الساعة تشير إلى الواحدة صباحا، بين الصخور قرب "الباب الزرق"، ننتظر الإشارة من الحارس الليلي، مقابل علب السجائر من نوع "كازا"، يخبرنا من خلالها أنه سوف يؤمن لنا النزول لولوج ميناء الدار البيضاء (السبعين)، دون أن تهاجمنا الكلاب.
قبل خوض مغامرتي الأولى لقطع البحر نحو أوروبا سرا، أنصت جيدا لنصائح من كنت معهم، أكبر مني سنا وأكثر تجربة. يوسف وهشام و"نحول". شددوا على أننا هنا من أجل هدف واحد؛ هو الهجرة. ممنوع السرقة، ممنوع التخريب، ممنوع مقاومة عناصر الأمن إيلا حصلتي، ممنوع الاعتداء على أي كان، مهما بلغ الخلاف.
كانت هذه هي الأعراف بعدما حاولت المغامرة أكثر من مرة، تؤطر عيش الحالمين بالهجرة، ويُحرم خرقها، ولن أبالغ حين أقول إن المكان الأكثر أمانا بالدار البيضاء ليلا، حينها، كان مينائها.
ماذا تغير؟
لا يمكن أن أجيب عن هذا السؤال هكذا باستسهال، دون فهم عميق للتحولات التي طرأت. لكن المؤكد أنه كان لدينا القليل من الثقة في أشياء كثيرة. هذه الأخيرة يظهر أنها انقرضت، وهناك مسؤولون عن وأدها.
وبالحديث عن الثقة هنا، أستحضر بلاغ الوكيل العام للملك بتطوان الذي صدر، يوم أمس الثلاثاء. بلاغ يعلن فتح بحث قضائي بشأن الصور التي يظهر فيها عدد من الشباب وهم حفاة عراة تظهر على أجسادهم آثار كدمات وجروح بليغة.
بلاغ الوكيل العام للملك وعد بترتيب الآثار القانونية، في حال تأكد تورط جهة أو جهات في ما ظهر عليه هؤلاء الشباب. وحسب معطيات توصلت بها من الجهات المعنية بالتحقيق، فإنه سيشمل كل التجاوزات المحتملة من قبل بعض عناصر القوات الأمنية، وسيتم إخبار الرأي العام بكل ما ستؤول إليه نتائج هذا البحث.
ما وقع في الفنديق هو، أكيد، نتاج يأس عارم يجتاح، منذ سنوات، مختلف فئات المجتمع المدني. لكن كيف تم ترجمته على أرض الواقع، تجاوز حدود محاولات الهجرة، بعدما انتقل الحالمون بها من فعل المحاولة إلى فعل المواجهة، بل وحتى الاعتداءات التي طالت مواطنين وقوات الأمن.
وقائع فرضت تحولات في التعاطي مع الحدث، خاصة وأن الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تسونامي الحالمين بالهجرة، أمام معالجة هذه الهزة دون خسائر، كلفة الصورة الواحدة منها باهظة، وقد تستزف الكثير من رصيد الوطن في الداخل والخارج.
وهنا، لا يجب أن نتجاهل أن الداخلية والأمن والدرك والقوات المساعدة، في هذه الهزة بالضبط، تركوا لمواجهة مصير تدبير حدث استثنائي، يوجد من بين المشاركين فيه آلاف القاصرين، وعدد من الدخلاء على حلم الهجرة، وهم أولئك الذين ظهروا في أكثر من فيديو يرشقون الحافلات والسيارات والمارة بالحجارة من أعلى قمم الجبال أو بالقرب من أرصفة الشوارع.
فضلا عن استثمار محترفي إشعال النار الافتراضية في هذا الحدث، ورفع منسوب الاجتهاد لتسويقه، وجعله يظهر وكأن المغرب يعيش حالة حرب، ووجب الهروب منه جماعة، اليوم قبل غدا.
وبالنظر إلى كل ما سبق، أعتقد أن أول شيء يعيد طمأنة المغاربة؛ هو الاعتراف بالخطأ حيث ما وقع، وقول الحقيقة مهما كانت موجعة؛ لأنه بهذا الاختيار، يتم قطع الطريق على كل من له مصلحة بعيدة عن معالجة أزمة يعرفها المسؤولون المغاربة جيدا، لكن عددا منهم في عداد المختفين، بل لا يرغبون في حلها؛ لأنهم متنفعون منها.
أزمة غابت فيها الحكومة والأحزاب والجمعيات، وحضرت فيها المقاربة الأمنية؛ لأنها كانت ضرورة. هزة مزق فيها الحالمون بالهجرة دستور خوض مغامرتها، وتنصل من مسؤوليتها من يقود حكومة يصف أعضاء حزبها جزء كبيرا من المغاربة بوسم "البؤساء"، ويتفاخرون بأن "الشطيح والنشاط" يليق بهم وحدهم.