أفاد بحث وطني للمندوبية السامية للتخطط حول مستوى معيشة الأسر، بين مارس 2022 ومارس 2023، بأن معدل ميزانية النفقات الغذائية لدى الأسر انتقل من 37 في المائة، سنة 2014، إلى 38,2 في المائة، سنة 2022؛ أي بزيادة 1.2 نقطة مئوية من ميزانية الأسر الغذائية بين عامي 2014 و2022. وبالتالي، عرف معدل النفقات الغذائية نموا بنسبة 3.24 في المائة، مقارنة بـعام 2014. وبالتالي، هذا له تأثير مالي، على المستوى الوطني؛ مما يبرز الأثر الكبير لهذه الزيادة على الاقتصاد وعلى الأسرة المغربية.
ومن أجل قراءة هذه الزيادة اقتصاديا، أكد أمين سامي، خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية، اليوم الثلاثاء، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، على "ضرورة استحضار الأمور التالية، جملة وتفصيلا. فمن منظور المستهلك، يتضح أن الأسر تواجه ضغطا ماليا أكبر، بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وضعف القوة الشرائية. أما من منظور الاقتصاد الكلي، فالزيادة تعكس التضخم في أسعار المواد الغذائية وتحولا في أولويات الإنفاق الأسري. بينما من منظور السياسات العمومية، فالحكومة مطالبة إلى خلق سياسات مضبوطة وفعالة لموازنة تكاليف المعيشة، من خلال دعم الإنتاج المحلي وضبط الأسعار، كمثال".
وعزا سامي هذا الارتفاع في ميزانية النفقات الغذائية لدى الأسر إلى "عوامل خارجية، بالأساس، وعوامل داخلية"، موضحا أنه "على مستوى الاتجاهات الخارجية، تأثر المغرب بالتضخم العالمي وارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة بعد تداعيات جائحة "كوفيد-19" التي أثرت على سلاسل التوريد وأسعار النقل الدولي، على مستوى الأزمات الاقتصادية العالمية،. وعلى مستوى الحرب الروسية الأوكرانية، فقد تسببت في زيادة أسعار الحبوب والزيوت والمواد الأولية عالميا؛ مما انعكس، مباشرة، على أسعار المنتجات الغذائية في المغرب؛ كونه يستورد نسبة كبيرة من احتياجاته الغذائية. فيما على مستوى اضطرابات سلاسل التوريد، ساهمت الاختناقات اللوجستية وارتفاع تكاليف النقل الدولي، بدورها، في زيادة أسعار المواد المستوردة؛ مما جعل المنتجات الغذائية أكثر تكلفة".
وتابع الخبير أنه على "مستوى تقلبات أسعار الطاقة، ساهم ارتفاع أسعار الوقود عالميا في التأثير على ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع داخل المملكة؛ مما ساهم في رفع أسعار المنتجات الغذائية. بينما على مستوى تحولات الأسواق التجارية الدولية، أدى تزايد الطلب العالمي على بعض المنتجات الزراعية إلى ارتفاع أسعارها، خصوصا في الأسواق التي يعتمد عليها المغرب لاستيراد مواده الغذائية".
أما على مستوى الاتجاهات الداخلية، فقال المتحدث نفسه إن "التضخم وارتفاع الأسعار والجفاف والتغير المناخي وإصلاحات صندوق المقاصة كانت من الأسباب التي ساهمت في ارتفاع النفقات الغذائية لدى الأسر"، مسجلا أنه "على مستوى التضخم وارتفاع الأسعار، شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا ملحوظا في المغرب بسبب التضخم؛ حيث أدت التكاليف المرتفعة للإنتاج والنقل إلى زيادة أسعار السلع الأساسية؛ مثل القمح، والزيوت، والسكر. بينما على مستوى تراجع القدرة الشرائية للأسر، وعلى الرغم من الزيادات الطفيفة في الأجور، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة أثر سلبا على القوة الشرائية؛ مما أجبر الأسر على تخصيص نسبة أكبر من دخلها للمواد الغذائية".
وأضاف سامي أنه "على مستوى تغير أنماط الاستهلاك، أصبح المستهلك المغربي أكثر توجها نحو المنتجات المصنعة والمستوردة، والتي غالبا ما تكون أكثر تكلفة مقارنة بالمنتجات المحلية؛ ما أدى إلى زيادة الإنفاق الغذائي. وعلى مستوى تأثيرات الجفاف والتغير المناخي، فالمغرب عانى، في السنوات الأخيرة، من دورات جفاف متكررة؛ مما أثر على المحاصيل الزراعية، وأدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية، لاسيما الخضر، والفواكه، والحبوب. فيما على مستوى إصلاحات الدعم الحكومي، زاد تراجع دعم بعض المواد الأساسية في إطار إصلاح صندوق المقاصة من تكلفة العديد من المنتجات الغذائية على الأسر؛ حيث تحملت السوق والأسرة أعباء مالية أكبر".
وفي هذا الإطار، دعا الخبير إلى "ضرورة العمل لوضع سياسات عمومية ناجعة وفعالة ومبتكرة للحيلولة دون ارتفاع النفقات الغذائية للأسر مستقبلا"؛ حيث اقترح "المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي، عبر دعم الإنتاج المحلي، لتقليل الاعتماد على الواردات، والتوجه نحو الفلاحة الذكية والمستدامة، لتحسين الإنتاجية وتقليل آثار الجفاف، والاستثمار في سلاسل التوزيع، وتقليل التكاليف اللوجستية، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين الإنتاجية وتقليل الهدر، بالإضافة إلى تقديم حوافز ضريبية للمزارعين الذين يركزون على إنتاج المواد الأساسية، وإنشاء بنوك للبذور والأسمدة بأسعار مدعومة، وإنشاء أسواق رقمية مباشرة بين المنتج والمستهلك لتقليل تكلفة الوسطاء".
كما اقترح سامي "تحسين البنية التحتية اللوجستية لتقليل الفاقد أثناء النقل والتخزين، ودعم التصنيع المحلي للأغذية الأساسية لتقليل الاعتماد على الاستيراد، فضلا عن تحفيز إنتاج البدائل الغذائية منخفضة التكلفة؛ مثل منتجات البروتين النباتي، ودعم مشاريع إعادة تدوير الأغذية للحد من الهدر، وتقديم منتجات منخفضة التكلفة، وتقديم برامج دعم لتجهيز المنازل والشرفات للزراعة الحضرية؛ مثل زراعة الطماطم، والخضروات الورقية، وتطوير تطبيقات لإدارة ميزانية الأسرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لمراقبة الإنفاق وتقديم توصيات حول ترشيد المصاريف، وتفعيل البطاقات التموينية الرقمية التي تقدم خصومات على السلع الأساسية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الأسعار والسلوك الاستهلاكي، من خلال منصات ذكاء تسويقي ترصد أسعار المواد الغذائية، وتنبه المستهلكين لأفضل الأوقات للشراء".
كما اعتبر الخبير الاستراتيجي أن "تقليل نفقات الأسر الغذائية يتطلب مقاربة متكاملة تجمع بين تحفيز الإنتاج المحلي، وتحسين سلاسل التوزيع، وتعزيز ثقافة الاستهلاك الذكي، واستغلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى إجراءات ضريبية داعمة، وأخيرا، المساهمة في خلق مناخ الأعمال الاستثماري، وطنيا وترابيا".