أحمد مدياني: كيف تصير الزيارات الملكية تتويجا وليس امتحانا؟!

أحمد مدياني
أحمد مدياني

التصقت بالسواد الأعظم من المسؤولين المغاربة - كي لا نُعمّم - سواء "المنتخبين" منهم، أو الذين يتم تعيينهم على رأس الجهات والعمالات والأقاليم، أن الزيارات الملكية لحيث يمسكون بمصائر الحجر والبشر عبارة عن امتحان، وليست تتويجا لنجاح وإنجاح مشاريع تم تنزيلها على أرض الواقع.

ألفوا أن يتسابقوا مع الواقع الذي لا يرتفع، من أجل فرض الزينة لا غير على جنبات الطرق، ورشِ مساحيق التجميل على بعض الأوراش المفتوحة دون إنهائها، وجل ما بلغ من نقطة الوصول من أجل التدشين تصاب بمرض التعثر المزمن، أو الاستغلال البشع، أو سرطان ريع التدبير والتحصيل.

لذلك، نجد أن زيارات الملك محمد السادس للجهات والمدن والأقاليم تتأجل لأكثر من مرة، بل منها ما يتم إلغاؤه لأنه لا حاجة لتحرك موكب الملك إن لم يكن لهذا التحرك ما يترك خلالها وبعدها من أثر على الحياة اليومية للمغاربة.

مناسبة هذا الحديث، قرب زيارة الجالس على العرش لمدينة الدار البيضاء. نزول ملكي يأتي هذه المرة في سياق تعيين رجل دولة على رأس الجهة التي تنتمي إليها العاصمة الاقتصادية، وهي قلبها النابض الذي إن توقفت شرايينه عن ضخ دماء نقية في كل أوعية ما هو مرتبط بها، يتوقف كل شيء.

الوالي امحمد مهيدية، استنفر منذ الساعات الأولى من تعيينه كل شبر من الجهة وليس "كازا بلانكا" وحدها، والدليل على ذلك ما يلاحظ بالعين ويُلمس بالنظر، وليس فقط مجرد حبر على ورق التقارير السنوية، واقع طال حتى "عفاريت ضريح سيدي عبد الرحمان"، في انتظار أن يطال "تماسيح الغنائم".

مشاريع وأوراش وتدابير كثيرة لا يمكن حصرها، وقد بدأت تتحرر واقعيّا من معضلة "عنق الزجاجة" الذي حلم عدد من المغاربة بالخروج منه افتراضيا، مع نهاية العام المنصرم.

والدروس التي يجب أخذها من حالة جهة الدار البيضاء – سطات، التي تأجلت الزيارة لعاصمتها من قبل، أكثر من مرة، هي عدم انتظار برمجة زيارة ملكية من أجل إصلاح الأعطاب ومعالجة الملفات الملحة على طاولة المسؤولين.

هي عدم توفير الشروط التي نعلق بسببها جميعا عند نقطة "عنق الزجاجة".

هي ترك المكاتب المكيفة لمن يحملون صفة الكتاب العموميين، الذين تفرض مهامهم صياغة التقارير لا غير، وترك الكراسي المريحة لفنادق "المثلث الذهبي" بالمدينة، وما تحمل تحت طاولاتها من مكاسب شخصية، والنزول إلى الشارع للاختلاط بالناس، من أجل انتشال الملايين من وضع خانق، برا وجوا وبحرا!

"الدار البيضاء تتحرك".. نعم. لكن لا يمكن أن تنجح هذه الدينامية دون انخراط الجميع في الالتزام بقناعة أن المسؤولية وجدت من أجل خدمة المواطن، وليس الاغتناء على حساب حاجياته، والاستئساد عليه بالسلطة.

جهة الدار البيضاء - سطات تحتاج لأن يشفى كل المسؤولين فيها، منتخبين ومعينين من لعنة ارتباط السلطة بالبحث عن الغنائم، والاقتناع بأن ما ينتظر المغرب والمغاربة مستقبلا؛ هو الامتحان بعد التتويج بما يجب أن يتحقق اليوم، والحال كذلك يجب أن يكون بباقي جهات المملكة.

يجب أن يتحقق كل هذا دون انتظار آخر دقائق المباريات الحاسمة، للبحث عن التعادل أو تسجيل هدف الفوز داخل شباك مهترئة، وإن اهتزت، يمكن أن تنسل الكرة من بين عيونها. وكم يصعب العودة إلى تقنية "الفار" حينها من أجل التأكد من صحة الهدف، خاصة عندما يتعلق الأمر بتقييم شعبي لما تحقق وما لم يتحقق بعد.

يجب أن يرتبط مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة دون تأجيل، وجعله المحرك وليس الهدف في حد ذاته. تحريكه مع أول تعثر يمس جيوب الدولة ومصالح مواطنيها.

بهذا كله، وما يقتنع به كل مغربي يحلم بالعيش الكريم، يمكن أن يُجبر المسؤول على انتظار الزيارة الملكية، وإن كانت دون إخبار مسبق، من أجل تتويج ما تحقق، وليس وضعه فوق كفة الامتحان الذي يقبل النجاح أو الرسوب، بل وفي كثير من الأحيان، المرور إلى الدورة الاستدراكية التي تسقطنا داخل دوامة حلقة لا متناهية.