سباق المسافات الطويلة يغري المتسابقين على حساب القصيرة، رغم أن الثانية هي صمام أمان بلوغ الأولى، دون التعرض لإصابات بالغة، تهدد الحالمين ببلوغ خط نهاية لم يجهزوا له اللياقة السياسية الكافية لضمان مواصلة الجري نحوه.
كيف؟
جائحة ضربت المغرب، مؤخرا، سببها فيروس تهافت متحور اسمه "حكومة المونديال". فيروس ينتج كل يوم طفرة ترفع حماة المتحكمين في تدبير الشأن العام، تنزع منهم حاستي الشم والذوق تجاه هموم الوطن والمواطن العامة، تجبرهم على حقن جرعات قياسية من المضادات الحيوية، ما يتسبب في ارتفاع أعراض هلوسات أحلام اليقظة الخاصة.
"الأحرار" يحضر لجولة وطنية يقودها رئيسه، عزيز أخنوش، ابتداء من شهر أبريل المقبل، تحت شعار واحد هو: "لا تهمنا الحكومة الحالية.. غايات وشروط استمرارها بالنسبة إلينا انتهت.. نحن نطمع في المزيد.. لا يهم كيف سنصل وبأي كلفة على حسابكم.. الأهم أن تحلق بنا حمامتنا نحو حكومة المونديال.. غنائم قافلة الوصول إليها أضعاف مضاعفة لما غنمناه طيلة السنوات الماضية.. لذلك.. نطلب منكم، لا بل سوف نجبركم على تركنا نركز على طموحاتنا لا همومكم".
"الجرار" أدار محرك حرث أرض غير خصبة في زمن الجفاف، طامعا في أن يملأ "جيل 2030" خزانات وقوده، ليضمن تقديم "الشاو" فقط، مهما كانت غلة الحصاد. وإن غاب عيد الأضحى هذا العام، حصة من أين تؤكل الكتف تظهر عند أهل الأصالة والمعاصرة مضمونة، لا تحتاج غير استثمار جيد للدروس التي تعلموها بسرعة، من سابقة حليفهم، حين منحته "جود"، ما لم تمنحه أم الوزارات بكل تأثيراتها الانتخابية.
ميزان "الاستقلال" مالت كفة لغة المعارضة عنده على حساب كفة الانتماء للأغلبية. أخرج أمينه العام كل بركة اتقان السباحة عكس تيار يمثلونه ويمثلهم. نفض الغبار عن مناورات الرعيل الأول لحزب يتقن التواجد داخل الحكومة وخارجها في آن واحد، دون أن تتضرر مصالحه وشروط استمرار الحاجة إليه.
هذا هو حالنا اليوم أمام قتل السياسة، دفنها، دون تغسيلها ولا إقامة صلاة الجنازة على رفاتها، دون أن نمنح فرصة الوداع الأخير في حضرة احتضارها.
يعم المغرب شعور أكيد أن هناك قناعة جماعية دون بوح بذلك. هي أن "حكومة المونديال" أصابت من يحملون صفة الساسة بسعار الهرولة بدون ضبط إيقاع الجري نحو 2030. أكاد أجزم أنهم كلهم، يشاؤون لو تطوى السنوات المقبلة، وتحل سنة كأس العالم، مع ضمان كنز الملايير التي سيفترش بها مضمار السباق.
إنهم يصارحوننا، اليوم، بأن كل الأعطاب التي يواجهها "لي هازين الدق" لا تهمهم.
بطالة قريبة من نطح سقف لم يبلغه المغرب من قبل. أسعار بلغت مستويات سرقة أموال المواطن. محروقات تزيد سعار لهيب جحيم ضمان قوت اليوم. صحة طال مقامها بغرفة الإنعاش، بل عادت لتواجه أمراضا وأوبئة من حقبة بداية القرن العشرين. مدرسة تُحتضر وأجيال تم تهجين تطلعاتها لتختزل في محاولات انعتاق، إما افتراضي أو ما وراء البحار مهما كانت الخسائر.
ثقافة غائبة، أسرة تُفكك، شارع مليئ بكل مظاهر العنف، أساسيات العيش من سكن وتنقل وضمان جزء يسير من الترفيه، تحولت إلى كماليات لم تعد تستطيع حتى الطبقات الميسورة ضمانها، دون اللجوء لكماشة الديون.
وأمام كل ما سبق وغيره من أعطاب، هم مشغلون بحلم قيادة "حكومة المونديال" دون غيره.
هم منشغلون بها، ومن يدورون في فلكهم، يواصلون تركيزهم على سرقة الوطن والمواطن، إذ لا تكاد تخلو الصفحات الأولى للصحافة عندنا يوميا، من أخبار ملفات استغلال النفوذ والفساد والريع ونهب المال العام بملايير الدراهم.
هنا يكفي فقط الاطلاع على التقارير الرسمية، ومنها التي أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية. من رفعوا إيقاع التسخينات اليوم للتواجد ضمن اللائحة النهائية لتشكيلة "حكومة المونديال"، يضمون بينهم عناصر مجتهدة في وضع مشاريع وهمية على الطريق نحو 2030.
هذا هو الواقع المؤسف لمن ينطبق عليهم المثل القائل: "شافو ربيع حكومة المونديال ما شافو حافة الوقوع قبل الوصول إليها".