هل تتذكرون "الحكم التاريخي" الذي قضى، لأول مرة في تاريخ المغرب، لفائدة أم عازبة ومولودتها بـ10 ملايين سنتيم تعويضا مدنيا عن الضرر يدفعها شريكها الجنسي، وكان موضوع ندوات احتفالية وبرامج تلفزيونية بعد صدوره عن القاضي محمد الزردة، رئيس قسم قضاء الأسرة بطنجة؟ لقد ألغي خلال مطلع هذا الأسبوع، ولم يعد ذو أثر.
وجاء ذلك، بعدما قامت هيأة الحكم في الغرفة الشرعية بمحكمة الاستئناف بطنجة، برئاسة قاض يدعى الحادي الإدريسي، بقبول إلغاء الحكم الابتدائي، قبولا للطعن الذي قدمته النيابة العامة ضده، وآخر تقدم به "يوسف.ص"، خليل "نورة.م"، التي صارت في عداد الأمهات العازبات بعدما أنجبت منه بنتا، أكد فحص الحمض النووي (الخبرة الجينية)، التي أجراها مختبر الشرطة العلمية بالدار البيضاء، بأوامر من قاضي التحقيق، بأنها من صلبه.
وتبعا للحكم الجديد في ملف الطعن الذي شرعت هيأة الحكم في المرحلة الاسئنافية النظر فيه منذ سادس مارس الماضي، لم تعد الأم العازبة وبنتها، ستستفيد من 10 ملايين سنتيما تعويضا لهما، بديلا عن النفقة، التي لا يلزم القانون المغربي الآباء بتحملها عن أبنائهم المولودين خارج إطار الزواج الشرعي، ولو اعترفوا بأبوتهم لأولئك المواليد أو أثبتها القضاء والخبرة الجينية.
وقال أحمد كنون، المحامي بهيأة طنجة الذي ينوب عن الأم العازبة وابنتها "لينا"، في حديث مع "تيل كيل – عربي"، إنه لم يتسلم بعد الحكم الجديد حتى يتمكن من الاطلاع عليه ومعرفة التعليلات، "لكنني في كل الأحوال سألجأ إلى محكمة النقض بالرباط للطعن في القرار الاستئنافي، الذي ألغى حكما ابتدائيا، اتفق الجميع على أنه صادف الصواب، ورحب به الجميع، بما في ذلك رجال دين، أبرزهم أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح".
ولم يخف المحامي أحمد كنون، أن إلغاء الحكم استئنافيا، قبولا لطعن النيابة العامة، والطرف المدعى عليه، "يأتي في وقت كان الأمل هو أن يقف المشرع وقفة تأمل عند الاجتهاد القضائي ممثلا في الحكم الابتدائي، ويبادر إلى مراجعة عدد من الفصول المتجاوزة والجامدة في مدونة الأسرة، والتي لم تعد تساير التطورات التكنولوجية والعلمية، سيما الخبرة الجينية التي تثبت البنوة، كما لم تعد تساير الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب".
اجتهاد قاض
بالعودة إلى الحكم الابتدائي الملغى، يتبين أن هيأة الحكم الابتدائية، عللت في الحكم الصادر نهاية يناير الماضي، قرارها القاضي بأن يدفع "يوسف.ص"، تعويضا قدره 10 ملايين سنتيم لخليلته السابقة، استنادا على مسؤوليته الجنائية في إنجاب البنت، والتي أقرها القضاء الجنحي حينما أدانه من أجل "الفساد"، في إشارة إلى علاقته الجنسية مع خليلته، وبناء على قيام مسؤوليته المدنية.
وكانت المسؤولية المدنية، أبرز اجتهاد للقاضي محمد الزردة، رئيس قسم قضاء الأسرة بطنجة، حسب ما يستفاد من نسخة الحكم الابتدائي الذي تتوفر عليه "تيل كيل - عربي"، إذ لم يتردد في عدم الاكتفاء بمدونة الأسرة ومقتضياتها، بأن لجأ إلى الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود، الذي يقر المسؤولية المدنية لمرتكبي الجنح، وبالتالي أحقية الضحايا في الحصول على تعويض منهم.
وبالنسبة إلى الحكم الابتدائي، الذي وصف بالتاريخي وغير المسبوق، مادامت جنحة العلاقة الجنسية الفاسدة الثابتة في حق خليل الأم العازبة، هي التي نتجت عنها ولادة البنت، فالواقعة تنطبق عليها مضامين الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود، والتي تقول إن "كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون، وأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، يلزم مرتكبه بأداء تعويض عن الضرر، إذا ثبت أن الفعل الذي ارتكبه هو السبب المباشر في حصول الضرر".
وقبل أن يفتح القاضي تلك الطريق نحو تطبيق قانون الالتزامات والعقود على النازلة، حاول التأكيد على مبدأ سمو المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، والدستور، على مدونة الأسرة ومقتضياتها، فأشار في تعليل الحكم، إلى مقتضيات المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل، التي تنص على أن القضاء يتوجب عليه إيلاء الاعتبار الأول لمصالح الأطفال عند النظر في النزاعات المتعلقة بهم، وعلى المادة السابعة التي تقر بحق الطفل بأن يسجل فور ودلاته وتلقي رعاية والديه".
وفيما وظف القاضي أيضا المادة السادسة من الاتفاقية الأوربية بشأن حماية الطفل، والتي صادق عبليها المغرب في 2014، وتقول إن السلطة القضائية، تقوم قبل اتخاذ قرارها في الإجراءات التي تخص الأطفال بـ"دراسة هل لديها معلومات كافية تحت يدها من أجل اتخاذ قرار في صالح الطفل"، استند أيضا على الفقرة الثالثة من المادة 32، التي تنص على أن "الدولة تسعى إلى توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية وبغض النظر عن وضعهم العائلي".
يشار إلى أنه في الوقت الذي تحفظت فيه سميرة محيوتن، عضو مجلس هيأة المحامين بطنجة، التي نابت في القضية عن "يوسف.ص"، الكدعى عليه من قبل خليلته السابقة "نورة.م"، التعليق على الحكم الذي جاء لصالح موكلها استئنافيا، ينتظر أن يغضب الحكم الجمعيات التي تترافع على حقوق الأمهات العازبات رفقة أبنائهن بالمغرب، خصوصا عندما يتم تحريره والاطلاع على الحيثيات التي استند عليها قرار الإلغاء الصثادر عن الغرفية الشرعية بمحكمة الاستئناف بطنجة.
امحمد خيي