يُمكن تلخيص ما يقع في "تيك توك" المغربي، والقول إنها "فضيحة بكل المقاييس". فيديوهات مباشرة يردد أصحابها ("أنا سمكة"" انا بقرة"..)، انتقلت عدواها من سوريا وانتشرت كالنار في الهشيم في ليفات المغاربة؛ وتحديات البيض والدقيق والزيت، والأدهى من ذلك شابات مغربيات في مقتبل العمر يتاجرن بأجسادهن على المباشر، استجابة إلى طلبات المتبرعين.
يتساءل كل متابع، من يتحمل مسؤولية هذه الفضيحة الأخلاقية؟، وأين دور مؤسسة الأسرة، المسؤولة بشكل مباشر عن التنشئة الاجتماعية، لكل من يقترف هذه الفضائح التي تغيب فيها أدنى حدود اللباقة المجتمعية المغربية، سعياً وراء الربح السريع فقط.
الربح المادي، أصبح سهلاً، فهناك من يفتح المباشر" ويردد "أنا بقرة"،" أنا دجاجة"، "أنا سمكة" وتنهال عليه الهدايا من الداعمين، كل حسب محفظته، والأغلى هي" الأسد" التي تصل قيمتها لأزيد من 4 ألف درهم".
فيما يتحكم الداعمين ببعض الفتيات اللاتي يتاجرن بأجسادهن على التيك توك"، بأمرهن بتنفيذ حركات جنسية، وتستجيب هذه الشابات لطلباتهم سعيا وراء المزيد من الهدايا. في جانب أخر يتم إطلاق منافسة بين شخصين على المباشر من يحصل على أكبر عدد من الأصوات، يحكم على الآخر بصب الزيت أو الماء أو الدقيق على جسمه…"
تصور جديد لمفهوم النجاح
أكدت سعيدة الزين، باحثة في سوسيولوجيا بجامعة القاضي عياض، في تصريح مع " تيل كيل عربي"، أن" هذه التصرفات ليست فوضوية أو عشوائية بل هي نتاج تصور جديد لمفهوم النجاح في المجتمع المغربي".
وأوضحت المتحدثة ذاتها، أن "النجاح اليوم لم يعد مرهونا بالنجاح المدرسي أي الحصول على درجات علمية عالية أو الالتحاق بالوظيفة العمومية، بل اصبحت فكرة النجاح مرتبطة بالنجاح السريع، واقتصاد الجهد وفعالية النتائج اقصد هنا؛ ما يسوق له المؤثرون كنجاح سريع يترجم في شراء أصول عقارية والسفر ومبالغ خيالية للربح اليوم توصلوا إليها سواء في التجارة الإلكترونية أو ارباح المشاهدات وأخيرا ارباح التبرعات في ليفات التكتوك".
"نموذج النجاح والوصول الاجتماعي والمكانة يرتبط اليوم بالمال مهما كان مصدره، حاطا من الكرامة حتى لو وصل درجة تجريح في الشرف والتشهير بالحياة الحميمية لذلك الشخص"، تقول الباحثة.
تداعيات" الليفّات"..
وحول تداعيات ليفات هذه التصرفات في "التيك توك"، تقول الزين" فنحن نتحدث عن مجتمع في طريقه إلى إنذحار مفهوم الإنسان والكرامة والذي تسمى بالدراجة : (النفس)؛ وسيصبح المجتمع فاقدا للجانب الأخلاقي خصوصا أننا نتحدث اليوم عن ليفات فيها إيحاءات جنسية كلما كانت قوية كلما كانت التبرعات( التكبيس) أكبر ويصبح الهدف تبرعات أعلى مثل ( الأسد )".
وأوضحت المتحدثة، أن" هذه التصرفات ستخدش في المتخيل الجمعي الجانب الحميمي من الحياة الشخصية، فلن يبقى هنالك فيصل بين ما يجب عرضه وما يجب حجبه عن الآخرين. إضافة أن فعل التكبيس وفعل التسول هو في الحقيقة يكرس علاقة العبد بالسيد واستعباد، فيكفي طلب مجموعة من الطلبات الحاطة من الكرامة من طرف من يملك لصالح أشخاص يتسولون مهما كلفهم الأمر ان يفعلوا.
ما الحل..؟!
وللقضاء على هذه التصرفات، تقول المتحدثة، إنه "لابد في البداية من تصحيح مفهوم النجاح الحقيقي في المخيال المجتمعي، ونقصد هنا أن يعود النجاح مرتبطا بكرامة وانسانية الشخص، ومواجهة أخطار الرأسمالية المتوحشة عبر خلق فضاءات لبناء النجاح الفردي، فلو رأينا هوية هؤلاء الأشخاص نجد انهم بطريقة أو بأخرى مقصيين في العمل أو الدراسة، والدولة بكل مؤسساتها (التعليمية، والثقافية..) مطالبة بتقوية العرض التعليمي والتربوي، لإنتاج أفراد قادرين على العمل والانتاج بدون التعرض للمهانة، والبطالة هذا من جهة".
من جهة ثانية، تضيف الزين، يجب إعادة النظر في تصور مفهوم النجاح عبر لعب المدرسة لدورها في بناء صورة النجاح الحقيقي المرتبط بالكرامة أولا والانسانية. كما يجب كذلك تقوية الترسانة القانونية في هذا الجانب، لوضع رقابة أكبر، وهذا الحل في الحقيقة هو تكملة لما سبق".
أين الأسرة من كل ما يقع!
سجلت الباحثة ذاتها، تراجع الأسرة عن لعب دورها، كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية، داعية إلى "إعادة الأسرة إلى سكة الجانب التربوي، الذي تتحمل المدرسة جزء منه"، مستدركة أن "التغيرات المجتمعية التي نعيشها اليوم تحتم أن تلعب الاسرة دورها كاملاً".
وختاماً، دعت المتحدثة ذاتها، إلى العودة" إلى مفهوم حرية التعبير والجسد من داخل الأسرة ، ووضع حدود بين الكرامة والإهانة، وبين الفقر والغاية تبرر الوسيلة، فلا يمكننا إلصاق كل مشاكلنا بالفقر فأحيانا الرغبة في النجاح السريع هي السبب وراء هذه التصرفات المهينة للكرامة.