أين "اختفى" المرضى الآخرون في زمن "كورونا"؟

عبد الرحيم سموكني

في بلد متهالك البنية الصحية، باغت وباء فيروس كورونا المستجد نظام الصحة العمومية أكثر من الناس، وخرج مرضى طارئون لم يسبق للأطر الطبية أن تعاملت مع حالتهم المرضية أو العرضية من ذي قبل، إلى واجهة الأحداث، كما في باقي دول العالم، وتحول عداد رصد تكاثر المصابين إلى موعد معتاد للكثيرين.

أمام هذا الاهتمام الكبير وغير المسبوق بمرضى "كورونا"، انكفأ المرضى "العاديون" إلى الظل. فأين أولئك الذين كانوا يعانون في الحصول على مواعيد العمليات ويحلمون بالعثور على سرير في مستشفى عمومي، ويقاسون من نظام صحة عمومي لا تخصص له الحكومة أكثر من 4 في المائة من ميزانيتها؟ كيف يتم التعامل اليوم مع المصابين بالأمراض المزمنة والمرضى الطارئين؟ وكيف يتلقون التطبيب في زمن جائحة "كوفيد19"؟

في الوقت الذي يتزايد فيه الضغط على المستشفيات العمومية في عز الحرب على فيروس كورونا المستجد، تواجه "الكتيبة الطبية" مرضى طارئين، استحوذوا على أغلب طاقة البنية الصحية، سواء البشرية أو اللوجستيكية، ليبقى السؤال عن المرضى الآخرين آنيا واستعجاليا أيضا.

العاجل سيد الموقف

على الرغم من تخصيص مجموعة من المستشفيات لمرضى كوفيد19، كما الحال في المستشفى الإقليمي لسيدي مومن في الدارالبيضاء أو بعض المصحات الخاصة، إلا أن الجهد المبذول كله، داخل المراكز الاستشفائية الجامعية على الخصوص، يبقى منصبا على الحرب على الفيروس.

 ويقول مصدر طبي من المستشفى الجامعي ابن رشد في الدارالبيضاء إنه من الطبيعي أن يسرق المصابون بفيروس كورونا الأضواء لأنه مرض طارئ وسريع الانتشار وفيروسه غامض، ما يجعل الجبهة الصحية موحدة وموجهة في هذه الحرب، لكنه يؤكد، في الوقت ذاته، على أن العملية العلاجية في المستشفيات العمومية مازالت جارية بشكل عاد خاصة بالنسبة للحالات المستعجلة، فيما يجري تأجيل الحالات التي يمكنها الانتظار.

ويضيف مصدر "تيلكيل عربي" أن الوتيرة داخل المستشفيات العمومية لم تعد كما في السابق، كما أن هناك تعاونا من طرف القطاع الخاص، وأن خطوة صندوق الضمان الاجتماعي بدعوة المؤسسات الاستشفائية الخاصة إلى استقبال المرضى، دون الحصول على موافقة التحمل العلاجي، سمحت بخلق متنفس للمستشفيات العمومية.

المتنفس عن المستشفيات العمومية ساهم فيه المرضى الذين يمكنهم "الانتظار"، وانخرطوا في ذلك بعد استشارة الأطباء في المصالح التي تتابع حالاتهم.

"م.أ.م" يعاني من مرض مزمن، اضطر، بنصيحة من الطبيبة المشرفة على حالته، إلى عدم اللجوء إلى المستشفى الجامعي ابن رشد للعاصمة الاقتصادية للمملكة، تفاديا لأي مخاطرة بانتقال العدوى بالفيروس إليه، خصوصا أنه يعاني من نقص المناعة.

اضطر إلى الاستشارة "عن بعد" مع الطبيبة المشرفة، من خلال التواصل معها عبر تطبيق للمخاطبة الفورية، حيث يطلعها على مستجدات حالته، وحتى على بعض نتائج التحاليل التي كان قد أجراها قبيل اتخاذ قرار حالة الطوارئ الصحية.

من جهته، يقول "ع.ب" وهو جمركي متقاعد مصاب بالقصور الكلوي، ويحتاج لإجراء حصتين في الأسبوع لتصفية الكلي، إنه لا شيء تغير في زمن الحظر الصحي. ويقول هذا الرجل المسن ذو العقد السابع إن مدة وصوله لمركز التصفية في منطقة الإدريسية صارت أقل، بسبب خلو الشوارع، وهو الفرق الوحيد. ويضيف أنه، لحسن الحظ، جرى افتتاح مراكز للقرب خاصة بمرضى القصور الكلوي، ويتابع "لا أستطيع الآن التفكير في زيارة مستشفى كبير، وأعتقد أنني محظوظ لأن المركز لا يبعد كثيرا عن محل سكناي".

الخواص يفتحون الأبواب بـ"المجان"

يذهب رئيس جمعية المصحات الخاصة في المغرب رضوان السملالي في الاتجاه نفسه ويقول إنه بالنسبة للقطاع الخاص، فإن وتيرة العمل بالنسبة للمرضى الآخرين تجري بشكل عاد، وبالوتيرة نفسها، ويشدد على أنه لا يمكن رفض مريض قصد مؤسسة استشفائية.

ويوضح السملالي "بالنسبة للمرضى الذين لديهم مسلسل علاجي محدد ومبرمج، فهم يواصلونه بشكل طبيعي، ودون أي تغيير، رغم الضغط الكبير على المستشفيات والذي لا يمكن إنكاره".

ويبرز السملالي أن الأطباء يحاولون تأجيل العمليات الجراحية غير المستعجلة وغير الطارئة، لمنح الأولوية لما ما هو مستعجل، خاصة أن المصحات الخاصة فتحت أبوابها بدورها للمصابين بفيروس كوفيد19.

ويؤكد المتحدث لـ"تيلكيل عربي" أن هناك شراكة نموذجية جرى تجريبها في مدينة الدارالبيضاء بين السلطات والقطاع الخاص، تتجلى في تقاسم المهام؛ إذ جرى تخصيص مصحتين لمرضى كوفيد19، وإحداها ممتلئة عن آخرها، كما جرى تخصيص مصحات أخرى لاستقبال المرضى العاديين. وقال "هناك مصحتان في الدارالبيضاء قررتا إجراء عمليات الولادة بالمجان وتطبيب الأطفال"، ويزيد "نحن الآن بصدد تقوية هذه الشراكة، سواء في ما يخص مرضى كورونا المستجد، على اعتبار السلطات هي المسؤولة عن تدبير الحرب على الوباء، أو في ما يخص الأمراض العادية والتكفل بالمرضى. ونطمح أن تتوسع هذه الشراكة لتشمل مدنا أخرى"ّ.

ويلفت رئيس جمعية المصحات الخاصة في المغرب الانتباه إلى نقطة مهمة وهي تراجع كبير في نسب الحوادث، ما خفف الضغط على المستعجلات، ويقول "نلاحظ تراجعا كبيرا في الإقبال على أقسام المستعجلات، سواء في القطاع العام أو الخاص، سيما بالنسبة إلى حوادث السير أو حوادث الشغل، وهذا ما منح نوعا من التنفيس على الطاقم الطبي، ما جعله يركز جهوده أكثر على المرضى العاديين، ولكن هذا لا يعني أن الجسم الطبي لا يعاني من الضغط".

العيادات للمرضى العاديين

بالنسبة للطبيب العام محمد نجمي الذي يشتغل بين عيادته في بلدة أمزميز وأحد المستشفيات في مدينة مراكش، فيؤكد بدوره أن وتيرة التطبيب بالنسبة للمرضى العاديين لم تتغير كثيرا، رغم وجود بعض التعثر، وهو ما يرى فيه "أمرا عاديا في هذه الظروف".

ويرى نجمي، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن هناك تراجعا في وتيرة الاستشارة الطبية، منذ بدء حالة الطوارئ الصحية، ويقول "في بلدة صغيرة كأمزميز، لاحظنا أن الناس قللوا من استشاراتهم الطبية، سواء في العيادات أو المستشفيات، ربما مخافة انتقال العدوى إليهم، أما بالنسبة لأصحاب المرض المزمن، وبما أنهم ملزمون بعلاج مسترسل ومبرمج فغالبيتهم ملتزمون به".

ويشدد نجمي على أن مواصلة فتح العيادات أمر محمود، يساهم بالدرجة الأولى في الاعتناء بفئة المرضى العاديين، ويجنب أيضا الاكتظاظ في المستشفيات العمومية، التي تعاني اليوم ضغطا كبيرا بسبب وباء فيروس كورونا المستجد، ويقول "أولا، ما نلاحظه في الاستشارات الطبية الأخيرة، هو وجود قلق عام لدى الناس، يؤدي إلى ارتفاع الضغط، خاصة لدى المسنين، ومرد ذلك إلى الضغط النفسي الممارس عليهم. وثانيا، هناك نوع من الوسواس لدى الناس؛ إذ أننا نقابل حالات لأشخاص يشتبهون في إصابتهم بالفيروس، لمجرد أنهم عطسوا أو سعلوا، وهنا نقوم بتوجيههم إلى المراكز الاستشفائية، ولابد أن أوجه من هنا رسالة هامة، مفادها أن على المرضى الذين يعتقدون إصابتهم بكورنا ألا يقصدوا العيادات، فهي مخصصة لمرضى آخرين".