أخبر المغاربة، يوم أمس الأحد، بالزيادة في أسعار قنينات الغاز، ابتداء من دخول الدقيقة الأولى من اليوم الاثنين. بلغة صريحة مباشرة، يجب أن يكونوا على استعداد لسيناريو لهيب أسعار سوف يوقده غازها، ويستمر دون انقطاع. نتمنى أن لا يكون المصير كذلك، لكن، سبقت المحروقات الغاز، وتعرفون بقية القصة التي نعيد تركيبها، ببساطة.
الحكومة ربطت الزيادة بتنزيل "إجراءات اجتماعية"؛ أبرزها "تعميم الدعم المباشر للأسر الفقيرة"، دعم قيمته لن تغطي حتى نصف كلفة المعيشة التي تتجه مؤشراتها نحو الارتفاع.
مبرر آخر تم التواصل بشأنه منذ عهد حكومة ابن كيران، لرفع الدولة يدها عن دعم أسعار غاز البوتان، دون ردود فعل، وهو أن حصة الأسد من قنيناته يستفاد منها من طرف كبار الفلاحين، والفنادق، والمطاعم، وأنشطة أخرى يصلها نصيبها من الدعم، "دون وجه حق".
أي أنه على المغاربة قبول هذه الزيادة، بصدر رحب، من أجل "منع" وصول أموال الضرائب إلى "الكبار"، عبر الخراطيم الموصولة بالغاز.
وإن لم تكن ذاكرتنا قصيرة، لا مانع من التذكير بأننا عشن نفس القصة، وسمعنا نفس الأسطوانة، حين كان رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله ابن كيران، يهيء الرأي العام لقبول تحرير أسعار بيع المحروقات، قبل أن يعلن ما يشبه الندم على اتخاذه للخطوة، ويلصق تهمة ما وقع بعدها لمن وصفهم بأنهم "جهات مغرضة".
بعيدا عن "ندم" رئيس الحكومة الأسبق.. ماذا كانت النتيجة؟
تضخم في أسعار كل الخدمات، والسلع، والمنتجاب المرتبطة بالمحروقات. تكبد المواطن الكلفة، واستفاد "الكبار" من نعمة الدعم المباشر لملء خزانات وقودهم.
ولا مبلاغة في القول إن فيلم بيع الوهم للمغاربة يعاد إنتاجه بنفس السيناريو، تم فقط تغيير من يلعبون الأدوار.
في فيلم المحروقات، ارتفعت أسعار النقل الطرقي مرة واثنتين وثلاثا، ولم تعد لسابق عهدها، رغم ملايير الدعم المباشر التي تصرف من جيوب من يدفعون الضرائب لأجل دوران عجلة مراكمة الثروة عند "الكبار".
انعكس القرار مباشرة، وإلى اليوم، على قوت يوم من يحصون الأيام ليصل "رأس الشهر"، بسرعة، بعد الأسبوع الأول من كل شهر حياتهم الجاري.
وفي فيلم غاز البوتان، لن يتنظر المتنفعون الكبار، طويلا، تراكم خسارتهم للدراهم المضافة على سعر قنينة الغاز. سوف يستردونها، مرة أخرى، من جيوب المواطن. فهم يملكون سلطة إبداع أكثر من طريقة لتحويل الخسائر إلى ربح مضاعف.
ولن نستغرب مستقبلا، حين سيخرج ممثلوهم لطلب دعم مباشر من الدولة؛ بمبرر أن الضرر لحق بهم، مثلما فعلوا في قصة المحروقات، وكان لهم ذلك.
هل سيقبل كل من يشعل الغاز من أجل الربح بتوجيهات ترك الأسعار كما هي؟
لم يقبلوا بذلك من قبل، حين ارتفعت أسعار زيت الطهي، وزيت الزيتون، والخضر، والفواكه، واللحوم الحمراء منها والبيضاء... وكل المواد الاستهلاكية والأساسية.
ما يقلق أكثر في القصة ككل، أن الحكومة تعول على "سياسة الإحسان" للتخفيف من ضغط اتساع دائرة الفقر حسب أرقام رسمية. سياسة ترعاها المؤسسات المالية والنقدية الدولية، فشلت فوق أكثر من رقعة فوق كوكب الأرض، ونتائجها دائما، إعادة إنتاج الفقر وجر فئات أوسع من المجتمع لدخول دائرته.
صادف بداية كتابة هذه الأسطر اتصال من مصدر مسؤول تحدث، بلغة "الطمأنة" تجاه الحد من تبعات الزيادة في سعر "البوطة" على أسعار المواد الأساسية؛ أبرزها الخبز.
تفاعلت معه بما يجب، وتفهم أن مسؤولية الضبط لن تكون بالفعل سهلة.
مع نهاية المكالمة، تذكرت الوصلة الإشهارية التي كانت تقدمها الراحلة ثريا جبران، وهي تتحدث عن وسيلة تحمُل ثِقل "البوطا" فوق الأكتاف، بالقول: "لاباس لي كين الشابو"، رغم أنه هناك وسيلة أمان أخرى، نحتاجها أكثر اليوم، لضبط تدفق الغاز الذي يوقد نار الطهي.
ومع تغيير غير طفيف في مضمون اللازمة التي كانت تكررها.
يجب مصارحة المغاربة بالقول: "للأسف ما كينش طوندور"، لضبط تدفق غاز نار اشتعال الأسعار.