لم يكن حلمه أن يكون روائياً يتربع اليوم على عرش الأدب، بل داعبت أحلامه في صغره وشبابه رغبة اعتلاء منصات الحفلات، كان حلمه أن يصير مغني بوب يؤلف نصوصه على غرار بوب ديلان وليونارد كوهين، لكنه صنع خلطة أدبية تجمع بين" جاين أوستن وكافكا" أن يبهر سارة دانيوس الأمينة العامة الدائمة لأكاديمية "نوبل" السويدية، التي لخصت بتلك العبارة ما لمسته في أعمال "كازوو إيشيغورو "من إبداع.
ترعرع مبدع "بقايا النهار" وابن مدينة نكازاكي التي اجتاحها أول هجوم نووي لأمريكا، في بريطانيا التي حل بها قبل أن يبلغ سن السادسة، وهو اليوم في الثانية والستين من العمر 62. رأى النور عام 1954، وانتقلت أسرته للعيش في إنجلترا عام 1960. حصل الروائي المتوج بجائزة نوبل على درجة الليسانس من جامعة "كنت" عام 1978 والماجستير من جامعة "إيست أنجليا" لدورة الكتابة الإبداعية عام 1980، لتمنحه السلطات البريطانية بعد عامين من ذلك، صفة المواطن الإنجليزي.
لم يكن تتويج البريطاني من أصول يابانية بـ"نوبل" أول اعتراف بمساره الأدبي، بل دخل التاريخ من أوسع أبوابه عام 1989، عندما منح جائزة "بوكر" الفرنسية، وكانت هذه أول مرة تمنح فيها لعمل روائي كتب باللغة الإنجليزية، وسبق وترشح أربع مرات لنيل الجائزة، كما منح الكاتب شرف دخول قائمة 50 أعظم روائي مر في تاريخ بريطانيا منذ العام 1945، وهي القائمة التي أصدرتها صحيفة "التايمز".
كما خبر والده المحيطات التي فرضت عليه ظروف العمل في مجالها الانتقال إلى بريطانيا للعيش فيها، استطاع الابن الغوص في أعماق الأدب الإنجليزي دون أن يفك ارتباطه بجذوره اليابانية، وعن هذا المزيج الذي منحه امتيازاً يجمع بين هدوء جزر المملكة وحكمة اليابان، قال كازوو إيشيغورو، في مقابلة صحفية عام 1989، "أنجذب إلى بيئة ما قبل الحرب وما بعدها لأني أهتم بالقيم والمثل التي تتعرض للاختبار ومواجهة الناس لمفهوم أن مثلهم لم تكن فعلاً ما كانوا يظنون قبل خضوعها لهذا الاختبار".
أصدر المتوج بـ"نوبل" ثمانية كتب، وقام بتأليف عدد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، روايته الشهيرة "بقايا النهار"، جُسدت فيلماً شارك في بطولته كل من انطوني هوبكينز وإيما تومسون.
صدرت أول رواية كازوو إيشيغورو عام 1982 بعنوان "منظر شاحب من التلال"، ثم رواية ثانية أربع سنوات بعد ذلك حملت عنوان "فنان من العالم الطافئ"، وكانت آخر ابداعاته الأدبية عام 2015 (ذي باريد جاينت)، دار النشر (فابر اند فابر) التي أصدرتها احتفت بدورها بالكاتب، ونشرت على حسباها في موقع "تويتر": " نحن مبتهجون جدا بفوز كازوو إيشيغورو بنوبل الآداب".
"كازوو إيشيغورو كشف في روايات مشحونة بعواطف قوية، الهاوية الكامنة تحت شعورنا الوهمي بالتواصل مع العالم". كان هذا تقييم أكاديمية نوبل السويدية، لأعمال الكاتب الروائي البريطاني من أصول يابانية. و وصفت الأكاديمية كتابه الأشهر "ذي ريماينز اوف ذي داي" (بقايا النهار) بأنه "رائعة أدبية". تقييم منح الكاتب جائزة الـ945 ألف يورو (قرابة 10 مليون درهم ونصف).
سمع كازوو إيشيغورو، بفوزه بالجائزة لهذا العام عبر وسائل الإعلام، ووصف ما حققه بـ"إطراء مذهل". وتابع في حديث له مع قناة "بي بي سي"، أنه خلال إعلان اسمه فائزاً بجائزة نوبل للأدب، كانت زوجته عند مصفف الشعر، لتتصل به قبل عودتها إلى المنزل وتخبره بما حققه عبر الهاتف.
صاحب روايات "منظر شاحب من التلال" و"فنان من العام الطافي" و"من لاعزاء لهم"، ربط حصوله على الجائزة الحلم عند جميع الأدباء والفنانين والعلماء وقادة العالم، بما يعيشه هذا الأخير من "ارتباك بشأن قيمه وقيادته وأمانه"، وتمنى في تصريحه للصحافة من منزله شمال لندن أن "يشجع حصوله على هذا التكريم الكبير قوى الخير ولو بدرجة محدودة".
حصول كازوو إيشيغورو على جائزة نوبل، اعتبره النقاد في تصريحات صحفية "استمرار لخروج التتويج عن طابعه الكلاسيكي، ومنح الجائزة لأدباء ليس شرطاً أن يكونوا معروفين من طرف الجميع، أو أن يكون لهم حضور قوي في كبريات صالونات الأدب العالمية".
اسمه لم يكن متداولا بشكل نهائي هذا العام، ولم يرشح لنيل الجائزة حسب ما نشرت وكالة "رويترز"، بل ذهبت دار النشر التي تصدر كتبه في السويد حد القول: "كان الأمر غير متوقع بتاتا. طرح اسمه لفترة طويلة لكن ليس هذه السنة".
في السياق ذاته، ظهر أن جائزة نوبل أفلتت من كتاب وشعراء مخضرمين من أمثال فيليب روث ومارغريت آتوود وكلاوديو ماغريس وأدونيس وميلان كانديرا وهاروكي موراكامي.