قطع المغرب شوطا إضافيا على الطريق السيار نحو تنزيل الرؤية تجاه العالم، بحلفائه، وخصومه، والمتفرجين عليه، بنظارات تمحص موقعهم على ضفاف القناعات بأن سيادة المغرب على صحرائه تشمل الماضي، وليس فقط الحاضر والمستقبل.
ليلة الخميس/الجمعة، لم تجد الجزائر غير إكراه الانسحاب من جلسة مجلس الأمن الدولي، بعدما أُسقطت التعديلات التي تقدمت بها، بغرض تحريف التوجه الدولي الجديد الذي تمت ترجمته بالحبر على الورق، بعد المصادقة على القرار رقم 2756.
اليوم، تجد الجارة الشرقية نفسها، أكثر من أي وقت مضى، أمام الأمر الواقع، بأنها أصل إطالة النزاع المفتعل. نعم، لم تكن قياداتها الوطنية إبان فترة الاستعمار، الذي ساهمت دماء المغاربة وأموالهم ليتحرروا منه، فاعلة في تنزيل فتنة تفتيت الدول وسيادتها.
لكن البعض من أبناء حركة التحرر الوطنية الجزائرية العاقين وجدوا أنفسهم أمام ضرورة تغطية شمس متطلبات الحياة اليومية للأشقاء، بالنظر لما يستنزف من ثروات تحت أرضهم بغربال تصريف الأزمات الداخلية نحو الجار، ولعب دور ممون حفلات المغرر بهم حول موائد ريع حمل لواء الانفصال.
لن أخوض كثيرا في ما أفرزته جلسة مجلس الأمن حول مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية، ودعمته قوى عظمى ومؤثرة، تشمل بريطانيا والصين، دون إغفال سويسرا؛ حيث تحسم كواليس المعارك الدبلوماسية والسياسية والحقوقية، بل وحتى الاقتصادية، قبل أن تصل إلى مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
جلسة ترجمت خلالها فرنسا موقفها الجديد من سيادة المغرب على صحرائه.
وحملت الجلسة أيضا تحولا غير مسبوق للفاعل الدولي الروسي الذي تعول عليه الجزائر دون غيره في ما تبقى لها.
ما يهم في القصة اليوم، هو أن تصل هذه التطورات كما يجب إلى المحتجزين في مخيمات تندوف. هناك حيث تتم سرقة مستقبل الآلاف من الأجيال.
ما يهم هو فتح نقاش وطني يبث للعموم، يستهدف من لا يزال في قلوبهم بعض من الشك، لسبب أو لآخر، يقطنون الأقاليم الجنوبية، يستفيدون من تنميتها، يتمتعون بالامتيازات بحكم الانتماء إليها، ومع ذلك، يتمنعون لأجل الذات وليس هم مستقبل الكل.
ما يهم، هو أن نسمع هؤلاء، أن يتحدثوا أمام من يجب فعلا أن يناقشهم، مع ضرورة عودة الدولة المغربية إلى نهج الحوارات المفتوحة عوض القطيعة.
أن يقتنع آخرون أيضا، بأن الوطنية عن قناعة واجب، ليست عكس ذلك. خاصة إن كان يتم الاستفادة منها في جوانب أخرى، وكرهها والدفع بذلك من مواقع أخرى.
هنا في هذا الفاصل من المقال، أستحضر عنوان "الصحراء المغربية.. جدل الوحدة والتجزئة" كتاب من جزئين أصدره المفكر والكاتب والمناضل والمعتقل السياسي السابق علال الأزهر، أحد مؤسسي اليسار بصيغته "الماركسية اللينينية" في المغرب، تحديدا منظمة "23 مارس"، ولا حرج من البوح بأنه والد زوجتي.
سألته يوما ما: "لماذا أصررت على صياغة الكتاب وأنت معتقل ساسي؟"
أجاب: "القناعات تكتب من أي موقع تكون فيه دون أن تنتظر المقابل بعدها". وكان من بين آخر من يغادرون قضبان الاعتقال السياسي دون أن يطلب العفو عن ما تبقى له من سنوات السجن الثلاثين، واستمر في اقتراف قناعته.
بعد هذا الفاصل. أعتقد أنه حان الوقت لمواكبة مرافعات الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية، لتشمل أشقاهما الاجتماعية والحقوقية.
أن يصل كل هذا النقاش ومخرجاته لإخواننا المحتجزين في تندوف... يعرفوا ما يحدث من تحولات دون تزييف، وأيضا دون تضخيم.
القناعات التي يجب أن يحملها كل مغربي، بعدما تحقق على المستويين السياسي والدبلوماسي، من وجهة نظر متفائلة، أن لنا في تندوف مواطنين مغاربة يجب مخاطبتهم بهذا الوصف، وإن كان من بينهم من يواصل حصد غنائم ريع إكراههم على العيش غرباء عن وطنهم.