أحمد مدياني: باقين معطلين بزاف!

أحمد مدياني
أحمد مدياني

لضمان مبدأ الاختيار الديمقراطي لوجهات العطلة، اهتديت أنا العاشق للجبل إلى حل وسط مع العائلة العاشقة للبحر. وقررنا أن يكون قضاء الجزء الأكبر منها بشمال المملكة، تحديدا "كابو نيغرو"، حيث تعانق القمم الأمواج، ويمكن أن تتنقل منها إلى أكثر من وجهة. لكن هذا العام كان الواقع مختلفا إلى حد كبير! وكأننا فوق سيارة وضع حوال السرعة داخلها على وضع "marche arrière" مستمر!

هل أخبر أحد منا مسؤولي مدن الشمال أن المغرب يسرع دينامية إصلاح الأعطاب المجالية؟ هل يعرفون أننا مقبلون على استضافة مونديال مشترك مع البرتغال وإسبانيا؟ وأن زوار الضفتين سيشرعون قريبا في نشر المقارنات؟ هل يحملون هم تحمل ما سيقال عن المملكة حين ستشتعل الأضواء الكاشفة عليها قبل موعد المونديال بكثير؟

لا أعتقد أن عند هؤلاء أصلا هم طرح الأسئلة، لأن هناك أخرى أهم بكثير عندهم، ضمنها "كيف يمكن حصد الغنائم بأسرع الطرق الممكن وغير الممكنة؟"

وأنا أتجول بأزقة مارتيل والمضيق والفنيدق وجنبات كابو نيغيرو، الظاهرة منها والخفية، بعد كل خطوة هناك، أصاب بإحباط وحسرة. ما بين المتر والآخر أزبال متراكمة، ومشاهد مقرفة، لا تشجع على العودة إلى المكان.

الفضاءات العمومية، خاصة الخضراء منها، أعيد احتلالها من طرف ملاك المقاهي والمطاعم. يستفيد هؤلاء من مئات الأمتار المربعة دون صرف سنتيم واحد على تأهيلها. تنام هذه الفضاءات بين أحضان النفايات وتستيقظ على وقعها

أربع سنوات متتالية وأنا أختار هذه الوجهة، لا شيء تحرك، بل العكس، كل شيء يسير نحو الخلف. ولا يجد المواطن القادم هنا من داخل المغرب ومن خارجه، حيث يمكن أن يقضي ساعات عطلته غير البقاء بين أسوار الإقامة السياحية التي توفر بعض شروط وظروف التنشيط السياحي، أو الجلوس على كراسي المقاهي والمطاعم التي يمكن أن يكلفك التردد عليها يوميا ولمدة أسبوع راتب موظف خارج السلم.

وإن اخترت البحر، خاصة في المضيق، لن تراه أمامك وأنت تجلس قبالة شطه الذي احتله بشكل كامل وعشوائي تجار "الباراسولات"، أما "الخنز والوسخ"، فهما يلازمانك أينما وليت وجهك.

اعتدت كل مساء، بغرض إعادة قليل من الحيوية إلى الجسد، المشي من كابو نيغرو نحو المضيق على طول الطريق بينهما. عند الجهة اليسرى من الطريق، هناك إطلالة يحج إليها الباحثون عن تحرير أعينهم من رؤية الإسمنت أمامهم، دون غيره، طيلة السنة.

ولا يجد هؤلاء غير الجلوس على العشب، حيث يضعون طاولاتهم وكراسيهم البلاستيكية. إلى ماذا ينظرون هنا؟ لا شيء. تمتد أبصارهم نحو الخلاء فقط والظلمة. موقع كان يمكن تأهيله بألف طريقة وطريقة. لكن "لمن تعاود زابورك أداوود؟"

هناك أعطاب كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا كاملة، إذ يمكن صياغة مجلد ملؤه العشوائية هنا في كل شيء وأي شيء.

وأنا أكتب هذه الحروف بحسرة، أجلت أكثر من مرة ذكر معطى مهم عن حال الشمال، بل حاولت أن أتجنبه كل ما انتقلت من فقرة إلى أخرى، ومع ذلك هو حاضر بقوى.

سأطرحه مرة أخرى بصيغة السؤال: ألا يشعر المسؤولون في الشمال بالخجل من أن يكون حال المدن هكذا، وملك البلاد يكون في حضرتهم كلما حل الصيف؟!

ألم يشفوا بعد من متلازمة "تزواق" الظاهر وتهميش الباطن؟

للأسف كان يجب ألا يكون الحال هكذا، وإن لم نكن على موعد مع العالم عام 2030. مع ذلك هذا حدث يفرض نفسه ومعه تسريع وتيرة إصلاح أعطاب كثيرة. إلا أن الواقع يذكرنا دائما بأننا باقين معطلين بزاف!