"ما غاديش نرجع نقرا... الفراشة حسن من القسم... الهم لي عند والدينا دبا نجيبو ليهم الفلوس ماشي النتيجة..."، كانت هذه أجوبة الآلاف من التلاميذ والتلميذات الذين يستهدفهم برنامج من برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بمنطقة "الهراويين"، أحد أحزمة الدار البيضاء التي تعكس حجم الكوارث الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي نعيش.
في نهاية الأسبوع المنصرم، جالست إحدى المشرفات على هذا المشروع، والتي لخصت ما صادفته بالمنطقة بالقول: "الشابات والشباب فقدن وفقدوا الثقة في الدولة... هذا هو الخطير... يعرفون فقط لغة العنف ويعتبرونه طوق نجاة لهم حيث يعيشون... كلهم همهم توفير دخل يومي... وهناك من يعترف بأنه يحترف السرقة، حتى من الفتيات...".
وما يحزن في القصة ككل أن المشرفة تؤكد بأن عدم التعامل بالجدية المطلوبة من طرف الجميع، لإنهاء إضراب قطاع التعليم الموسم الماضي، خلف نسبة هدر مدرسي مهولة، ومن ترك القسم يرفض العودة إليه، لأنه وجد البديل.
لم يكن البديل عند أغلبهم تعويض الدراسات بالتكوين المهني، أو تعلم مهارات أخرى، أو حتى الانخراط في أنشطة اقتصادية صغيرة، بل كان الشارع بكل ما يجود به من اختلالات تضرب تماسك المجتمع والأسر، وتنتج قنابل موقوتة تسرع الظروف من قرب انفجارها.
حال أبناء وبنات "الهراويين" أكيد يشبه حال الملايين من اليافعين حول المغرب؛ هم على هامش الهامش. حالهم متروك للقدر. وقدرهم أن الوزارات والقطاعات والمجالس المنتخبة منشغلة بملفات أخرى؛ أبرزها تلك التي تحقق فيها مكاتب المجلس الأعلى للحسابات والفرقة الوطنية للشرطة القضائية ولجان تفتيش وزارة الداخلية.
قدرهم أن المال العام الذي يفترض فيه أن يوجه إليهم، لأنه منهم أصلا، يضل وجهته الحقيقية، ويجد طريقه إلى جيوب المتنفعين من استغلال النفوذ، عوض استثمارها في البشر والحجر.
قدرهم أنهم في بلاد يغضب فيها الناطق الرسمي باسم الحكومة من أرقام وتقارير مجالس يعين رؤساءها ومسؤوليها الملك؛ أي بصريح العبارة، ينزع عنهم مصطفى بايتاس الثقة التي وضعها فيهم الجالس على العرش.
بايتاس الذي يبدو أن جسده فقط هو الذي كان حاضرا خلال الخطاب الملكي، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان، أما ذهنه فكان مع أمور وأشياء أخرى، لعلها، قطعان الجمال والنوق التي وصلته على حين غرة، احتفاء بحمله للقب "الحاج".
وما يؤكد ذلك، انخراطه، بحماس مفرط، خلال آخر جلسة لمجلس النواب، في محاولة فرض الخطاب الواحد تحت القبة، وجعل ممثلي الأمة مجرد متفرجين يجب أن يدشنوا دخولهم للغرفة الأولى بأداء فروض الولاء والطاعة، وإنهاء المشهد بالتصفيق الدائم.
يجب أن يفهم بايتاس، ومعه رئيسه في الحكومة، أن الأرقام التي تكشفها المؤسسات الدستورية ومجالسها تعكس واقع منطقة "الهراويين" وتشبهها.
أرقام تعكس الوجه الحقيقي للأداء الحكومي. لن نتحامل على أخنوش ومن معه لنحملهم مسؤولية كل شيء وأي شيء. لكن وهم يتحدثون عن المقارنات بين الأمس واليوم، يسقطون أنهم بدورهم كانوا معمرين على رأس الوزارات والمجالس المنتخبة، بل يحوزون دائما أقوى القطاعات. لذلك، فهم شركاء في البؤس الذي يوزع على المغاربة يوميا.
وبالحديث عن المقارنات، يجب أن تقتنع حكومة، اليوم، بأنها خنقت المغاربة، وتريد أن ترفع منسوب كتم الأنفاس أكثر، بمحاولة ترهيب من ينقل حالهم، من يترجمه لأرقام قريبة إلى واقعهم.
الواقع لا يرتفع!
ولعيشه، أدعو الناطق الرسمي باسم الحكومة إلى أن يتطوع لمدة 24 ساعة فقط، ويعود إلى حجرة الدراسة، تحديدا وسط أبناء وبنات "الهراويين"... ثم ننتظر منه هو أن يخبرنا بأن الأرقام التي تزعج رئيسه، فعلا، أرقام كاذبة!