقه الكثير من البؤس، نعم! يفرز مسترزقين ومتنفعين من شروط الانتقال من وضع في الحكم بالعرف والدستور إلى آخر، نعم! يوصل من يتطلع إلى مستقبل المغرب الأفضل إلى أقصى درجات الإحباط، نعم! يفتح الأبواب والنوافذ أمام أسماء طارئة، نعم! يوفر حصد غنائم الجمع بين المال والسلطة لكثيرين، نعم!
لكن!
هل يمنح كل ما سبق الحصانة الدائمة لمن يستغلون، عن جهل، المرحلة الانتقالية غير المعلنة.
أعتقد، بقليل من التأكيد، أن الجواب هو: "لا!"
تركت الملكية المغربية، منذ فترة مضت، دون أن ننتبه، تدبير كثير من أحوال المغاربة، دون تدخل، لبسط سلطة ضمان توازن السلط.
واليوم، تمر الملكية إلى السرعة القصوى.
أعلنت للشعب، دون الحاجة إلى خطابات مباشرة، أنها باشرت اتخاذ قرارات سيادية، تهم مغربية الصحراء، والعفو عن الصحفيين والناشطين، والمصالحة التاريخية مع أهل الريف تجاه مصدر قوتهم المتمثل في زراعة "الكيف"، فضلا عن توجيه غير معلن إلى كافة وزارات ومؤسسات ومصالح السيادة بالتواصل على ما هو كائن كما هو، بعيدا عن محاولات تحكم من يحوزون وهم السلطة.
ما حاولت أن أفهمه هو أن الملكية تختبر المغاربة تجاه تنزيل فصل السلط وإقرار اختيار الملكية البرلمانية التي تحتاجها دولة المغرب، لتستمر كما صمدت لقرون.
هل يفهم المتوهمون لغير ذلك الرسالة؟!
الجواب تحمله تفاصيل رسائل البروتوكول الملكي الذي رافق التأشير على التعديل الحكومي وغيره.
مؤسسات الدولة سرعت، مؤخرا، بروز نتائج، أو لنقل، تبعات الفصل الحقيقي للسلط.
والدور، الآن، على المغاربة. يجب أن تلتقطوا الإشارات، من أجل حاضركم ومستقبلكم. غير ذلك، سوف يتم تنزيل مشروع المستقبل كما ستحدده الملكية، مرة أخرى!