أمن وتنمية منطقة الساحل.. تقرير: مزايدة أمريكا على شريك مثل المغرب هو الاستثمار الصحيح

بشرى الردادي

اعتبر تقرير صدر حديثا عن "Modern Diplomacy" أن "محافظة الولايات المتحدة على مصالحها الأمنية الوطنية في منطقة الساحل رهين ببقائها منخرطة في إيجاد حلول مستدامة للقضايا المتأصلة في العجز الأمني ​​المزمن في هذه المنطقة المتقلبة؛ وهو ما يتطلب التفكير في وسائل بديلة لنهج القوة الصارمة الذي يتم نشره، بشكل منهجي، لمواجهة عدم الاستقرار المتزايد في مثل هذا السياق الجيوسياسي المعقد في إفريقيا".

وأوضح التقرير، الذي اطلع عليه "تيلكيل عربي"، أن "الاستراتيجية العملية للتعامل مع هذه الحقائق الجديدة على الأرض تتضمن إشراك شركاء جديرين بالثقة وقادرين وموثوقين، ولديهم سجل مثبت في تقديم حلول قابلة للتطبيق للخلل الطويل الأمد في إفريقيا، من خلال استهداف العجز الأمني، وتعزيز التنمية الاقتصادية، واقتراح أطر تعاونية وشاملة مربحة للجميع".

وسجل المصدر نفسه أن "المغرب يبرز كواحد من أقدم حلفاء الولايات المتحدة وأكثرهم موثوقية في إفريقيا؛ حيث أثبت نفسه كمروج قوي لنسخته الخاصة من التعاون "جنوب-جنوب"، ومؤيد قوي للنهج الذي يفضل الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية، مدعومة بالاقتناع بأنه يجب على القارة أن تثق في إمكاناتها لمواجهة التحديات المتعددة التي تعوق تنميتها؛ مثل الإرهاب المحلي، والاتجار بالبشر، وتأثيرات تغير المناخ، وتراجع الديمقراطية، وسوء إدارة الموارد، والفساد المستشري، والمحاولات المتكررة لاستخدام العنف لإثارة التغيير السياسي".

وفي هذا الصدد، أشار "Modern Diplomacy" إلى أن "المحادثات الأخيرة بين المسؤولين المغاربة والأمريكيين، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في شتنبر الماضي، أكدت على الحاجة إلى تعزيز السلام الإقليمي والعالمي، ومعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن وعدم الاستقرار في منطقة الساحل وفي القارة الإفريقية، بشكل عام".

وتابع التقرير أن "السياسة الإفريقية للمغرب تستفيد من عدد من الأصول؛ بما في ذلك دبلوماسيتها العامة المتجددة والمبادراتية، باستمرار، وخاصة دبلوماسيتها الدينية، التي تهدف إلى تعميق علاقاتها مع قارتها التي تنتمي إليها، والحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الشركاء الرئيسيين".

كما أبرز التقرير أن "عرض المغرب لقوته الناعمة في إفريقيا اتخذ أشكالا مختلفة وغطى مجالات عدة. فإلى جانب مساعي التنمية الاقتصادية في القارة، تقدم الرباط آلاف المنح الدراسية، كل عام، للطلاب الأفارقة الراغبين في الالتحاق بالجامعات المغربية، وتوفر التدريب العسكري والأمني ​​للضباط القادمين من مجموعة من الشركاء الأفارقة، ناهيك عن الحوافز المقدمة للقطاع الخاص للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في إفريقيا، وخاصة في مجال البنوك والتأمين والاتصالات، وهي الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية التي وضعت المغرب في المرتبة الثانية بين المستثمرين في القارة، والأولى في غرب إفريقيا".

وأفاد المصدر نفسه بأن "نشر هذه القوة الناعمة سعى إلى الترويج لنسخة معتدلة من الإسلام، أو ما يسمى بـ"دبلوماسية دينية تقدمية" مكرسة لمحاربة التطرف المتزايد واتجاهات التطرف، مع تسلل الجماعات المتطرفة التخريبية؛ مثل "القاعدة"، و"داعش"، و"بوكو حرام"، و"جماعة الشباب"، إلى أجزاء من القارة".

وأضاف أن "هذا النهج يهدف إلى نزع الشرعية عن أي جماعة أو حركة متطرفة تستغل الإسلام لتحقيق أهداف سياسية، أو الإطاحة بالأنظمة الراسخة، أو زعزعة استقرار المناطق المتقلبة والهشة بالفعل، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء".

وسجل "Modern Diplomacy" أنه "لمواجهة هذه التحديات الهائلة، يمكن اعتبار نشر المغرب لاستراتيجياته الدبلوماسية العامة، وبالتحديد، دبلوماسيته الاقتصادية والدينية، عنصرا رئيسيا في النهج الاستباقي تجاه الشباب الإفريقي، الذي يواجه حالة من عدم اليقين المتزايدة، في قارة لا تزال تواجه تجارب خطيرة من عدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي".

وتابع أن "تدفقات المهاجرين المتزايدة التي تعبر البحر للوصول إلى الـ"إلدورادو" الأوروبي تخبرنا بمدى تقلب الوضع في البلدان المرسلة للمهاجرين، والآفاق التي قد ينضم بها هؤلاء الشباب اليائسون إلى الجماعات المتطرفة، التي من المفترض أن توفر لهم نوعا من الاستقرار المالي، والأمل في التغيير"، معتبرا أن "إبقاء هؤلاء الشباب في الوطن وتغيير آرائهم حول كيفية قيادة التغيير يتطلب جهودا حقيقية لبناء القدرات واستراتيجيات توليد الدخل، التي يمكن أن تعيد بناء ثقتهم في إمكانية وجود مستقبل داخل مجتمعاتهم".

كما سجل التقرير أنه "على خلفية هذه التحديات، يتم تشجيع إدارة ترامب، بقوة، على دعم الدبلوماسية المتعددة الأشكال للمغرب في إفريقيا المشبعة بمبادرات التضامن الإفريقي والمشاريع الإفريقية ذات الصلة، والقابلة للتطبيق في مثل هذا السياق الجغرافي الاقتصادي المعقد في القارة، وخاصة في منطقة الساحل".

وأفاد بأنه "لإعطاء شكل لهذا الالتزام الذي تشتد الحاجة إليه، يجب على الولايات المتحدة أن تقدم المزيد من الدعم لمبادرة مسلسل الرباط للدول الإفريقية الأطلسية، التي أطلقت، في عام 2022، والمصممة، في المقام الأول، لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية في منطقة إفريقيا الأطلسية"، مستشهدا بما قاله الملك محمد السادس، في خطابه حول المسيرة الخضراء، في نونبر 2023، حول أن هدف المبادرة هو "تحويل منطقة الأطلسي إلى مساحة للتفاعل الإنساني والتكامل الاقتصادي، والتأكد من أنها تلعب دورا رئيسيا على المستويين القاري والدولي".

واعتبر "Modern Diplomacy" أنه "من خلال التركيز على بناء شراكات قوية في المحيط الأطلسي، يمكن للمغرب والولايات المتحدة تحفيز إنشاء أطر تعاونية قوية تخدم مصالح البلدين، وتساهم في الاستقرار الإقليمي الأوسع والتنمية الاقتصادية في إفريقيا؛ مما يوفر لملايين الشباب فرص العمل وسبل العيش التي تبقيهم في وطنهم، وتحميهم من التهديدات الوشيكة بالتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة أو الانفصالية، بدافع اليأس، والبطالة، والفقر، وانعدام الأمل، في مجتمعات مستقرة، ومزدهرة، ومتطورة".

وتابع أنه "يجب على الولايات المتحدة، أيضا، أن تفكر في جلب بعض الحوافز الاقتصادية إلى المبادرة التي أطلقها المغرب، والتي تقدم لدول الساحل غير الساحلية الوصول إلى المحيط الأطلسي، من خلال بعض المرافق؛ مثل ميناء الداخلة، الذي من المتوقع أن يعمل بكامل طاقته، بحلول عام 2029، والذي يعتبر بمثابة بوابة رئيسية تربط اقتصادات دول الساحل بأسواق شمال إفريقيا وأوروبا وشمال الأطلسي"، مشيرا إلى أن "هذه المبادرة تعكس نهجا ثاقبا للتعاون المثمر المتبادل في منطقة جنوب الأطلسي بما يؤدي إلى تكامل اقتصادي أكثر مرونة، وسلام مشترك، واستقرار، وازدهار، في منطقة إفريقيا الأطلسية".

ومع ذلك، يضيف التقرير، فإن "نجاح المبادرة الأطلسية المغربية مشروط بالمشاركة القوية من جانب اللاعبين الأطلسيين الرئيسيين، وخاصة الولايات المتحدة، والجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى ذات المصالح الخاصة في الاستقرار والأمن والازدهار، على المدى الطويل، في منطقة الساحل. ومن الواضح أن المغرب قادر على قيادة الطريق من خلال تقديم بنيته التحتية المتطورة؛ مثل الموانئ، والطرق، والخطوط البحرية، إلى جانب النفوذ السياسي الذي تم تطويره من خلال الروابط الإنسانية والثقافية والروحية والاجتماعية والاقتصادية الراسخة، التي تم تعزيزها، عبر الزمن، مع دول الساحل".

وسجل المصدر نفسه أنه "يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل مع المغرب لتسهيل الوصول إلى موارد التمويل والتآزر المفيد المشبع بأجندة الاتحاد الإفريقي 2063، لتعزيز التكامل الاقتصادي عبر القارة، ودفع الرؤية عبر الأطلسي إلى الأمام، سعيا إلى ظهور حلفاء متشابهين في التفكير ومنخرطين، بشكل كامل، في نفس الهدف، المتمثل في جعل الأطلسي مساحة قابلة للتطبيق للأمن الجماعي والسلام العالمي والرخاء المشترك".

وفي هذا الإطار، يتابع "Modern Diplomacy"، "يبدو من الحكمة أن نذكر أن اعتراف إدارة ترامب، في عام 2020، بالسيادة المغربية على الصحراء كان بمثابة تغيير حقيقي في الديناميكيات الإقليمية في شمال إفريقيا. ولإعطاء هذا القرار الجريء شكله، يتعين على الولايات المتحدة أن تضاعف الإجراءات العملية البناءة؛ بما في ذلك افتتاح قنصلية في الداخلة للاتصال بالسلطات المحلية بشأن قضايا الاتصال البحري وبناء البنية الأساسية، للسماح بالتنسيق الوثيق والدعم لجميع المشاريع المرتبطة بمبادرات المغرب الأطلسية، وخطط التنمية الموجهة نحو منطقة الساحل والمساعي التي تركز على الأمن، والمصممة لسياج التهديدات العابرة للحدود والعابرة للحدود الوطنية؛ بما في ذلك الإرهاب، والاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، والقرصنة، والتمردات".

وأبرز التقرير أن "دعم المشروع الضخم لخط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب يمكن أن يكون جزءا جيدا من سلسلة المساعي القائمة على التنمية ذات الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية بأكملها، والتي من شأنها أن تسرع عملية التكامل الاقتصادي لمواجهة العجز في الطاقة، والذي يقوض المشاريع الموجهة نحو الاستثمار في المجالات الاستراتيجية؛ مثل الزراعة، والأغذية الزراعية، والأدوية، والتصنيع".

كما لفت إلى أن "المغرب والولايات المتحدة قد يجدان أنه من المفيد التركيز، بشكل أكبر، على الجوانب المدنية للمناورات العسكرية السنوية التي تسمى "الأسد الإفريقي"، والتي يلعب فيها المغرب دورا رئيسيا كدولة مضيفة"، معتبرا أن "تعزيز قدرات الدول الإفريقية المشاركة في إدارة الكوارث الإنسانية وعمليات الإنقاذ أمر ممكن، وخاصة في حالات الكوارث الطبيعية الناجمة عن آثار تغير المناخ، والاتجار الخطير بالمهاجرين عبر المحيط الأطلسي، والذي يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى خسائر مأساوية في الأرواح البشرية أو اللاجئين النازحين الفارين من مناطق التوتر، التي أشعلتها التمردات، أو المناورات التخريبية للحركات الانفصالية".

وختم التقرير بالتأكيد على "ضرورة تفكير إدارة ترامب في تقديم الدعم الكامل للسياسة الإفريقية المتعددة الأشكال التي تنتهجها المغرب، والتي ترتكز على قناعة راسخة بأن الشراكة القوية والمربحة للطرفين مطلوبة، لإعطاء زخم جديد لمجموعة الأطر التعاونية القائمة، والمكرسة لإنشاء جبهة موحدة ضد البيئة الأمنية الفوضوية والمتدهورة في منطقة الساحل. ويبدو أن المزايدة على شريك قادر وجدير بالثقة وريادي مثل المغرب هو الاستثمار الصحيح، في خضم الوضع الأمني ​​المتدهور في جميع أنحاء القارة، واندلاع التوترات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع نطاقا والمضطربة".