طلب وزير العدل محمد بن عبد القادر، كما نشر ذلك " تيلكيل عربي"، أمس الأحد، من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، إرجاء عرض مشروع القانون المثير للجدل 22.20, معللا ذلك بظروف جائحة كورونا، وضرورة فتح نقاش مع الجهات المعنية به. " تيلكيل عربي"، كان قد نشر، في عددها الأسبوعي الأخير، ليوم الجمعة 1 ماي، هذا التحقيق عن مشروع القانون 22.20، ومختلف ردود الفعل حوله، والتي انتهت إلى تأجيل عرضه والمصادقة عليه.
"مكمم الأفواه" أو "مكمم الإنترنيت" هذه هي التسمية التي أصبحت تطلق على مشروع القانون 22.20. فلا يكاد يجف مداد موقف مستنكر ورافض له، حتى يظهر آخر، أكثر حدة وتطرفا في رفضه، بسبب ما تضمنه هذا المشروع من تقييد للحريات، بل لما نص عليه من عقوبات حبسية وغرامات مالية ثقيلة.
"تيلكيل عربي" ساءل وزراء ضمن اللجنة الوزارية التي شكلت لغرض مناقشة التعديلات على مشروع القانون، وتحدث لزعماء الأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة، ومن بينهم الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، الذي يمسك حزبه بحقيبة وزارة العدل في شخص الوزير محمد بن عبد القادر الذي قدم مشروع القانون للمناقشة والمصادقة خلال اجتماع المجلس الحكومي ليوم 19 مارس الماضي، وحاول الوصول إلى إجابات عن الأسئلة التالية: ماهي كواليس صياغة مشروع القانون 22.20؟ كم نسخة عدلت منه؟ هل قامت اللجنة التقنية بإنهاء التعديلات بشأنه وعرضه على اللجنة الوزارية المشكلة لهذا الغرض؟ لماذا أصدر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بلاغاً يتبرأ فيه من مشروع القانون ويعلن رفع اليد عنه؟ وهل كانت صياغته وعرضه محط توافق بينه وبين حزب التجمع الوطني للأحرار؟ ما رأي قيادات أحزاب المعارضة في المشروع؟ وبماذا تطالب؟ وهل يمكن أن يتحول غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي منه إلى إطلاق حملة مقاطعة جديدة كما حصل عام 2018؟ أسئلة وأخرى يجيب عنها من تحدثوا لـ"تيلكيل عربي" عن مشروع قانون أصبح أشبه بنص تشريعي "لقيط" ينكر الجميع نسبه إليهم.
أين وصل مشروع القانون؟
حسب مصدر حكومي تحدث لـ"تيلكيل عربي"، فإن "اللجنة التقنية التي شكلت لإدخال ملاحظات الوزراء بشأن مشروع القانون 22.20، عقدت اجتماعها بعد قرابة أسبوع من انعقاد المجلس الحكومي ليوم 19 مارس الماضي، وأنهت خلاله صيغة معدلة، توصل بها الوزراء أعضاء اللجنة الوزارية الذين أوكلت لهم مهمة الحسم في الصيغة النهائية لمشروع القانون قبل إحالته على البرلمان".
المصدر ذاته أكد أن "مشروع القانون، الذي تقدم به وزير العدل محمد بن عبد القادر، عرف نقاشاً مستفيضاً ووجهات نظر متباينة حوله". في الوقت ذاته، لم يخف مصدر "تيلكيل عربي"، وهو عضو في اللجنة الوزارية التي شكلت لحسم الصيغة النهائية لمشروع القانون، أن "الأبعاد التي وصل إليها نقاشه، فرضت صعوبة في التعامل مع النص. هناك تخوف من أن نذهب إلى ما هو أسوأ".
مصدر حكومي آخر كشف لـ"تيلكيل عربي" أنه "كان هناك مشروع أولي أجبنا عنه داخل المجلس الحكومي، وتم النقاش حوله، ونحن الآن أمام مشروع قانون بصيغة مختلفة، يعني لدينا نص جديد سوف نناقشه في اللجنة الوزارية المشكلة لهذا الغرض".
وأجمعت مصادر "تيلكيل عربي" على أن مشروع القانون 22.20 "أثار نقاشاً حقيقياً في المجلس الحكومي، وعرف عرض طروحات قوية".
لكن لماذا تمت المصادقة عليه رغم الاختلاف حوله؟ هذا الأمر أجابت عنه مصادر "تيلكيل عربي" الحكومية بأنه "تقرر اعتماد منهجية مرنة في تمرير نص مشروع القانون، مع التشديد على أن هناك ملاحظات حوله يجب إعادة صياغة النص النهائي على أساسها".
الفصول المثيرة للجدل
المادة 14 من مشروع القانون تنص على أنه "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهماً أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر محتوى إلكتروني بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض على ذلك".
أما المادة 15 فتنص على أنه "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهماً أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر محتوى إلكتروني يحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها".
والمادة 18 تنص على أنه "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 20 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديداً وخطراً على الصحة العامة والأمن البيئي".
هل سحبت هذه المواد من الصيغة النهائية التي أعدتها اللجنة التقنية المشكلة بعد المجلس الحكومي الذي صادق على مشروع القانون؟
الجواب حسب مصادر "تيلكيل عربي" الحكومية، هو أن "هذه المواد عدلت صياغتها، لكن الحسم فيها لن يكون سوى بعد اجتماع اللجنة الوزارية". ورفضت مصادر "تيلكيل عربي" بشدة الكشف عن فحوى ما توصلت به اللجنة الوزارية بخصوص النص النهائي لمشروع القانون 22.20، مبررة ذلك بما تم الإشارة له سابقاً، أي "التخوف من أن يأخذ النقاش حولها أبعاد تؤزم الوضع أكثر مما هو حاصل اليوم، وإطالة أمد التراشق حوله، عوض نقاش النص وتجويده بما لا يمس حرية الرأي والتعبير والحقوق".
"قانون جنائي لصالح الشركات"
حسب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بن عبد الله، "المواد التي تمس بالحريات، وهي المواد 14 و15 و18 من مشروع القانون 22.20، مواد لا محل لها من الإعراب، ولا يمكن أن تمر أبداً بصيغتها الحالية أو بتعديلها، بل يجب سحبها نهائياً من مشروع القانون".
وشدد نبيل بعد الله، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، على أن حزبه "سوف يعارض بشدة مشروع القانون إن وصل إلى البرلمان وهو يتضمن هذه المواد، لأنها تمس بالحريات بشكل كبير".
وأضاف المتحدث ذاته أنه "بداية لم نسمع عن مشروع القانون وكيف تم تمريره في المجلس الحكومي، ولم يكن في علمنا أن هناك مواد بهذه الصيغة. لو كان النص واضحاً ومتاحاً منذ البداية، لتم النقاش حوله، وأنا أتساءل كيف لتيارات تقول إنها تدافع عن الحريات تعرض نصاً تشريعيا بهذه الشحنة، بل يصل إلى المجلس الحكومي وتتم المصادقة عليه".
الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، وصف، من جانبه، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، مشروع القانون 22.20، بأنه "قانون جنائي آخر لصالح الشركات". واستغرب وهبي كيف أن "مشروع القانون تمت المصداقة عليه، حسب ما جاء في البلاغ الذي صدر بعد المجلس الحكومي، رغم أن الوزراء غير متفقين على نصوصه"، وأضاف: "الاتفاق يجب أن يكون قبل المصادقة، وليس العكس. لا يمكن أن نمرر نصا تشريعيا في المجلس الحكومي، ثم نقول سوف نناقشه ونتوافق حوله في ما بعد. الآن هناك اختلاف واضح وتم التصريح به من طرف جميع الأطراف، وهذا عبث وارتباك في إدارة المجلس الحكومي الذي مرر خلاله مشروع القانون".
كما استغرب الأمين العام لـ"البام" من تسريب مواد من مشروع القانون، وتابع في هذا الصدد: "طريقة تسريبه غريبة، خاصة أنه تلاها مباشرة تسريب مذكرة (وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان المصطفى) الرميد بخصوصه".
الاتحاد "يرفع يده عن القانون"!
في خضم موجة الاستهجان التي لاحقت مشروع القانون 22.20، بعد تسريب نصه، توجهت أصابع الاتهام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بالنظر إلى تولي عضو مكتبه السياسي محمد بن عبد القادر لحقيبة وزارة العدل، وإلى أن النص المقترح يحمل توقيعه. ووصل التشكيك في خلفيات صياغة مشروع القانون 22.20 حد اعتبار أن "الأمر تم بتنسيق ما بين الاتحاد الاشتراكي وحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات عزيز أخنوش، الذي كانت شركته للمحروقات "أفريقيا' من ضمن الشركات التي طالتها حملة المقاطعة عام 2018 وتكبدت بسببها خسائر كبيرة".
من ربطوا بين مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، و"التوافق بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار حوله، أثاروا اجتماعاً عقد بين قيادات "الوردة" و"الحمامة"، يوم الخميس 12 مارس الماضي، وصدر بعد الاجتماع بلاغ، جاء فيه أن الحزبين "تفعيلاً لمضامين ميثاق الأغلبية الحكومية بما يمكنها من تنفيذ التزاماتها في جو من الانسجام والتضامن، فإنهما يعبران عن دعمهما التام لوزير العدل في سعيه إلى تسريع وتيرة إصلاح منظومة العدالة. وفي نفس الوقت يؤكدان على ضرورة انخراط الحكومة في أصلاح شامل وعميق للسياسة الجنائية بما يتلاءم مع مبادئ الدستور، ويساهم في تعزيز الحقوق والحريات".
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي رسالة نشرها في جريدته، أعلن، على لسان كاتبه الأول إدريس لشكر، تخليه ضمنياً عن مشروع القانون 22.20، وجاء فيها بعد مرافعة طويلة عن ظروف وحيثيات خروج النص التشريعي، أنه "وإذ ندرك أن مواقفنا، في المواقع الرسمية وغير الرسمية، كنا في المعارضة أو في التدبير، لا يمليها علينا سوى الضمير الوطني اليقظ، والخدمة المتجردة والنبيلة لحقوق بلادنا وحقوق وحريات أبنائه وبناته، فإننا نشدد على أن ثوابتنا في الدفاع المستميت على حريات شعبنا وحقوق وطننا، ستظل قائمة مهما كان الثمن. وكل ما يعارضها تجب مقاومته ورفع اليد عنه. وفي الأخير، فإن الشرط الموضوعي هو الذي يجعل هذا النص أو ذاك جديرا بالاهتمام، والمغرب وهو يتجاوز شروط مواجهة الفيروس وما ترتب عنه آنيا، يكون قد تجاوز كل التباسات الوضع التي كانت وراء النقاش الخاص بهذا النص، وإن لم يكن رسميا، مما يقتضي رفع اليد عنه".
"تيلكيل عربي" اتصل بالكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، وطرح أمامه كل التساؤلات والمؤخذات التي طرحت بشأن مشروع القانون، وما هو موقفهم النهائي منه؟ وهل فعلاً كان نتاج تنسيق سياسي بينهم وبين حزب التجمع الوطني للأحرار؟
وقال لشكر في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، "الرسالة التي نشرتها منابر الحزب بشأن مشروع القانون، أنا شخصياً من كتبتها". ورغم أن نص التشريعي وضع على طاولة المجلس الحكومي باقتراح من وزير في حزبه، صرح لشكر، بأن "الحزب يرفض أي قانون سوف يمس بحق المواطن في ألا يقتني هذا المنتوج أو ذاك. نحن نرفض هذا التضييق، سواء كنا في الحكومة أو البرلمان".
وتابع لشكر أنه "لا يمكن أن أتصور، انطلاقا من مرجعيتنا الحقوقية، السماح بمرور المواد التي أثارت الجدل". وذهب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حد اعتبار أن "تسريب مشروع القانون، بصيغته الأولية، مخدوم ومفبرك لإلهاء المغاربة عن موضوع أساسي، وهو الحاجة إلى الكتلة الوطنية والجبهة الموحدة".
وربط لشكر التسريب بكونه جاء في سياق "تصريحاته بشأن الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية إذا تطورت الأمور إلى الأسوأ، بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد"، قبل أن يستدرك بالقول: "لكن الأمور تتطور بشكل إيجابي نسبيا".
وحول موقف حزبه الصريح من المواد 14 و15 و18 التي وردت في مشروع القانون 22.20، صرح الكاتب الأول لحزب "الوردة" أن قرارهم واضح "لا يمكن أن نكون مع معاقبة المواطنين لأنهم قرروا مقاطعة منتوج معين"، لكن في الوقت ذاته، اعتبر لشكر أنهم "مع الحرية والمسؤولية، وضرورة التشريع في كل ما فيه خصاص وحاجة مجتمعية".
وعن التنسيق المفترض بينهم وبين حزب التجمع الوطني للأحرار من أجل صياغة مشروع القانون مثار الجدل، وطرحه في المجلس الحكومي بعد أسبوع من اجتماع قيادات الحزبين، شدد لشكر على أن هذا الطرح "غير صحيح، وكذب في كذب".
لكن كيف يبرر الكاتب الأول للاتحاد إعلان الدعم والمساندة لوزير العدل بشأن "تسريع وتيرة إصلاح منظومة العدالة". وفي نفس الوقت يؤكد الحزبان على "ضرورة انخراط الحكومة في أصلاح شامل وعميق للسياسة الجنائية".
حسب لشكر، ما ورد في البلاغ المشترك لحزبه مع حزب عزيز أخنوش، أملته "رؤية تقدمية وحداثية للقانون الجنائي، مقابل رؤية محافظة، وكان البلاغ دعما لوزير العدل في معركته السياسية".
وشدد في السياق ذاته على أنهم "لم يتفقوا مع التجمع الوطني للأحرار أبداً حول هذه المواد، بل اتفقوا على مواجهة هجمة شرسة على الحريات الفردية، من طرف من لهم قدرة رهيبة على تزييف الحقائق رغم أن كل الملفات المفتوحة حولها تهمهم، وقلنا إن القانون الجنائي يجب أن تسحب منه هذه المواد التي يتابعون بها هم".
"تيلكيل عربي" طرح على لشكر، حسب معطيات حصل عليها من مصادر موثوقة، أن مشروع القانون 22.20 سبق أن أعد قبل عامين، ورفض في سياقات مختلفة أكثر من مرة، لكن تم نفض الغبار عليه وطرحه في إطار توافق سياسي غير معلن. وكان جواب الكاتب الأول لحزب الوردة أنه "ليس هناك أي قطاع وزاري لا يتوفر على بنك من مسودات مشاريع القوانين"، وأضاف: "في رفوف مديريات التشريع في كل الوزارات سوف تجد ربما عشرات مشاريع القوانين الجاهزة".
وختم لشكر موقفه من النقاش الدائر حول هذا الملف بالقول: "أخطر شيء هو الترهيب وخلق فزاعة لمصادرة حق الناس في النقاش. أكرر أن التسريب تم بطريقة مخدومة، وسربت مواد بعينها فقط. كما صدرت تصريحات عن وزراء حول مداولات المجلس الحكومي. أمام هذه المعطيات والتطورات غدا سوف يصعب على وزير التعبير عن رأيه".
هل يسحب مشروع القانون 22.20؟
السؤال الذي يطرح بقوة اليوم، هو: هل تدفع موجة الغضب والإجماع المعلن عن رفض مشروع القانون 22.20 لسحبه نهائياً؟ البرلمانية والقيادية في حزب العدالة والتنمية آمنة ماء العينين تتمنى ذلك، وعبرت عن موقفها في تصريح لـ"تيلكيل عربي" بالقول: "يجب أن يعبر حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة عن موقف صريح من مشروع القانون". وتأسفت ماء العينين من أن "حكومة يقودها حزبها تصادق على هذا القانون، وكيف مر في أجواء من التكتم".
واعتبرت أنه "رغم أن المسؤول عن مشروع القانون هو زير العدل، ولكن الطريقة التي تم بها تدبير وتمرير المشروع في المجلس الحكومي غير سليمة. مشروع القانون اتخذ منه موقف في المجلس الحكومي كان يجب أن يؤجل في انتظار الوصول إلى صيغة نهائية متوافق حولها، والصيغة التي صودق بها عليه غير مفهومة. لا يمكن أن نصادق على مشروع قانون، ثم نقول مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات حوله، حزب العدالة والتنمية يجب أن يصدر موقفاً صريحاً وواضحاً بشأنه".
وعن موقفها من وصول مشروع القانون إلى البرلمان، قالت البرلمانية أمينة ماء العينين: "لا أتوقع ولا أتمنى ذلك. أي حكومة سياسة معنية جداً بأن تستمع لنبض الرأي العام، وهذا الأخير يرفض بالإجماع هذا النص، وما عليها إلا أن تلتقط الإشارة وأن تسحبه بشكل نهائي، وأن تأخذ بعين الاعتبار أنها تمثل المغاربة ولا يمكن أن تفرض عليهم مشروع قانون يرفضونه".
وشددت ماء العينين على أنه "ليس هناك أي مبرر لإقحام مواد تحمي الشركات وسط مواد تحمي القاصرين والأشخاص من الابتزاز ومواد أخرى تجرم الأخبار المفبركة والكاذبة".
ورأت المتحدث ذاتها أنه "تم دس مقتضيات ليس لها علاقة بهذا السياق والغاية منها فقط خنق الحريات والحقوق والحق في التعبير"، كما أوضحت أن"هناك مجموعة القانون الجنائي ومتضمن فيها ما يتعلق بحماية القاصرين وتجريم صناعة المتفجرات، كما وردت في مشروع القانون 22.20".
نفس الرأي يذهب إليه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، وقال في هذا الصدد: "جل المواد التي جاء بها مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، موجودة في القانون الجنائي. لا يمكن أن نأتي بمواد تحمي الشركات على حساب المواطن، وتفرض علينا أن لا نعبر عن موقف اتجاهها. الشركات ليس لها الحق في أن تحدد لنا كل شيء، ما نأكل وثمنه وطبيعته، ونحن لا نكون سوى قوة استهلاكية فقط ولا نتكلم مثل القطيع".
وشدد الأمين العام لحزب "البام" على أن " طبيعة الفضاء الأزرق أساسها الحرية، والنقاشات التي تدور فيه نقاشات مدنية فيها خلاف واختلاف، ومن تضرر من الشركات يتجه إلى القضاء. الدولة ليس لها حق مراقبة الأسعار التي تفرضها هذه الشركات، في المقابل نضع قانوناً يراقب المواطن ويعاقبه لأنه عبر عن رأي ضدها، نحن نرفض هذا الأمر".
وهبي انتقد أيضاً الطريقة التي دبر بها وزير العدل محمد بن عبد القادر هذا الملف، وقال في هذا الصدد: "الوزير يقول أخلاقيا لا يمكن له أن يناقش مشروع القانون، ولكن هل لديه الحق أخلاقياً في وضع قانون مثل هذا بالنظر إلى تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية".
وذهب وهبي حد المطالبة بـ"رحيل" وزير العدل، وعبر عن ذلك قائلاً: "يجب أن يسحب مشروع القانون نهائياً، وأن يقدم الوزير استقالته، مع تقديم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني اعتذارا للمغاربة، لأنه سمح بتمرير مشروع قانون مس بالوحدة واللحمة الوطنية التي أفزرتها ظروف مواجهة جائحة فيروس كورونا".
الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله شدد، بدوره، على أن "مشروع القانون 22.20 ليس بسيطا كي تتم المصادقة عليه هكذا، والاكتفاء بالقول بأنه مر مع ملاحظات وتحفظات".
وأضاف: "مشروع القانون هذا يتضمن شحنة مرتبطة بأمور وقعت حديثاً في المغرب، والأحزاب السياسية يجب أن تكون واعية بذلك. تلك الصيغة لا تحتمل أن نصادق عليها ثم نناقشها في ما بعد، بل يجب عدم طرحها أصلاً، وإن اقترحت تقتضي الرفض".
واعتبر نبيل بن عبد الله أن "الأغلبية تتحمل المسؤولية السياسية". كما طرح، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، تساؤلات حول: "لماذا في هذا الظرف اقتراح هذا النص أولا وتكتم حوله ثانيا ثم تسريبه؟ ومن له مصلحة في ذلك؟ هل هناك من يريد لعب دور مزدوج ، يسرب ثم يتبرأ؟ أو هناك من يريد إشعال موقع نار جديد لصرف الأنظار عن أمور أخرى تمسه؟".
وخلص الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى التعبير عن موقفه من مشروع القانون 22.20، بالقول إن "هذه حكومة ليس فيها أشخاص يتعاونون، بل أشخاص ينصبون المكائد لبعضهم البعض، في ظروف نحتاج فيها اللحمة لمواجهة فيروس كورونا، بل تم صرف النظر عن مواضيع مهمة ومصيرية بخصوص تدبير حاجيات المغاربة في سياق فرض حالة الطوارئ الصحية، والنقاشات المهمة التي فتحت حول مغرب ما بعد الجائحة".
هل يسحب مشروع القانون برأي الحكومة؟ حسب المصادر الحكومية التي تحدث إليها "تيلكيل عربي" وما صرحت به "الأمر مستبعد".
وجاء على لسانها أن "مشروع القانون إجمالا فيه بعض المواد التي كانت صياغتها مرفوضة، لكن فيه أمور إيجابية، وترحيلها إلى القانون الجنائي سوف يفرض إعادة ورش تعديله من الأول".
وحسب المصادر الحكومية التي تحدث إليها "تيلكيل عربي"، هناك تباين في السيناريوهات التي ستحدد مصير مشروع القانون 22.20، مصدر أفاد بأن "النقاش في هذا الجانب يجب أن يؤجل إلى حين انتهاء جائحة كورونا المستجد"، وأنه "لو كانت عند الحكومة نية تسريع مروره لاعتمدته لتتم إحالته من طرف اللجنة التقنية على اللجنة الوزارية وحسم الأمر بعرضه على البرلمان".
ومصدر حكومي آخر شدد على أنه "ليس هناك أي قرار في الموضوع، وأن حسم نقاش تأجيله شأن رئيس الحكومة"، رغم أن المصدر ذاته عبر عن أنه "اقترح على رئيس الحكومة أن يؤجل النقاش في مشروع القانون، وهو مع عدم سحبه لكن أيضا مع تعديل مواده لتكون معتدلة".
هل يبعث 22.20 حملة المقاطعة من تحت الرماد؟
بعد تسريب نص مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، اعتبره طيف واسع من رواد مواقع التواصل الاجتماعي "نصا وضع للانتقام من دعاة المقاطعة التي مست ثلاث شركات"، فهل يجدد مشروع القانون الدعوة إلى المقاطعة؟
الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع سعيد بنيس قال، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، إن "بعض المواد المقحمة في مشروع قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة أثارت سخط رواد الفضاء الافتراضي، وأنتج ذلك انطلاق حركية رقمية اتسمت بدأبهم على نشر نص موحد على صفحاتهم يدين محتوى ومضمون المشروع، لا سيما المادة 14 و15 وبالخصوص ما يمت إلى الفقرات التي نصت على العقوبات الحبسية والغرامات المالية".
وأضاف الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع أنه "لكي نفهم ردة فعل مرتادي الفضاء الرقمي يتوجب الإقرار بأننا إزاء الانتقال من مجتمع التواصل (Société de communication) إلى مجتمع الاتصال (Société de connexion )، حيث توارى التداول والنقاش الواقعي لصالح التفاعل وثقافة التشارك".
هذا التحول، حسب المتحدث ذاته، "أصبحت معه هذه الثقافة الجديدة هي المحرك والناقل للديناميات المجتمعية وللفكر النقدي، من خلال جسر مواقع الفضاء الرقمي".
وأوضح الأستاذ الجامعي سعيد بنيس أنه "من المواضيع التي تملأ النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي تقييم المنتوجات والحكم على جودتها والتشاور حول نوعيتها وفعاليتها، فأضحى هذا السلوك بمثابة طقس جماعي، ليس فقط على المستوى الوطني بل كذلك على المستوى العالمي، كما أن هناك شركات وبنيات اقتصادية تشجع على هذا السلوك من خلال طرح استطلاعات رقمية حول منتوجاتها لفهم واستشراف انتظارات الزبون والمستهلك المحتمل".
وفي الحالة المرتبطة بمشروع القانون 22.20، فسر المتحدث ذاته أن "آلية التقييم عبر الآراء المعبر عنها، يمكن أن تصل حد المطالبة بمقاطعة بعض المنتوجات، لا لشيء إلا سوى لأن المستهلك يرغب في جودة عالية أو في تخفيض للأثمنة... وتبدو من هذه الزاوية أن علاقة المستهلك بالمنتج علاقة جدلية تخضع لرهانات الرابط الاجتماعي وتحدي العيش المشترك". وأضاف أنه "تباعا، يمكن أن يفضي التضييق على مساحة وهامش إبداء الرأي أو مساءلة مستوى جودة بعض المنتوجات، حد الدعوة لمقاطعتها، وإلى بناء وترسيخ شكل من أشكال المواطنة السلبية (Citoyenneté passive)، وتراجع بل تلاشي المواطنة الإيجابية (ِCitoyenneté positive) التي تقوم على النقد البناء والذكاء الجماعي".
ورأى الأستاذ الجامعي أنه "لملائمة القوانين مع واقع مجتمع الاتصال والمواطنة الافتراضية، الذي انخرطت فيه جميع فئات المجتمع المغربي، من المستحب على المشرع أن يتفاعل مع الحاجيات الرمزية والتطلعات المادية للمستهلك الذي تحول من مستهلك ذي هوية واقعية إلى مستهلك ذي هوية رقمية، يعبر بحرية عن انشغالاته الاستهلاكية ويتداول فيها عبر هامش حرية افتراضي ورقمي يضمن أمنه الاقتصادي".