تبت محكمة النقض الفرنسية بباريس، اليوم (الجمعة)، بصفة نهائية في قضية شرعية التسجيلات الصوتية، التي أنجزها هشام الناصري، محامي الملك محمد السادس، بهاتفه "آيفون"، وقدمها دليلا ضد تورط إريك لوران، وكاترين كراسيي، الصحافيان الفرنسيان، في ابتزاز الديوان الملكي في مبلغ ثلاثة ملايير سنتيم مقابل عدم نشر كتاب مسيء للملك. وفي انتظار القرار، هنا وقفة لـ"تيلكيل – عربي" عند أسرار المعركة، التي يراهن الصحافيان على ربحها لتحويل الأمر إلى مجرد صفقة مالية مسيئة لأخلاقيات المهنة، وليس جناية يعاقب عليها بالسجن النافذ.
يتعلق الأمر بثلاث تسجيلات، الأول لا يسعى الصحافيين إلى استبعاده، أما الثاني والثالث، فخاضا معركتهما القضائية لاستبعاده من وسائل الإثبات التي يواجههما بها القصر الملكي أمام القضاء الفرنسي، لأن الثاني فيه تفاصيل تعتبر مدينة لإريك لوران، والثالث يثبت تورط كاترين كراسيي بدورها، وتم تسجيله خلال اللقاء الذي وقع فيه عقدا مكتوبا يقران فيه بقبول تسلم ملياري سنتيم مغربية مقابل وقف الكتابة نهائيا على المملكة المغربية، واتفقا فيه مع مبعوث القصر على طريقة تحويل الأموال، ثم تسلما تسبيقا نقديا قيمته 80 مليون سنتيم.
خلفيات المعركة
يسعى الصحافيان منذ اليوم الأول، إلى الحصول على قرار قضائي يستبعد التسجيلات، لأنه في الوقت الذي لا شيء يمنع في القانون الفرنسي ضحايا الابتزاز من إعداد دلائل إثبات بمفردهم، من قبيل التسجيلات الصوتية السرية، إلا أن قانون المسطرة الجنائية، ينظم بدقة تلك الممارسات، بمجرد أن تكون الشرطة دخلت على خط القضية، إذ يجب أن تخضع عمليات التسجيل لمسطرة قانونية، واعتبر دفاعهما أنه ليس من حق هشام الناصري، محامي القصر، أن يلعب دور "مهندس الصوت" لفائدة الشرطة الفرنسية.
وتبعا لذلك، صدر لفائدتهما في شتنبر 2016، قرار لمحكمة النقض، يعتبر أن التسجيلين الصوتيين غير شرعيبن لاعتمادهما في القضية، بمبرر "المشاركة غير المباشرة للشرطة في إنجازهما دون علم المعنيين بالأمر، ما يجعل اعتمادهما مسا بشروط المحاكمة العادلة"، وهو القرار الذي اعتبره دفاع الصحافيين "نصرا كبيرا، وبعده سيكون الأمر معقدا أمام قاضي التحقيق الذي أحيلت عليه قضيتهما".
في المقابل ترافع محامو القصر الملكي بدورهم على شرعية التسجيلات، فصدر لفائدتهم قرار لمحكمة الاستئناف بريمس، في فبراير 2017، فيه "أن المشتكي (القصر الملكي) له حرية القيام بالتسجيلات الصوتية، التي لم تكن من مسؤولية الشرطة كما لم يكن من حقها منع القيام بها"، ما يعد انتصارا من قبل محكمة الاسئتناف حسب رالف بوسيي، وهو أيضا محامي القصر الملكي في القضية، لمبدأ "حرية وسائل الإثبات".
في ما يخص الغرض من استبعاد التسجيلات، فهو يعود إلى اعتقاد دفاع الصحافيين، أنه بدونها، ستسقط تهمة الابتزاز المالي، عنهما، وسيصير الأمر مجرد صفقة مالية بين طرفين لا يعاقب عليها القانون، وإن كانت تمس بأخلاقيات مهنة الصحافة، مقابل تجريمه للابتزاز المالي، إذ تفرد له مقتضيات القانون الجنائي الفرنسي إذا كان تحت التهديد، عقوبة "سبع سنوات سجنا نافذا و100 ألف أورو غرامة مالية"، وتعاقب على الابتزاز العادي بـ"خمس سنوات سجنا نافذا و75 ألف أورو غرامة مالية".
ماذا تحتوي التسجيلات؟
في 29 غشت 2015، كشفت صحيفة "جي دي دي"، مضمون بعض التسجيلات، وبينها واحد يخص لقاء بين الصحافي إريك لوران، وهشام الناصري، في فندق فخم بباريس، إذ وضع المحامي المغربي هاتفه "آيفون" على وضع التسجيل، وبدأ محادثته مع الصحافي، الذي شرح له موضوع كتابه الجديد حول الملك، فكان أن جاء فيها:
- الناصري: ماذا تريدان؟
- لوران: أريد ثلاثة
- الناصري: ثلاثة ماذا؟ ثلاثة آلاف؟
- لوران: لا. ثلاثة ملايين
- الناصري: ثلاثة ملايين درهم؟
- لوران: لا. ثلاثة ملايين أورو
أصل الحكاية
أما تفاصيل القصة، فبدأت حسب تصريحات سابقة لإريك دوبون موريتي، محامي القصر الملكي، "في 23 يوليوز (2015)، اليوم الذي اتصل فيه الصحافي إريك لوران بالديوان الملكي، طالبا مقابلة ممثل للملك لأن لديه أمورا مهمة يريد قولها"، فاستجاب الديوان الملكي، يقول المحامي الفرنسي، بأن "أرسل ممثلا له (المحامي هشام الناصري)، فقال له الصحافي إريك لوران إنه يعد كتابا جديدا رفقة زميلته كاترين كراسيي، ويقبلان بعدم نشره مقابل ثلاثة ملايين أورو".
وفيما سارع الديوان الملكي إلى وضع شكاية لدى المدعي العام الفرنسي بباريس، ليتم عقد مقابلة ثانية مع إريك لوران، تحت مراقبة الشرطة والنيابة العامة، وتم تسجيل كلام الصحافي، الذي أكد فيه الصفقة ذاتها، انعقد في 28 غشت، اجتماع ثالث تحت مراقبة الشرطة، بين محامي القصر الملكي، والصحافي إريك لوران، بحضور زميلته كاترين كراسيي.
وكان هدف اللقاء، حسب إريك دوبون موريتي، محامي الملك محمد السادس، "التأكد من تورط كاترين كراسيي، والقبض على الصحافيين متلبسين بالجريمة"، وهو ما حدث، إذ بعد التفاوض، وقع الصحافيان عقدا مكتوبا فيه أنهما يتسلمان ملياري سنتيم (2 مليون أورو) مقابل عدم نشر كتابهما، وتسلما على الفور تسبيقا نقديا قيمته 80 ألف أورو (80 مليون سنتيم)، وبخروجهما من المطعم حيث كان الاجتماع، "أوقفتهما الشرطة التي رأت واستمعت إلى كل شيء".
أما الصحافي إريك لوران، فأوضح في تصريحات سابقة أنه كان "في المرحلة النهائية من إنجاز تحقيق صحافي، فاتصل فعلا بالديوان الملكي، لكن بهدف إجراء لقاء مع الملك لاستيقاء وجهة نظر القصر في معلومات ضمن التحقيق، وبانتداب محامي القصر للقائه، فبادر الأخير خلال أول لقاء، إلى اقتراح تسوية مالية معه، إذ حرص خلال حديثه على تضمين كلامه عبارات من قبيل: صفقة، إلغاء، اتفاق مكتوب".
وبالنسبة إلى الصحافي المتهم بابتزاز الملك، "إن ذلك واضح في تفريغ التسجيل الصوتي في محاضر الشرطة: لم تكن هناك أي مبادرة إلى المطالبة بالمال من قبلي، كما توجد تهديدات أقل بالابتزاز، فقد قال لي: يمكننا أن نقر تعويضا، وإجراء صفقة مكتوبة، ثم أصر خلال كل اللقاءات الموالية على أن نكشف له مصادر المعلومات في التحقيق الذي ننجزه"، ثم أضاف الصحافي في تصريحات أخرى "لست أنا من اقترح الصفقة المالية، التي تظل صفقة خاصة، فالكتاب (التحقيق الصحافي) كتابي، إنه عملي، ولدي كامل الحق في نشره من عدمه".
أما كاترين كراسيي، فقالت لحظة تفجر القضية، في مقابلة مع "لوباريزيان"، إنها "سقطت في فخ"، مضيفة "مندوب القصر الملكي هو الذي اقترح، وهو الذي يرشي"، ليضيف إريك موتيت، محاميها الشخصي "إنها تعترف بتلقي المال وفتح المجال أمام إبرام الصفقة، وكانت في حالة من الارتباك، فهي تقدر أن الأمر ليس مجيدا على المستوى الصحافي والأخلاقي للمهنة، لكنه أمر ليس محظورا قانونيا"، ثم ختم حديثه لصحيفة "لوفيغارو"، قائلا "إن الأمر مصيدة متقنة".
وفي ما يتعلق بتحويل الأموال، فقد طلبت كاترين كراسيي، مبالغ صغيرة، وتحويل الباقي إلى حسابات خارج فرنسا فالتة من المراقبة، ويقول محاميها "نرى من الحيثيات أن الأمر لم يكن الإعداد له مسبقا من قبل الصحافيين، لقد وجدا نفسيهما متلبسين وهما يثيران الحل الأول الذي تبادر إلى ذهنهيهما".
سوابق مع المغرب
وتم توقيع عقد بين الصحافيين ومحامي القصر الملكي، وفي نصه المكتوب بخط اليد، يوجد أن إريك لوران، وكاترين كراسيي، "يلتزمان بألا يكتبا نهائيا على المملكة المغربية حالا ومستقبلا"، وفي المقابل يتلقيان "2 مليون أورو مقابلا ماليا"، كما توجد تسجيلات صوتية سرية قام بها ممثل القصر الملكي، اعتبر محامي كاترين كراسيي "أننا لا نسمع فيها شيئا مهما"، في حين قال إريك لورين "أن العدالة الفرنسية سقطت في حماسة زائدة، وصدمت من كيف استنفر الجهاز الأمني والقضائي نفسه من أجل دولة أجنبية نعرف ممارساتها".
وللصحافيان سوابق في علاقتهما بالمغرب، فقد نشرا في وقت سابق كتابا تم منعه بالمغرب، بعنوان "الملك المفترس"، لذلك يعتبر دفاعمها أن قضية اتهماهما بالابتزاز "فيها نوع من تصفية الحسابات"، يصوران فيه عاهل البلاد، بأنه "البنكي الأول، والمؤمن الأول، والفلاح الأول"، ولكن اللافت في قبولهما مالا مقابل عدم نشر كتاب جديد، أن دار النشر التي كانت تنوي طباعته وتوزيعه، قررت بعد اطلاعها على حيثيات القضية، التراجع عن العقد الذي يربطها بهما.
ويتعلق الأمر بدار النشر "سوي"، التي قالت إن الصحافيين أخلا بالتزاماتهما، و"اعترفا أمام الملأ أنهما قبلا بألا يكتب شيئا على المملكة المغربية مقابل تعويض مالي، وأخلا بذلك بالعقد الذي يربطهما مع دار النشر"، التي وعدت أيضا، بمتابعتهما قضائيا إذا ما قام بنشر كتابهما لدى دار نشر أخرى، وهو ما رد عليه إريك لوران، بالقول إنه "لم يتفاجأ بقرار دار النشر، ولكنني سأنهي الكتاب وسأقوم بنشره"، وهو ما صرح به أيضا محامي كاترين كراسيي بقوله "ستنشر الكتاب، ولكن ستقوم بدلك مع زميلهما في وقت لاحق".