بعد نجاحها في إدارة منظمة "يونسكو"، تواجه الفرنسية من أصول مغربية، أودري أزولاي، تحديات نقص التمويل، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من المنظمة، بالإضافة إلى تجميد ثلاث دول كبرى لمساهماتها إلى اليوم برسم العام 2017. كما ستكون نجلة المستشار الملكي أندري أزولاي، أمام امتحان التوازنات السياسية داخل "اليونسكو"، وعلى رأسها ما يهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،
ضغوط أمريكية
لكن إعلان الولايات المتحدة المفاجئ الانسحاب من المنظمة بسبب ما وصفته بالتحيز ضد إسرائيل يعني أن المديرة الجديدة سترث منظمة مضطربة تواجه علامات استفهام ضخمة بشأن تمويلها ومهمتها في المستقبل.
يقول دانيال روندو سفير فرنسا السابق لدى اليونسكو "أعتقد أنه قرار كارثي... إنه صدع يعرض طبيعة اليونسكو نفسها لخطر بالغ: ببعدها العالمي ومفهوم التعددية ذاته". وبالنسبة لبعض الدبلوماسيين في المنظمة يمثل قرار انسحاب واشنطن نقطة تحول ويضع مزيدا من الضغوط على القيادة الجديدة للمنظمة.
وقال دبلوماسي غربي: "هذه أهم انتخابات. لا يمكن أن تكون هناك أربع سنوات أخرى على هذا المنوال". وعبر عن استيائه من إدارة البلغارية إيرينا بوكوفا التي يقول منتقدوها، إنها فشلت في إقناع الدول الأعضاء بسداد المستحقات الواجبة عليهم ولم توقف تسييس عمل المنظمة. وتقبع في قلب مشكلات اليونسكو أزمة تمويل منذ عام 2011 عندما أيدت المنظمة منح فلسطين عضوية كاملة وردت واشنطن بوقف دفع حصتها السنوية البالغة 80 مليون دولار.
وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن 14 عضواً اعترضوا على عضوية فلسطين من أصل 194 عضوا. وتقول واشنطن إنها لا تعارض قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات يوم لكن ذلك ينبغي أن يحدث نتيجة للمفاوضات، كما تقول إن قبول عضوية الفلسطينيين في المنظمات الدولية سلفا يضر بعملية السلام.ومنذ ذلك الحين دأبت إسرائيل على الشكوى من القرارات المتعلقة بالمواقع الثقافية في الضفة الغربية والقدس وتقول إن صياغات هذه القرارات تنزع الشرعية عن الدولة اليهودية.
سلاح التمويل
ومع غياب الأموال الأمريكية اضطرت اليونسكو، التي يعمل بها نحو ألفي شخص في أنحاء العالم، إلى تقليص برامجها وتجميد التوظيف وسد الفجوات بالإسهامات التطوعية. وبلغت ميزانية المنظمة لعام 2017 نحو 326 مليون دولار أي نحو نصف ميزانيتها في 2012. وقال مسؤول بالمنظمة طلب عدم نشر اسمه: "نحتاج إلى عمل أقل (بأموال) أقل. قضينا وقتاً طويلا في محاولة القيام بالكثير دون وسائل... يتعين أن نسوق لأنفسنا بصورة أفضل، لكن دون تمويل سيصعب تغيير صورتنا".
وتشير أرقام منشورة على الموقع الإلكتروني للمنظمة إلى أن لديها مستحقات متأخرة قيمتها نحو 650 مليون دولار منها حوالي 542 مليونا على الولايات المتحدة. وفي هذه المرحلة لا يعرف مسؤولو اليونسكو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسدد المتأخرات قبل أن تترك المنظمة رسميا في 31 ديسمبر كانون الأول 2018. * منع السياسة
لم تسدد أيضا دول مساهمة رئيسية في "اليونسكو"، مثل اليابان وبريطانيا والبرازيل إلى الآن المستحقات الواجبة عليها لعام 2017 اعتراضا في بعض الأحيان على سياسات المنظمة.
وقال دبلوماسي في المنظمة "الحقيقة أن اليونسكو معنية في الأساس بالتضامن وإتاحة مناخ للسلام بين البلدان، لكن دولا تستخدم الآن مستحقاتها للتأثير على البرامج... ويتعين تغيير ذلك".
على سبيل المثال هددت اليابان بحجب المستحقات بسبب إضافة مذبحة نانجينغ في عام 1937 إلى برنامج (سجل ذاكرة العالم) بـ"اليونسكو". ودب خلاف بين روسيا وأوكرانيا على شبه جزيرة القرم واتهمت كييف موسكو بمحاولة إضفاء الشرعية على ضم المنطقة من خلال اليونسكو.
وقال دبلوماسي ثان في "اليونسكو"، إن "على من سيتولى القيادة معالجة هذا الأمر. عليهم أن يجدوا سبلا لجعل الدول تتناول هذه القضايا بالتفصيل، لكن إذا لم يتمكنوا من ذلك فسيكون لزاما على المديرة العامة أن تملك المقدرة على قول ‘لا‘ وأن تمنع هذه الأحاديث".
وعلى النقيض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حيث تملك الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (الفيتو)، تتخذ "اليونسكو" القرارات استناداً إلى غالبية الأصوات سواء عبر أمانتها العامة التي تشمل جميع الدول الأعضاء وعددها 195 دولة أو مجلسها التنفيذي الذي يضم 58 عضوا. وتقول إسرائيل إن هذا يخلق أغلبية قائمة بالفعل من الدول المعادية لها. وتقول الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، التي تقدم أغلب التمويل إن أصواتها المنفردة لا تمنحها سلطة تذكر على كيفية إنفاق أموالها.
وقبل قرار الانسحاب الذي أعلنته الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي، قال دبلوماسيون إن المجلس التنفيذي لليونسكو حاول التملص من المواجهة بالتصويت على تأجيل البت في نصوص إسرائيلية/فلسطينية مثيرة للانقسام حتى أبريل.
وتعهد كل المرشحين لمنصب مدير عام اليونسكو بإجراء إصلاحات جذرية وبذل جهود لنزع الطابع السياسي عن المنظمة.وقالت الفرنسية أزولاي للصحفيين قبل إعلان نتيجة التصويت يوم الجمعة الماضي: "في وقت أزمة كتلك نحتاج أكثر من أي وقت مضى لتقوية ودعم وإصلاح اليونسكو لا تركها". وأضافت أنها ستعمل على تطوير المنظمة. وأضافت أن "أول ما سأفعله هو إعادة مصداقيتها وإعادة إيمان أعضائها بها وفاعليتها حتى يتسنى لها العمل". للإشارة، تتولى "اليونسكو" مسؤولية تحديد مواقع التراث العالمي وحمايتها بدءا من جزر جالاباجوس قبالة سواحل الإكوادور على المحيط الهادي وحتى أضرحة تمبكتو في مالي بغرب أفريقيا.ومعظم أنشطة "اليونسكو" غير مثيرة للجدل، لكن عندما يتصل الأمر على سبيل المثال بقرارات تتعلق بكيفية إدارة المواقع الدينية في القدس، تحتاج كل كلمة للتدقيق خشية توجيه اتهامات بالتحيز.
عن رويتر بتصرف