أحمد مدياني: وهبي.. "ماشي كاع ولاد عبد الواحد واحد!"

أحمد مدياني
أحمد مدياني

بعد تعيينه بأشهر على رأس وزارة العدل، أجريت حوارا مطولا مع وزيرها عبد اللطيف وهبي نشر على صفحات مجلة "Telquel" وموقع "تيلكيل عربي". حوار من بين ما دار فيه موقف ابن حزب الطليعة الديمقراطي السابق، اتجاه جمعيات وهيآت حماية المال العام. وكان جوابه حينها مباشرا وواضحا، وهو أنه لا ينظر بعين الرضى التام لخلفيات طلبات التحقيق والشكايات المقدمة في ملفات الفساد ونهب المال العام، إذ تحولت بحسبه لنوع من أنواع "الابتزاز".

وهبي وبعد ما باح به في حواره، خرج بعد ذلك، وتحديدا يوم 19 أبريل 2022 بمجلس المستشارين، وقال حينها: "لن نجد مستقبلا من يترشح للانتخابات". وربط وزير العدل ما اعتبره تخوفا، بالشكايات التي ترفعها هيئات وجمعيات حماية المال العام ضد المنتخبين، بل ذهب إلى حد اعتبار أن عددا من تلك الشكايات لا تتجاوز كونها "تصفية للحسابات".

وقبل الخوض في مدى صحة منطلقات وهبي من عدمها، وجب التنبيه إلى أن ما جاءت به المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، ليس مفاجئا، بل تحدث عنه الوزير صراحة ما من مرة، وصاح أمام الجميع عن قناعاته التي ترجمت حبرا على ورق اليوم. لذلك، لا مانع من الاعتراف بأن التفاعل مع هذا الملف جاء متأخرا جدا، ولم يرافق تصريحات وهبي حينها النقاش الكافي والعميق والمؤثر أيضا. تم الاكتفاء كما هي العادة بالتفرج وانتظار ممارسة رد الفعل عوض الفعل.

لنعد إلى ما ترجمه وزير العدل من قناعات على أرض الواقع:

أعتقد في الأصل أن كل قانون تتم صياغته أو تعديله، يؤخذ فيه بمبدأ جلب المنفعة العامة والخاصة، وليس القياس على استغلاله من طرف البعض.

يعني أنه يجب أن نضع ما تثيره جمعيات وهيآت حماية المال العام في سياق ما تم تحقيقه بفضلها، وفق تقييم شامل وليس على أساس ما تنتجه استثناءات المصالح الخاصة التي وصفها وزير العدل بوسم "تصفية الحسابات"، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يصعب في الأصل إثبات بأنها كذلك.

هل كل الملفات التي يحركها "حماة المال العام" تصفية للحسابات؟

الجواب سيكون سهلا إن جاء على لسان المتضررين من رقابتهم، والأكيد أنهم سوف يقدمون في دفوعاتهم الشكلية مئات المبررات على أنهم مستهدفين فقط من منطلق "تصفية الحسابات" أو "الابتزاز".

لكن الجواب بواقع الحال، يخبرنا بأن مئات إن لم نقل الآلاف من ملفات الفساد ونهب المال العام التي طفت على السطح، نبهنا إليها "حماة المال العام". والحال أنهم لم يكتفوا بذلك، بل وفروا للمجتمع نافذة تترجم التنزيل الفعلي للحق في الحصول على المعلوم والوصول إليها. علما أنه ليس كافيا فقط الإعلان عن فتح تحقيق أو تفعيل متابعة قضائية، بل من الضروري أيضا معرفة مآل الملفات الموضوعة على طاولة القضاء، خاصة وأن المغاربة فقدوا منذ زمن الثقة في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وأجبرتهم الأطنان من الملفات التي دخلت ثلاجة القضاء ومجالس الحسابات والرقابة على عدم إنتظار نتائج الطمأنة اتجاه تحصين المال العام.

وواقع الحال يخبرنا أيضا بأن الحاجة مستمرة للفعل الذي تقوم به جمعيات وهيآت حماية المال العام، بالنظر إلى استمرار تفشي سرطان الجمع ما بين السلطة والثروة واستغلالهما معا لأجل غنائم بعضهما، إذ وفي كثير من الملفات، يكون المسؤول هو نفسه الخصم والحكم وإن اختلفت الأسماء والألقاب وحتى الصفات.

ألم يكن من الأفضل أن يجتهد وزير العدل عبد اللطيف وهبي ومن يناصروه بصياغة مادة في مشروع قانون المسطرة الجنائية، تؤطر الحق في تحريك الدعوى أو المطالبة بالتحقيق من طرف المجتمع المدني عوض إعدام هذا الحق نهائيا؟

هذا الاجتهاد كان سيكون أصل المنفعة العامة. لأنه داخل جمعيات وهيآت حماية المال العام وكما ردد أجدادنا على مر القرون للتمييز بين مراتب أفراد العائلة الواحدة "ماشي كاع ولاد عبد الواحد واحد".