أمضيا ليلة منغمسين في وصال جنسي. كانت تبدو ملولة في بعض الأحيان. كان هو غالبا ما يبدو منهمكا لوحده . ولما قضى وطره ، أرادت التخلص بنفسها من العازل ذلك الدليل على وصالهما الساخن، ورميه في سلة النفايات. هو رفض. وتلا ذلك مشهد يظهر فيه الحبيبان وهما يتجاذبان العازل. هل كان الرجل يتمسك بدليل فحولته أم أنه فقط خشي أن تسيء المرأة استعماله؟ أما هي فربما كانت مصدومة بسبب هذا البخل، أو بسبب هذه الثقة الزائدة في النفس. هذا المقطع الساخر، فضلا عن كونه منجز ببراعة، يبعث على التفكير.
طبعا، المقطع مأخوذ من الفيلم السويدي "The square" الحاصل (في ماي الماضي) على السعفة الذهبية لمهرجان "كان". وبفضل "أسبوع السينما الأوروبية"، سيكون بوسع الجمهور المغربي الاستمتاع بهذه النافذة الجميلة المفتوحة على العالم.
إن هذا المشهد العاري خال من أي عري.. لا بذاءة بالمرة.. قليل فقط من الجسد النيء.. ولكن هناك خطاب.. هناك مضمون. هذا الخطاب الذي يعوز السينما المغربية.
لماذا ينفق هؤلاء الأوروبيون كل هذا الجهد ويصرفون مبالغ مالية هامة لدعم سينماهم ولنشرها عندنا؟ إليك الجواب: الفن السابع ليس مجرد هواية للمهمشين، بل هي من الوسائل الأكثر قوة بالنسبة لبلد أو مجتمع لكتابة سرديته. فمن خلال حكايات عادية في الغالب، تسعفنا السينما بالخصوص في كتابة سردية العيش المشترك.
إن سرديتنا، نحن المغاربة، وبالطريقة التي تنقلها السينما لا تبعث البتة على التفكير. وعلى كل حال لم يسبق لأي فيلم مغربي المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان"، محج كل محبي السينما في العالم. فسينمانا لا تنقل ما هو كوني، وبالتالي فهي لا تؤثر في أحد خارج حدودنا.
سينما لا تقدم شيئا يذكر، أو تقدم بعض الترفيه في أحسن الأحوال. وهي تفضح رغبة في تجنب خلخلة الواقع. أفلامنا تلامس المظاهر، والمظاهر فقط. وقد عثر البعض على الخدعة الفعالة، يذرذرون على أعمالهم شيئا من المؤثرات التقنية.. قليلا من الكلمات النيئة.. بضعة نساء يمارسن الجنس في نواصي الأزقة.. بعض الإشارات المصطنعة إلى سكورسيزي وأنطونيوني. ويجرؤون على وصف أنفسهم بـ"الموجة الجديدة".
والحال أنهم لا يبتكرون شيئا. فقط يستحضرون بعض الحالات، بعض الإشكاليات، ولكن لا يتقاسمون أبدا مع المشاهد ما هو حميمي. حتى أن المرء يشك في امتلاكهم لهذا الحميمي، لهذا "الأنا" حتى يتقاسموه مع الآخرين. فالمخرجون المغاربة يهتمون بالقضايا والمواضيع التي يمكن أن تثير الناس، ونادرا ما يكونون منشغلين بقضية ما. "كل هذا مجرد زبد" يقول أحد العارفين بخبايا القطاع. بطبيعة الحال هناك اسثتناءات، ولكن ليس بالعدد الكافي حتى نكون رحماء بإنتاجاتنا الوطنية.
لم تف السينما المغربية بوعدها. و زاد وصول بعد المتعصبين إلى الحكم الطين بلة. إذ فضلا عن فراغ الخطاب، والسيناريوهات غير المكتوبة أو الردئية، هناك، من الآن فصاعدا، أعضاء في لجنة يفترض فيها دعم الفن السابع، يتساءلون "لماذا تقبل خديجة محمد مع أنهما غير متزوجين؟" إننا نغوص سريعا وعميقا في الظلمات.
ما العمل إذن؟ البكاء على "بيرغمان" الذي لن نعثر عليه أبدا عندنا؛ على سينما التباهي التي أوجدها مجتمع سطحي؛ الاستماع إليهم وهم يتحدثون عن التمويل بينما ذكاء الخطاب ليس في حاجة البتة إلى الدعم؛ متابعة إغلاق القاعات السينمائية بحسرة، وهي مكان رائع لنسج العلاقات الاجتماعية؛ وأخيرا مشاهدة أفلام الآخرين، أولئك الذين يفكرون.. أولئك الذين يحسون.. وأولئك الذين يمتلكون حس المشاركة.
نعم، للسينمائيين العظام، من الإنسانية كل الامتنان.