أزمة الرياضة قانونها.. باحثون يفككون أعطاب الرياضة

إدريس التزارني

جاء في ديباجة القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية أن الرياضة الوطنية عانت، منذ عدة سنوات، من العديد من الاختلالات شكلت عائقا لمسلسل تعزيز الديمقراطية والتنمية الاجتماعية والبشرية، وبدت النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في هذا المجال غير كافية، أو غير دقيقة، بالنسبة لتنظيم وتسيير الشأن الرياضي الذي أصبح في الوقت الراهن خاضعا للعولمة وفي تطور سريع، مما يقتضي إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للرياضة، والتي تتجسد في إعداد هذا القانون الذي يرمي إلى جعل الرياضة ركيزة من ركائز النموذج الاجتماعي المغربي وعاملا لإشعاع المغرب على المستوى العالمي.

وعانى القانون 30.09 من سوء فهم وتنزيل مضامينه، وعدم الاهتمام بنصوصه في كثير من الحالات التي توضح بالملموس افتقار الأندية الوطنية لثقافة التنزيل الدقيق لمضامين النصوص القانونية المؤطرة للرياضة من أجل الإسهام في جودة الممارسة الرياضية والرقي بها، وجعلها ركيزة أساسية للتنمية والنموذج المغربي على المستوى العالمي.

يطرح هذا التجاهل وسوء التقدير وصعوبة التنزيل أحيانا، والتباين الحاصل بين الممارسة الرياضية في علاقتها بالقانون، إشكالات عديدة أهمها عدم مواكبة الفاعل الرياضي للمستجدات التشريعية المرتبطة بالرياضة رغم مرور 17 سنة على اعتماد القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية، و18 سنة على الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية بالصخيرات سنة 2008، كما أن نيل المغرب استضافة منافسات كأس العالم 2030 يعيد طرح سؤال: هل يمكن تحقيق نهضة رياضية بالإطار القانوني الحالي، وألا يحتاج النص القانوني إلى تأطير قانوني في ظل اللاتوازي بين التشريع وواقع الممارسة؟

مجلة "TEL SPORT" تفتح نقاش جدوائية النص القانوني المؤطر لمنظومة الرياضة المغربية، وتستدعي ضمن هذا الملف خبراء وأكاديميين فاعلين في المجال وعلى صلة بمضمون النص القانوني لتفكيك وطرح رؤى جديدة حول الموضوع.

قانون لا يلائم الدستور

بعد 13 سنة من العمل بالقانون 30.09 وضعت المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب مقترح قانون يهدف إلى ملاءمة القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة مع مقتضيات دستور سنة 2011، خاصة أنه صدر قبل الدستور الجديد الذي جاء بمقتضيات متقدمة جدا على مستوى الحريات العامة، واستقلالية العمل الجمعوي.

في هذا الصدد، قال رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، في تصريح لمجلة "TEL SPORT"، إن القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة يعد نصا مؤسسا للممارسة الرياضية ببلادنا في بعده التنظيمي والتشريعي، ويتضمن العديد من المقتضيات المهمة، إلا أنه، مثل العديد من النصوص المؤسسة، يتطلب العديد من المراجعات بفعل التحولات الكبيرة التي تعرفها الساحة الرياضية الدولية والوطنية التي من المفروض أن يواكبها، كما أن المتتبع للشأن الرياضي، والممارس أيضا، يقف في الكثير من الأحيان على حجم الصعوبات والإكراهات والتعقيدات التي يطرحها هذا النص القانوني على مستوى الممارسة، وهي الخلاصة التي قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره حول السياسة الرياضية بالمغرب.

ارتباطا بهذا السياق، ارتأت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية تقديم جملة من التعديلات على هذا النص، وذلك للاعتبارات التالية :

- ملاءمة القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة مع مقتضيات دستور سنة 2011 خاصة أن هذا القانون صدر قبل الدستور الجديد، الذي جاء بمقتضيات جد متقدمة على مستوى الحريات العامة، واستقلالية العمل الجمعوي، والحق في الحصول على المعلومة، وتقوية المقاربة التشاركية وتوسيع صلاحيات المجالس المنتخبة والجهوية الموسعة، وتقوية صلاحيات مؤسسات الحكامة.

واستطرد أن تصدير الدستور جاء فيه "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة، فيما ينص الفصل الأول على أنه "يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

بل أيضا الفصل 12 الذي أشار إلى أنه "تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون، وتُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون.

وأضاف بوانو أنه يجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية بناء على المقتضيات الدستورية، مشيرا إلى أن المادة 26 منه تؤكد أن السلطات العمومية تدعم بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة. كما تسعى لتطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة.

كما ينص الفصل 31 على أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية، إلى جانب تقوية المقاربة التشاركية وتقوية صلاحيات المجالس المنتخبة والجهوية الموسعة المحددة في الفصول من 135 الى 139.

وأشار بوانو إلى توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المتضمنة في مذكرته حول حرية الجمعيات بالمغرب، نونبر 2015، مرجعية الكونية لحقوق الإنسان (الفقرة 10 من مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول حرية الجمعيات بالمغرب نونبر 2015)، والمواثيق الدولية في ما يتعلق بحرية الجمعيات واستقلاليتها.

وهو إحراج للمغرب في المحافل الدولية، يقول بوانو، عندما تتدخل الوزارة في حل الجمعيات الرياضية وتعين مكاتب مؤقتة وتفرض موظفيها أعضاء في مكاتب الجمعيات وموظفين لدى الجامعات، علما أن المنظمات الدولية الرياضية تدعو الى استقلالية الشأن الرياضي وضرورة حياد الجهاز التنفيذي.

وأوضح بوانو أن الأهداف من التعديل هي منع حل الجامعات والعصب والجمعيات الرياضية من طرف الإدارة إلا بمقرر قضائي، ومنع توقيف الجامعات والعصب والجمعيات الرياضية من طرف الإدارة إلا بمقرر قضائي، ومنع مشاركة ممثل الإدارة في المكتب المسير للجامعات والعصب والجمعيات الرياضية، وجعل حضوره بصفة استشارية، بهدف تكريس المنهج الديموقراطي، وتحويل العضوية من فعلية إلى شرفية باللجنة الوطنية الأولمبية لكل مغربي حصل على العضوية باللجنة الأولمبية الدولية بهدف تكريس المنهج الديموقراطي، وتكريس مبدأ حرية التصرف للجمعيات الرياضية طبقا الدستور، وتبسيط شروط تأسيس الشركات الرياضية، وفتح مجال الاستثمار الرياضي في وجه المقاول الذاتي، وتطوير التعليم والتكوين الرياضي والممارسة والمنافسات الرياضية عن بعدن كالكراطي الاستعراضي، الشطرنج.

وتنزيل توصية المجلس الأعلى للحسابات حول ضعف مداخيل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من تفويت حقوق البث للأنشطة الرياضية، وتكريس مبدأ إخضاع جميع المعاملات إلى قانون الالتزامات والعقود، وتقليص سن الممارسة الرياضية إلى 10 سنوات، وحذف الشروط التي يمكن أن تحد من ولوج الصحافيين للملاعب الرياضية.

مساءلة مشروع الشركات الرياضية

المهدي الزوات، المحامي بهيئة الدار البيضاء، قال في تصريح لمجلة "TEL SPORT"، إن الرياضة في المغرب شهدت تحولات كبيرة خلال العقدين الأخيرين، سواء من حيث التنظيم أو من حيث البعد الاقتصادي والتجاري للنشاط الرياضي، ومن بين أهم الإصلاحات التي مست هذا القطاع، يبرز القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، الذي أدخل مفهوم "الشركات الرياضية" كآلية لتحديث وتطوير الحكامة الرياضية، خاصة في ما يتعلق بالأندية الرياضية المحترفة، ما يطرح سؤال مدى نجاح هذا القانون في إرساء إطار قانوني فعال لتنظيم الشركات الرياضية، والتحديات التي تواجهها هذه الشركات في الواقع.

يقول الزوات: القانون 30.09 كإطار تشريعي يُنظم قطاع الرياضة بالمغرب، جاء بمستجدات مهمة أبرزها إلزامية تحويل الأندية الرياضية المحترفة إلى شركات رياضية، وقد نصت المادة 15 من القانون على ضرورة خضوع الأندية التي تمارس نشاطا رياضيا احترافيا لمنطق المقاولة عبر تأسيس شركات رياضية تتخذ شكل شركات مساهمة (Sociétés Anonymes) وفقًا لمقتضيات القانون التجاري، وهو توجه يهدف إلى تعزيز الحكامة الجيدة والشفافية المالية، حيث يُفترض أن يضمن إطار الشركة الرياضية تدبيرا ماليا وإداريا أكثر احترافية مقارنة بالجمعيات الرياضية التقليدية، كما أن الفصل بين النشاط الرياضي كجمعية والنشاط الاقتصادي كشركة يُفترض أن يُحدّ من التداخل بين التسيير الرياضي والمالي، ويحدّ من العجز المالي الذي كانت تعرفه بعض الأندية.

دوافع التحول إلى شركات رياضية

أوضح الزوات، في حديثه لـ"TEL SPORT"، إن الغرض هو تعزيز الشفافية المالية والحكامة، لأنه قبل إقرار القانون 30.09، كانت الأندية الرياضية تشتغل أساسا كجمعيات رياضية غير ربحية، مما كان يحدّ من قدرتها على استقطاب المستثمرين والممولين. ومن خلال الشركات الرياضية، أصبح بإمكان الأندية البحث عن شراكات استراتيجية وجلب استثمارات، مما يعزز استدامتها المالية، بالإضافة إلى تحسين مستوى المنافسة الرياضية؛ في الدول التي تبنّت هذا النموذج، مثل فرنسا وإنجلترا، حيث أدى تحول الأندية إلى شركات إلى ارتفاع مستواها التنافسي، نظرا لتحسن بنيتها المالية وقدرتها على الاستثمار في المواهب والبنيات التحتية. وكان الرهان في المغرب أن يؤدي هذا التحول إلى تحسين مستوى الأندية الوطنية وتعزيز حضورها على الساحتين الإفريقية والدولية.

وأضاف: "بالإضافة إلى ما سبق كان الهدف أيضا خلق ديناميكية اقتصادية جديدة: حيث إن تحويل الأندية إلى شركات رياضية يفتح الباب أمامها لتنويع مصادر دخلها، من خلال الاستثمار في التسويق الرياضي، والعقود الإعلانية، وحقوق البث التلفزيوني، والترويج لمنتجات الأندية، مما يجعلها أكثر استقلالية ماليا وأقل اعتمادًا على الدعم العمومي.

تحديات الشركات الرياضية

وأكمل الزوات أنه رغم الأهداف الطموحة التي حملها القانون 30.09، فإن تطبيقه على أرض الواقع واجه عدة عراقيل، مما أدى إلى بطء في وتيرة تحول الأندية إلى شركات رياضية. ومن أبرز هذه التحديات:

الإشكالات القانونية والمؤسساتية: تواجه العديد من الأندية صعوبة في الالتزام بالإطار القانوني الجديد، خصوصًا في ظل عدم وجود نصوص تنظيمية كافية توضح بشكل دقيق كيفية الانتقال من الجمعية الرياضية إلى الشركة الرياضية، مما يخلق نوعًا من الفراغ القانوني.

ضعف الثقافة المقاولاتية داخل الأندية: رغم أن الهدف من الشركات الرياضية هو تعزيز الاحترافية، إلا أن العديد من الأندية لا تزال تُدار بعقلية "الجمعيات"، حيث يتم اتخاذ القرارات بطرق غير مؤسساتية، دون مراعاة لمتطلبات التدبير المقاولاتي القائم على التدبير المحاسباتي الصارم، والتخطيط الاستراتيجي، واستقطاب الكفاءات الإدارية المتخصصة.

إشكالية التمويل والاستثمار: لا تزال الشركات الرياضية تجد صعوبة في استقطاب مستثمرين، خاصة وأن البيئة القانونية والاقتصادية غير محفزة بما يكفي. فالعديد من رجال الأعمال لا يرون في الاستثمار الرياضي فرصة رابحة، خاصة في ظل غياب نموذج اقتصادي ناجح للأندية المغربية.

ضعف المردودية الاقتصادية للقطاع الرياضي: يبقى الاقتصاد الرياضي في المغرب محدودًا مقارنة بدول أخرى، حيث لا تزال مداخيل البث التلفزيوني ضعيفة، وإيرادات التسويق والرعاية غير كافية لضمان الاستدامة المالية للأندية. وهذا يؤثر بشكل مباشر على جدوى الشركات الرياضية، حيث يظل نجاحها رهينا بتطور السوق الرياضي بشكل عام.

ولتفعيل أفضل لنظام الشركات الرياضية يقول المهدي الزوات إنه لينجح نموذج الشركات الرياضية في تحقيق أهدافه، هناك حاجة إلى تدخلات على عدة مستويات:

توضيح الإطار القانوني والتنظيمي: يجب على المشرع إصدار نصوص تنظيمية مكملة للقانون 30.09 تحدد بشكل دقيق إجراءات التحول إلى شركات رياضية، ومسؤوليات المساهمين، وآليات الرقابة المالية والإدارية.

تعزيز الحكامة والشفافية: يتطلب نجاح الشركات الرياضية تغييرًا جذريًا في ثقافة التسيير داخل الأندية، مع التركيز على اعتماد ممارسات تدبيرية شفافة، واحترام مبادئ المحاسبة، والابتعاد عن التدبير العشوائي.

تحفيز الاستثمار في المجال الرياضي: من الضروري توفير بيئة قانونية وضريبية مشجعة للمستثمرين، عبر تقديم تحفيزات ضريبية للشركات الداعمة للرياضة، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

تطوير مصادر التمويل: يجب التركيز على استغلال حقوق البث التلفزيوني بشكل أكثر احترافية، وتنويع مصادر الدخل من خلال الترويج للأندية كعلامات تجارية، وتعزيز التسويق الرياضي.

تجاهل الحكومة لمشاريع القوانين

من جانبه، قدم الفريق الحركي بمجلس النواب، سنة 2023، ثاني مقترح قانون لتعديل وتتميم قانون التربية البدنية والرياضة 30.09، معتبرا أن القانون القديم أصبح متجاوزا في ظل المستجدات الدستورية والتطورات التي عرفتها وتعرفها منظومة الرياضة الوطنية، وأنه يسعى للتنصيص على ضمان انخراط الرياضيين في نظام التغطية الصحية والاجتماعية على ضوء القانون الإطار للحماية الاجتماعية.

واقتراح قانون الفريق الحركي مقتضيات لتوسيع قاعدة التنافي، لتشمل التنافي بين تحمل المسؤولية في رئاسة وعضوية مكاتب الجمعيات الرياضية والجامعات الرياضية الوطنية والعصب الاحترافية والعصب الجهوية للهواة وباقي الهيئات الرياضية، وبين الرئاسة والعضوية في البرلمان والجماعات الترابية والغرف المهنية.

وأوضح مقترح القانون أنه على الرغم من التطور البنيوي والوظيفي للرياضة الوطنية فإن المنظومة القانونية لاتزال بعيدة عن مواكبة هذا التطور واستيعاب المستجدات التي يعرفها هذا القطاع الاستراتيجي في بعدها الإيجابي أو من حيث الممارسات السلبية التي تسيئ إليه، حيث إنه لايزال مؤطرا بالقانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة الصادر بتاريخ 14 غشت 2010 والذي تعتريه، حسب المقترح، مجموعة من الفراغات القانونية والتنظيمية.

وأوضح أنه بادر إلى تقديم هذا المقترح الرامي إلى تغيير وتتميم بعض المواد في القانون السالف الذكر بغية تجويد الحكامة في المؤسسات الرياضية وملاءمته مع المستجدات الدستورية، وكذا ترسيخ وتعزيز خيار استقلالية مختلف المؤسسات والهيئات الرياضية الوطنية والجهوية عبر توسيع قاعدة التنافي، وتجويد الحكامة المالية لهذه الهيئات وتعزيز أدوار الرياضة المدرسية والجامعية واقتراح آليات لمأسسة الرياضة المحلية.

ومن بين التعديلات التي قدمها الفريق، رفع المنع عن الجمعيات الرياضية المدرسية وفسح المجال أمامها للمشاركة في مختلف المنافسات الرياضية الوطنية والدولية واستثمار كفاءتها وفسح الآفاق أمامها، مع إنهاء منطق التعيين في الجمعيات الرياضية، وترسيخ خيار الانتخاب في تولي مسؤوليات تدبير الشأن الرياضي، كما يهدف هذا التعديل إلى ضمان استقلالية الرئيس المنتدب المكلف بالتسيير.

وأوصى الفريق الحركي، في مقترحه، بتضمين حالات التنافي في الأنظمة الأساسية للجمعيات الرياضية ومختلف الهيئات الرياضية على مستوى رئاستها وتسييرها، مع توسيع قاعدة التنافي مع العضوية في المكتب المديري للجمعيات ومختلف الهيئات الرياضية لتشمل العضوية في مجلسي البرلمان وفي رئاسة الجماعات الترابية والغرف المهنية وفي مكاتبها، تعزيزا لاستقلالية الشأن الرياضي عن المسؤوليات الانتخابية.

وشدد المقترح على منع أي شخص من ممارسة مهنة الوكيل الرياضي إذا كان عضوا في أحد مجلسي البرلمان أو رئيسا أو عضوا في مكتب جماعة ترابية أو غرفة مهنية بهدف ضمان استقلالية المهنة، مع اقتراح إضافة العاملين في الصحافة الرقمية في قائمة الأشخاص المعنيين بالولوج مجانا إلى الملاعب الرياضية للصحافيين الرياضيين المعتمدين من لدن الإدارة العاملين بمؤسسات الإعلام المكتوب أو السمعي البصري أو الرقمي، مع مراعاة الإكراهات المرتبطة بسلامة الجمهور والرياضيين وبالطاقة الاستيعابية لهذه الملاعب وكذا ضمان مكان خاص لهم في الملاعب لتمكينهم من أداء واجبهم في أحسن الظروف.

وأضاف الفريق الحركي في مقترحه مادة تعاقب كل مسؤول في هيئة رياضية ساهم في التلاعب بنتائج المنافسات الرياضية أو قام باستغلال مهمته الانتدابية في هيئة رياضية لخدمة مصالحه الشخصية أو السياسية، بهدف حماية المنافسات الرياضية من كل أشكال الإفساد والحفاظ على نزاهة تدبير شؤون الهيئات الرياضية.

وتعليقا على المقترح، قال رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي، في تصريح لـ"TEL SPORT"، إن الفريق الحركي بمجلس النواب، تقدم بالفعل بمقترحي قانونين متعلقين بالرياضة، يهم الأول تعديل القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، ويهم الثاني إحداث المحاكم الرياضية، رغم أن الحكومة لم تتجاوب مع هذين المقترحين، علما أن الفريق تقدم بمائة (100) مقترح قانون خلال النصف الأول من هذه الولاية، لكن التفاعل كان جزئيا مع بعض المقترحات المعدودة على رؤوس الأصابع، وهذا الأمر لا يقتصر على الفريق الحركي، بل يشمل أيضا مقترحات قوانين باقي النواب، بمن فيهم المنتمون إلى الأغلبية الحكومية.

وأضاف السنتيسي: "حين تقدمنا بمقترح القانون موضوع سؤالكم، كانت غايتنا فتح نقاش حول قانون التربية البدنية والرياضة، وذلك لعدة اعتبارات وأسباب، فهذا القانون جاء قبل الدستور 2011، لذا كان من اللازم مواكبته مع الدستور، ومع القوانين التنظيمية ذات الصلة، حيث إنه ما زال يحيل على قوانين تم نسخها، كما هو الشأن بالنسبة للقانون 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات الذي يعود إلى سنة 1997، ومن جهة أخرى، فإن الممارسة الرياضية ببلادنا عرفت تطورا مهما، والمأمول هو الارتقاء بشكل أكثر تطورا للرياضة، ومن ثمة لا بد من مواكبة هذا الطموح الشعبي بإرساء ترسانة قانونية متكاملة وشاملة، وسد الثغرات التي يعرفها هذا القانون الذي يعود إلى سنة 2010.

نعتقد في الفريق الحركي أن قوانين الرياضة يجب أن تواكب الطفرة الرياضية التي تعرفها بلادنا، لاسيما أن المغرب مقبل على تظاهرات رياضية قارية ووطنية مهمة، وعلى رأسها كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم لكرة القدم".

وتابع: "نعتبر أنه لا يتعين الاقتصار على كرة القدم فقط، بل لا بد من التركيز على كل الرياضات سواء الفردية أو الجماعية وكذا الرياضة المدرسية، والحكومة مطالبة بالحضور إلى اللجنة المختصة والمناقشة دون الاكتفاء بالرد بعدم القبول، بل يتعين عليها الحضور والمناقشة كما تنص على ذلك المادة 24 من القانون التنظيمي لتسيير أشغال الحكومة، وهذه الاجتهادات في مجال التشريع نعتبرها ملكا للبرلمان وليس لأشخاص بعينهم، وبالتالي وجب التعامل معها بمقاربة تنتصر للمصلحة العليا للوطن".

اللجنة الموضوعاتية

ينص النظام الداخلي لمجلس النواب في بابه التاسع على إحداث مجموعات العمل الموضوعاتية المؤقتة، وحدد لذلك المواد من 72 إلى 81، والتي تؤكد على أنها تحدث بقرار من مكتب المجلس، بمبادرة من رئيس المجلس أو بطلب من رئيس فريق أو رئيس مجموعة نيابية، كما أنها مؤقتة بطبيعتها، وتنتهي بانتهاء المهمة التي أحدثت من أجلها أو بقرار المكتب المجلس، وتهتم بدراسات وأبحاث وإعداد تقارير لا يعود الاختصاص فيها لدور اللجان الدائمة التشريعي والرقابي، وتتشكل من ممثل عن كل فريق ومجموعة نيابية، ويراعى في تشكيلها مبدأ المناصفة والتخصص والخبرة، ويجب أن تقدم تقريرها في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ أول إجراء تقوم به بعد تشكيلها، وإذا تعذر عليها ذلك، وجب عليها أن تقدم تقريرا، يقرر مكتب المجلس على أساسه ما إذا كان ينبغي عليها أن تستمر في القيام بالمهمة المسندة إليها إلى حين الانتهاء منها، أو أن ينهي مهنتها، كما أن التقارير التي أعدتها تحال على مكتب المجلس الذي يقرر في مآلها، وإذا قرر عرضها على الجلسة العامة يقوم بتعميمها على جميع أعضاء المجلس ثمان وأربعين 48 ساعة على الأقل قبل مناقشتها بهذه الجلسة العامة.

ولتقييم السياسة الرياضية بالمغرب، أحدث مجلس النواب لجنة موضوعاتية مكلفة بتقييم الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2008-2020، والتي عقدت عدة اجتماعات مع الهيئات المتداخلة في الشأن الرياضي، ومن جملتها زيارات ولقاءات مع خبراء في مجال الرياضة بشكل عام.

مصادر مجلة "TEL SPORT" من داخل اللجنة أكدت أن هناك إجماعا داخل اللجنة على أن القانون المؤطر للرياضة يحتاج إلى تعميق النقاش، وأن اللجنة ستنظم، خلال شهر ماي المقبل، ورشة خاصة بالجانب المتعلق بالقانون الرياضي، وتحديدا قانون التربية البدنية والرياضة 30.09.

وأوضحت مصادر المجلة، أن هناك قناعة لدى الجميع بأن القانون يشكل حاجزا أمام تطور الرياضة، وهي إحدى أهم الخلاصات التي تبلورت إلى حدود الساعة، كما أن هناك ضعف الوثيقة الرياضية وغيابها مما يلقي بالمسؤولية على المشرع المغربي في تقديم بدائل سعيا لتقنين وتأطير الرياضة قطاع الرياضة بشكل عام.

ثغرات النص القانوني

عبد القادر مستور، الدكتور الباحث بجامعة ابن زهر أكادير، قال في تصريح لمجلة "TEL SPORT"، إن القواعد القانونية مؤطر أساسي للعلاقات بين الأشخاص الطبيعيين والاعتبارين داخل المجتمع بشكل عام لذلك تسعى كل التشريعات المقارنة إلى تنظيم هذه العلاقات في سائر مناحي الحياة بشكل ينسجم مع مبادئ العدالة والإنصاف، فكيف إذا تعلق الأمر بالجانب الرياضي الذي كان ولايزال محور تطور الدول عبر العالم في تجارب نوعية ورائدة. لذلك فالمشرع المغربي لم يخرج، بدوره، عن هذا السياق العالمي والنسق الاقتصادي، حيث يعتبر القانون 09-30 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة إطارا تشريعيا يهدف إلى تنظيم المجال الرياضي وتطوير هذا القطاع بشكل يتماشى مع المكانة التي أصبح يحتلها، كما أظهرت التجربة العملية وجود ثغرات قانونية متعددة تعيق التطبيق السليم لهذا القانون وتحقيق أهدافه، إذ برزت تحديات مختلفة تتطلب التدخل بالسرعة القصوى إلى التعديل والتتميم والتغيير بشكل يتماشى مع إصلاح البنيات التحتية، والتي هي مناط عدد مجلتكم المعنون بشكل دقيق بـ"الإصلاح BIS".

وأضاف مستور قائلا: في نظرنا يعتبر نطاق التطبيق أول ثغرة قانونية في النص التشريعي التي ينبغي تعديلها، إذ يركز القانون الحالي على الأنشطة الرياضية المنظمة من قبل الجامعات والأندية الرياضية، مما يوحي باستثناء العديد من الأنشطة الرياضية الأخرى والمبادرات المجتمعية غير الرسمية إلى حدود الآن من التنظيم (تنظيم كأس العالم (kingsleague، مثلا، كظاهرة رياضية حصلت على متابعات ومشاهدات على مستوى العالم، وهو ما يستدعي التدخل لتوسيع نطاق القانون ليشمل جميع الأنشطة الرياضية سواء الرسمية أو غير الرسمية بشكل ينسجم مع مسمى القانون "قانون التربية البدنية والرياضة".

وتابع قائلا إن الرياضة، اليوم، مجال خصب للاستثمار الرياضي، لذلك فإن القانون 30.09 سكت على آليات التمويل كمنطق أساسي لتطوير المجال الرياضي، ويعتبر فقر الأندية الرياضية الأكثر شعبية اليوم في مجال كرة القدم نموذجا لهذا السكوت التشريعي، مما يهدد حياة العديد منها بالاندثار، لذلك من باب الشفافية أن توضح أساليب التمويل العامة والخاصة، مما يخلق جو الاستثمار الرياضي المطلوب، خاصة في المناطق النائية، بشكل يسمح بتعزيز تكافؤ الفرص بين جميع الأندية والأشخاص بمختلف وضعياتهم.

كما تعتبر إشكالية هيكلة الجمعيات الرياضية من المطالب الكبرى في التعديل، إذ يعد فرض القانون للتمييز بين الجمعيات الرياضية وحيدة النشاط ومتعددة الأنشطة إشكالية كبرى في التمويل بالنظر لشعبية نشاط على آخر في وقت يتطلب مراعاة كل الأنشطة، وبالتالي الاهتمام بالرياضات الأولمبية وإقصاء غير الأولمبية.

وتعتبر حالة التنافي من الشروط غير الموضوعية، في نظر المتحدث، إذ يحظر القانون على الأفراد الذين يحملون صفة رياضي أو إطار رياضي أن يكونوا أعضاء بالمكتب المديري للجمعية الرياضية نفسها، لذا يعتبر المتحدث أن هذا الشرط ينبغي أن يدرج استثناء الجمعيات الصغيرة منه، في وقت قد تجد في المناطق النائية قيام المؤسس بدور المؤطر والإداري معا لغياب مصادر التمويل.

يقول مستور: "لا جدال في أن التحدي الكبير اليوم، الذي يتطلب الجهد والإرادة والمرافقة والمصاحبة، بل أعتبره طوق النجاة في الرياضة هو تحويل الجمعيات الرياضية الكبيرة إلى شركات رياضية، بما يتطلب ذلك من معايير دقيقة خاصة تراعي الخصوصية المغربية وتنسجم مع التشريعات المقارنة، ولعل مشاكل الضرائب المتراكمة منذ محاولة جامعة كرة القدم، على وجه الخصوص، تطبيقه في مجال كرة القدم أكبر دليل على هذا المعطى، كما أنه بالحديث عن الشركات الرياضية يظهر مشكل يتعلق بمختلف المتدخلين في هذا القطاع، مما يتطلب قانونا متكاملا يشمل العقود الرياضية وعلاقتها بقانون الشغل وتنظيم المهن المرتبطة بها من وكلاء اللاعبين، وبالأساس المسيرين، بشكل يتماشى مع المسؤوليات المنصوص عليه في قانون الشركات"، مشيرا إلى أن التعديلات المرتقبة والضرورية للقانون 09-30 المتعلق بالتربية والرياضة يتطلب تضافر جهود كل المهتمين قصد تجويد النص القانوني بشكل يسمح بتطوير الجانب الرياضي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

التشريع الرياضي ورهان تنظيم التظاهرات الكبرى للمغرب

عضو غرفة التحكيم الرياضي بالمغرب، خليل بوبحي، قال في تصريح لمجلة "TEL SPORT"، إن المملكة المغربية تنتظرها استحقاقات رياضية كبرى تنظيميا، سواء على المدى القريب من خلال تنظيم كأس إفريقيا للأمم خلال، نهاية هذه السنة، أو على المدى البعيد من خلال التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 بمعية إسبانيا والبرتغال.

وبعيدا عن المقاربة الاقتصادية للموضوع وما يتطلبه من تعبئة لموارد مالية وبشرية مهمة لإنجاز البنيات التحتية التي تتطلبها هذه التظاهرات الكبرى، سأتوقف قليلا عند المقاربة القانونية للموضوع باعتبارها نقطة في غاية الأهمية، يمكن من خلالها قياس مدى استعداد الدولة أو الحكومة، إن صحّ التعبير، تشريعيا لمواجهة التحديات والرهانات التي تصاحب هذين الحدثين الرياضيين البارزين، وأن تستثمر من خلالهما، ليس فقط لوجيستيكيا، وإنما أيضا من حيث وضع أسس متينة لإقلاع الرياضة الوطنية وجعلها اقتصادا مكتمل العناصر يساهم في الناتج الخام للبلاد.
وفي السياق ذاته، يقول بوبحي: "يمكن أن نتساءل حول مدى استيعاب مواد القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة لهذه الأحداث الرياضية الكبرى، من جهة، وهل أصبح من اللازم التفكير في تطوير هذا النص التشريعي من خلال فتح النقاش العمومي بشأنه في أفق إدخال تعديلات جوهرية على مواده، بشكل يساهم في إعادة هيكلة وبناء مستقبل الرياضة المغربية؟

وحتى أكون دقيقا أقول إنه من الصعب حاليا التفكير في تعديل القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة في صيغته الحالية، خاصة أننا على بعد شهور قليلة من انطلاق كأس إفريقيا للأمم المغرب 2025، وأعتقد أن فتح نقاش عمومي حول أي تعديل قد يطال القانون المذكور سيتم تأجيله، لا المحالة، إلى ما بعد نهاية العرس القاري، وهو في نظري رأي سديد حتى يتسنى تقييم التجربة واستخلاص الدروس منها قصد استثمارها مستقبلا عند تنظيم كأس العالم 2030، لكن أقول إن السلطة الحكومية المكلفة بالرياضة ملزمة بالمقابل بضرورة تسريع وتيرة إخراج النصوص التنظيمية التي طال انتظارها، والتي جعلت من هذا القانون قانونا عقيما لم يحقق ما كان معولا عليه، خاصة ما ارتبط بسلامة المنافسات والتظاهرات الرياضية التي تؤطرها مقتضيات المواد 78 و79 و80 من القانون المذكور حتى يتسنى للسلطات الأمنية والجهات المنظمة الاستناد عليها في العملية التنظيمية إلى جانب لوائح الكاف المتعلقة بهذا الموضوع".

وأضاف الباحث في السياسات الرياضية: "صحيح أن رياضة كرة القدم تحظى بالأولوية في السياسة العامة الحالية للدولة نظرا لشعبيتها، لكن أظن أن هذه الرياضة هي النموذج الذي ينبغي على باقي الرياضات أن تحذو حذوه في السنوات المقبلة في أفق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية سنة 2036 والتي تبقى حلما مشروعا للمغاربة، لكن ومن موقعي كباحث أدعو ليس فقط إلى فتح نقاش عمومي حول تعديل القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة بعد كأس إفريقيا للأمم 2025، وإنما إلى فتح نقاش جاد حول الرياضة الوطنية بشكل عام من خلال مناظرة ثالثة تكون غايتها الأساسية التفكير في وضع استراتيجية وطنية شاملة للرياضة على شكل قانون إطار للرياضة باعتبارها حقا دستوريا، من جهة، ومن جهة أخرى باعتبارها خيارا استراتيجيا ضمن النموذج التنموي الجديد، ناهيك عن ضرورة التفكير في تجميع التشريعات الحالية المرتبطة بالرياضة في مدونة خاصة بالرياضة لتسهيل الوصول إلى المعلومة القانونية بما فيها القانون رقم 09.09 المتعلق بالشغب في الملاعب الرياضية، مع التفكير في وضع إطار قانوني لإنشاء المجلس الوطني للرياضة مع تمتيعه بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري بهدف وضع وتنفيذ وتتبع السياسات الرياضية العمومية مع اللجنة الوطنية الأولمبية والجامعات الرياضية والجهة الحكومية المكلفة بالرياضية من أجل خلق الالتقائية في السياسات العمومية المرتبطة بالرياضة، والإسراع بإخراج المرصد الوطني للرياضة إلى حيز الوجود باعتباره هيئة للتفكير والابتكار في مجال الرياضة.

ودعا بوبحي إلى ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية في تطوير المنظومة الرياضية الاحترافية، وبالخصوص الاستفادة من المصاحبة القانونية التي يقدمها الاتحاد الدولي لكرة القدم للدول التي ستحتضن نهائيات كأس العالم، وخاصة الاستفادة من الصناديق السيادية للفيفا من أجل تمويل مشاريع في مجال تكوين الأطر في مجال التسيير والحكامة من أجل مواكبة أي مخطط استراتيجي للرياضة الوطنية بشكل عام، ورياضة كرة القدم بشكل خاص، كما أن عدم الاهتمام بفتح أي نقاش عمومي عميق خلال السنوات القليلة المقبلة حول التشريع الرياضي ببلادنا، والاقتصار فقط على مقتضيات القانون الحالي، أو التفكير في إدخال تعديلات ترقيعية عليه، كلها عوامل من شأنها أن تجعله عائقا حقيقا أمام أي إقلاع الرياضة الوطنية رغم الصورة التسويقية والإعلامية التي ستحظى بها على الصعيد العالمي. لماذا؟ لأن الاتحاد الدولي لكرة القدم سيسعى من خلال ترسانته القانونية التي سيفرض على الدول المنظمة ضرورة احترامها من أجل إنجاح البطولة التي سيشرف على تنظيمها، في حين أن الاستثمار في الإرث الذي سيتركه تنظيم كأس العالم بالمغرب، مثلا، لن تكون له أي قيمة في غياب ترسانة تشريعية رياضية تصونه من أجل المستقبل.

قانون استثنائي لتجاوز الأعطاب

حمزة الكندي، الباحث في السياسات الرياضية، تحدث لـ"TEL SPORT" حول إعداد إطار قانون جنائي استثنائي لمواكبة متطلبات تنظيم كأس العالم 2030، وهو توجه يفرضه الفراغ القانوني الذي يعتري المنظومة التشريعية في ما يخص التظاهرات الرياضية الكبرى، حيث يقتصر القانون رقم 09.09 المتعلق بمكافحة العنف في التظاهرات الرياضية على التظاهرات المحلية، دون أن يستوعب التعقيدات التي يفرضها حدث كروي عالمي من حجم كأس العالم، ورغم أن هذا القانون يشكل خطوة مهمة في تقنين سلوك الجماهير الرياضية داخل الملاعب المغربية، فإنه لا يتضمن مقتضيات تهم الأبعاد الأمنية العابرة للحدود، ولا الإشكالات المرتبطة بالجريمة المنظمة التي ترافق عادة مثل هذه التظاهرات، كما أنه يفتقد إلى آليات واضحة لتنظيم التعاون الأمني والقضائي الدولي، ويغفل الجوانب المرتبطة بالرهانات الاقتصادية الكبرى لكأس العالم، مثل حقوق البث وحماية العلامات التجارية والتصدي للممارسات غير القانونية التي تستهدف البنية التحتية الرقمية للحدث، مما يستدعي تطوير منظومة تشريعية جديدة تتماشى مع متطلبات الفيفا والتجارب الدولية الناجحة في هذا المجال.

يقول الكندي إنه في ظل تصاعد المخاطر السيبرانية المرتبطة بالهجمات الإلكترونية خلال التظاهرات الكبرى، فإن القانون الاستثنائي يجب أن يتضمن مقتضيات تجرم أي محاولات لاختراق المنصات الرقمية المرتبطة بالبطولة، سواء تلك المتعلقة ببيع التذاكر أو أنظمة النقل المباشر أو قواعد البيانات الخاصة بالجماهير، وذلك عبر فرض عقوبات جنائية، إلى جانب إرساء آليات تنسيق أمني بين المغرب وإسبانيا والبرتغال للتصدي للهجمات المحتملة، لا سيما أن التهديدات السيبرانية أصبحت تمثل أحد أبرز المخاطر التي تواجه التظاهرات الرياضية العالمية، ما يستلزم تعزيز القدرات الوطنية في هذا المجال من خلال اعتماد تشريعات متقدمة تتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

وأوضح الباحث في السياسات الرياضية أنه لا بد أن يتلاءم القانون الاستثنائي مع الاتفاقية رقم 220 لمجلس أوروبا بشأن نهج متكامل للأمن والسلامة والخدمات في المناسبات الرياضية، والتي تعد مرجعا أساسيا في وضع سياسات أمنية متكاملة لتظاهرات رياضية كبرى، حيث تحدد هذه الاتفاقية مجموعة من المبادئ التي يجب الالتزام بها، وعلى رأسها ضرورة التنسيق الوثيق بين الأجهزة الأمنية والقضائية على المستوى الدولي، وتعزيز نهج استباقي في الوقاية من العنف الرياضي، مع التأكيد على أهمية إشراك مختلف الفاعلين، بمن فيهم المنظمات الرياضية والمجتمع المدني، لضمان سلامة الجماهير.

هذه الاتفاقية تفرض أيضا تبني استراتيجيات مرنة ومتعددة الأبعاد تشمل تعزيز البنية التحتية الأمنية داخل الملاعب، وتطوير بروتوكولات التعامل مع الأزمات، وتوفير خدمات متكاملة للجماهير تضمن سلوكا أكثر انضباطا وتفاعلا إيجابيا مع الحدث الرياضي. إضافة إلى ذلك، فإن القانون المغربي المرتقب يجب أن يسترشد بدليل أمن المناسبات الرياضية الكبرى والتجارب الفضلى، الذي يمثل إطارا عمليا يعتمد على دراسات حالة لبطولات سابقة، ويقدم نماذج ناجحة في التعامل مع المخاطر الأمنية واللوجستية والتنظيمية.

وأشار الكندي إلى أن التجارب الدولية أثبتت أن نجاح التظاهرات الرياضية الكبرى لا يرتبط فقط بالقدرة التنظيمية أو الجاهزية اللوجستية، بل يعتمد أساسًا على وجود منظومة قانونية قوية قادرة على مواجهة التحديات المرتبطة بهذه التظاهرات، وهو ما يجعل من القانون الاستثنائي الذي يعده المغرب محطة جوهرية لضمان تنظيم كأس عالم ناجح وآمن. والاستفادة من التجارب السابقة أمر ضروري، حيث اعتمدت دول مثل فرنسا في تنظيمها لكأس العالم 1998 وأولمبياد 2024 إجراءات صارمة في ما يخص المراقبة الأمنية والمتابعات القضائية السريعة، فيما تبنت البرازيل، خلال كأس العالم 2014، آليات مشددة ضد الشغب الرياضي واستعانت بالجيش لحفظ الأمن في بعض المدن، في حين فرضت روسيا، خلال مونديال 2018، نظام بطاقة المشجع الإلزامي لضبط تحركات الجماهير ومراقبة سلوكياتهم داخل الملاعب.

هذه التجارب تظهر أن الدول الناجحة في تنظيم التظاهرات الكبرى هي التي تمكنت من صياغة أطر قانونية استباقية تأخذ بعين الاعتبار التحديات المختلفة وتوفر حلولًا قانونية تضمن نجاح البطولة دون المساس بالحقوق والحريات الأساسية.

غياب الحماية القانونية للقاصر الرياضي

المحامي بهيئة الدار البيضاء، زكرياء كحيلي، قال في تصريح لمجلة "TEL SPORT"، إن قانون 30-09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة يعتبر الإطار القانوني الرئيسي الذي ينظم المجال الرياضي. ومع ذلك، فإن هذا القانون يفتقر إلى نصوص واضحة وفعالة تحمي حقوق اللاعبين القاصرين، مما يعرضهم لخطر الاستغلال الجسدي والنفسي والمالي، فالقانون لا يتضمن آليات محددة لتنظيم مشاركة القاصرين في الأنشطة الرياضية، ولا يفرض قواعد صارمة لضمان سلامتهم أو حماية حقوقهم الأساسية.

وأضاف أنه، وفي ظل هذا الوضع، أصبحت الحاجة ملحة إلى إصلاحات قانونية تعزز حماية اللاعبين القاصرين، خاصة في ظل الطبيعة التنافسية للرياضة الحديثة التي قد تدفع بالأندية والاتحادات إلى إهمال مصلحة القاصرين لتحقيق مكاسب سريعة. ومن هنا تأتي أهمية دراسة غياب الحماية القانونية للقاصر الرياضي في قانون 30-09، وتحليل الثغرات التي تعتري هذا القانون.

وتابع كحيلي أنه على الرغم من أن قانون 30-09 يتناول العديد من الجوانب المتعلقة بالتربية البدنية والرياضة، إلا أنه لا يولي اهتماما كافيا لحماية حقوق اللاعبين القاصرين، فالقانون لا يتضمن نصوصا واضحة تحدد كيفية التعامل مع القاصرين في المجال الرياضي، سواء من حيث التدريب أو المشاركة في المنافسات أو عمليات الانتقال بين الأندية، وهذا الغياب يترك اللاعبين القاصرين عرضة للاستغلال، خاصة في ظل الطبيعة التنافسية للرياضة الحديثة.

وتابع المحامي بهيئة الدار البيضاء أن قانون 30-09 لا يتضمن ضوابط محددة لتنظيم مشاركة القاصرين في الأنشطة الرياضية. على سبيل المثال، لا توجد قواعد تحدد الحد الأقصى لساعات التدريب اليومية أو الأسبوعية للقاصرين، مما قد يعرضهم للإرهاق الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى ذلك لا يفرض القانون شروطا صارمة على الأندية لتوفير بيئة آمنة وصحية للاعبين القاصرين، سواء من حيث المرافق الرياضية أو الرعاية الطبية.

وأوضح أن من بين الثغرات الكبيرة في قانون 30-09 غياب آليات فعالة لمراقبة وتفتيش الأندية ومراكز التدريب للتأكد من التزامها بحماية حقوق اللاعبين القاصرين. فبدون وجود جهة رقابية مستقلة، يصعب ضمان أن الأندية تلتزم بالمعايير الدولية لحماية الأطفال في الرياضة، مثل تلك المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، مؤكدا أن قضية انتقال اللاعبين القاصرين بين الأندية واحدة من أكثر القضايا إشكالية في غياب حماية قانونية كافية، لأن القانون 30-09 لا يتضمن نصوصا واضحة تحكم عمليات انتقال القاصرين، مما يترك الباب مفتوحا أمام الاستغلال المالي. في كثير من الحالات، يتم استغلال مواهب اللاعبين القاصرين من خلال عقود مجحفة أو صفقات مالية لا تدخل في الاعتبار مصلحتهم الفضلى.

وأشار المحامي بهيئة الدار البيضاء إلى أنه لضمان حماية فعالة للاعبين القاصرين، هناك حاجة إلى إصلاحات قانونية تشمل إضافة نصوص خاصة بالقاصرين، حيث يجب أن يتضمن فصولا خاصة بحماية هذه الفئة، بما في ذلك ضمان حقهم في التعليم الصحة والحياة الأسرية المستقرة، بالإضافة إلى ذلك، يجب وضع ضوابط للتدريب ولمشاركة تحدد الحد الأقصى لساعات التدريب اليومية والأسبوعية وضمان مشاركتهم في المنافسات بما يتناسب مع أعمارهم وقدراتهم الجسدية، مشيرا إلى ضرورة التنصيص على إنشاء جهة رقابية مستقلة، مراقبة وتفتيش الأندية ومراكز التدريب للتأكد من التزامها بحماية حقوق اللاعبين القاصرين، وتنظيم عمليات الانتقال من خلال وضع قواعد صارمة تحكم انتقالهم بين الأندية، بما في ذلك اشتراط موافقة ولي أمره وضمان مصلحة القاصر كمعيار أساسي في جميع القرارات المتعلقة بهم.