انتقل الأربعاء 7 فبراير إلى الرفيق الأعلى الناشط الأمازيغي إبراهيم أخياط، مؤسس الجمعية المغربية لبحث والتبادل الثقافي وأحد شامات الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب، مؤلف كتب "تابرات" (الرسالة) و"رجالات العمل الأمازيغي" و"الأمازيغية هويتنا الوطنية" و"لماذا الأمازيغية؟" وغيرها.
يقول الحسين أيت باحسين، باحث في الثقافة الأمازيغية، إنه تعرف على الراحل حين التحق بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي عام 1970، وهو طالب بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وذلك عن طريق المرحوم الأستاذ علي صدقي أزايكو الذي كان أستاذا لي سنة 1962 في قسم الشهادة الابتدائية بإمنتانوت (شيشاوة).
ومنذ ذلك العام رافق أيت باحسين أستاذه ابراهيم أخياط في كل محطات مسيرته النضالية والتدبيرية الخاصتين بالشأن الأمازيغي لأكثر من 40 عاما.
ويضيف أيت باحسين قائلا: أخياط له مواقف ومنجزات من أجل رد الاعتبار للأمازيغية والنهوض بها إلى درجة أن شخصه أصبح لدى كثير من المغاربة، خاصة منهم المهتمون بالشأن السياسي والثقافي، مقرونا بالشأن الأمازيغي؛ كما أصبح لدى كثير من المهتمين بالشأن الأمازيغي مقرونا بالجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي.
وتلخص أدوار الراحل أخياط من بين رفاق دربه، خاصة داخل الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، في تدبير الشأن الأمازيغي، في وصفه مساره بأنه "ميسر" وأنه جمع بين الوساطتين الثقافية والنضالية. مسار ميسر يروي أيت باحسين أنه منذ تفرغ الراحل أخياط للعمل الجمعوي المهتم بالشأن الأمازيغي كان انشغاله الأمازيغية، فهي تستهويه، لدرجة أنه يملك القدرة على القدرة والطاقة التي تجمع داخل تنظيم الجمعية المغربية البحث والتبادل الثقافي بين المستويات الثقافية والاهتمامات الفكرية ومختلفي الانتماءات الجغرافية والسياسية ومتبايني الانتماءات الاجتماعية والمهنية.
وسعى في حياته لتوفير الشروط المادية والمعنوية لاستمرارية عمل الجمعية، بالرغم من كل المنعرجات السياسية والفكرية التي عرفها المغرب منذ تأسيس الجمعية إلى اليوم. وساطة نضالية كل الذين عملوا إلى جانبه يعلمون أنه لا يستمع فقط إلى ما يُتَداول ويُقتَرح في لقاءات الجمعية، بل إنه يقوم، كلما استجد جديد يستلزم التشاور والمشورة، بدورات مكوكية في منازل النواة الصلبة للجمعية قبل عقد اجتماع يتم فيه الحسم في الرأي والموقف؛ وبالتالي فإن تدبير الإنجاز والتحقيق رهين به؛ لكن باستشارة مناضلي الجمعية الآخرين خاصة منهم المشكلين للنواة الصلبة للجمعية".
وهذه الوساطة النضالية، بحسب أيت باحسين، جمعت بين تدبير أنشطة في الوسط الطلابي الجامعي وأخرى أقيمت في مختلف المدن المغربية كأنشطة اكتست صبغة إشعاعية على مستوى الساحة العمومية. وعمل لعقود على توفير الشروط الملائمة لفتح حوار مستمر مع المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية ومختلف جمعيات المجتمع المدني. ولتجديد دينامية عمل الجمعية كان دائما حريصا على استقطاب عناصر جديدة قد تفيد الجمعية في تحقيق أهدافها. وساطة ثقافية الوساطة النضالية استلزمت من الراحل أخياط وساطة أخرى لا تقل عنها أهمية، وهي الوساطة الثقافية.
فما زال يتذكر أيت باحسين التنسيق الذي قام به بين عناصر من جنوب المغرب ووسطه وشماله في بداية السبعينيات (1971)، بحيث تفضل الدكتور عبد المالك أوسادّن ووضع رهن إشارتنا منزله بإموزّار (فيلاّ كان يملكها بإموزّار، في ضواحي مدينة فاس) وأقمنا بها لمدة أسبوع نتبادل فيها الرأي حول قضايا "اللغة والثقافة الأمازيغيتين" – التي كنا نصطلح عليها آنذاك ب "اللهجة البربرية والثقافة الشعبية" - سواء من حيث كوننا ننتمي إلى مناطق متباينة؛ أو من حيث كوننا نتوزع بين كليات ومدن الرباط وفاس بصفة خاصة؛ أو من حيث كوننا ننتمي إلى تخصصات أكاديمية ومهن مختلفة.
ولقد كان برنامج العمل الأساسي في هذا اللقاء التكويني توضيح هدف الجمعية الأساسي وضرورة القيام بالتحسيس في الوسط الطلابي لكي يتم الاهتمام بقضايا "اللغة والثقافة الأمازيغيتين". وساهم أخياط في تجذير الوعي بهذا البعد من ثقافتنا الوطنية، وكذا محاولة وضع قاموس مشترك بين مختلف "لهجات الأمازيغية".
كما ساهم الراحل إبراهيم أخياط والدكتور عبد المالك أوسادّن في وساطة ثقافية جعلت المجموعة التي استفادت من هذا اللقاء تختار بصفة لا رجعة فيها، وإلى اليوم، موضوع انشغالها اليومي والثقافي والنضالي وكذا الأكاديمي، هو الحفاظ على الأمازيغية ورد الاعتبار لها. وبحسب أصدقاء الراحل ومحبيه ومعارفه، فقد ساهم الرجل في رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة.
وحين تتأكد لديه رؤية استراتيجية واضحة، يستجمع كل هممه للبحث عن سبل ووسائل تحقيق ذلك على أرض الواقع وفق ما تسمح به الشروط الموضوعية واعتمادا على الحوار أولا فالحوار ثانيا ثم الحوار ثالثا واستنادا إلى قوة الحجة والإقناع وإشراك كل من يهمه هذا الحوار ويقبل به وبمختلف الوسائل المشروعة المتاحة والممكنة.