يطرح سعي الكتالونيين إلى الاستقلال عن إسبانيا أسئلة حول التأثيرات المحتملة على الوضع في المغرب، الذي يواجه محاولات لفصل صحرائه عن باقي أراضيه منذ أزيد من 42 سنة. ويستمد هذا السؤال شرعيته من تأثيرات القرب الجغرافي بين البلدين، ووجود صدى كبير لدعوات الاتفصال بالمغرب في منطقة كتالونيا.
المغرب سارع في قت سابق إلى التعبير على لسان المصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم حكومة سعد الدين العثماني، عن رفض الاستقلال في كتالونيا . وقال في مجلس حكومي سابق "نحن مع موقف حكومة مدريد إزاء هذا الاستفتاء". فماهي خلفيات الموقف المغربي؟ وأي تبعات وتأثيرات على المغرب إذا انفصلت كاتلونيا عن المغرب؟
عقدة نزاع الصحراء
محمد اليازغي، وزير الدولة سابقا والكاتب الأول الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحد العارقين بالملف، يبدو واثقا أنه لا يمكن أن ينعكس الوضع الحالي في إسبانيا على الموقف من قضية الصحراء. "إسبانيا موقفها إيجابي في الصحراء وتغير جذريا منذ سنوات".
وأضاف المتحدث في حديث مع "تيل كيل – عربي"، قائلا "المغرب مع الأسف مشكلته مع الجزائر وليس إسبانيا، فهي لم يعد لها أي موقف معاد للمغرب، إنما تتبنى موقفا إيجابيا منذ زمن، سواء لما كانت عضوا في مجلس الأمن، وفي داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة أصدقاء الصحراء التي تنتمي إليها مع أربع دول أخرى".
وأوضح المتحدث نفسه أن "إسبانيا تعتبر أن الحل في قضية الصحراء لا يمكن إلا أن يكون توافقيا كما يطرح ذلك مجلس الأمن"، وهو الموقف الإيجابي الذي تطور "خصوصا مع حكومات فيليب غونزاليس (1982-1996)، ثم منذ 2004، بداية بحكومة خوسي لويس رودريغيز ثباتيرو".
ويرى محمد اليازغي، في السياق ذاته، أن "مشكلتنا في الصحراء هي مع إخواننا الجزائريين، أما إسبانيا، فربما، بعض المجتمع المدني ومنظماته وحدهما هما المتعاطفان مع الأطروحة الإنفصالية في الصحراء، أما الموقف الرسمي للأحزاب فقد تغير جذريا ويبدو ثابتا".
نبيل دريوش، الصحافي ومؤلف كتاب "العلاقات المغربية – الإسبانية: الجوار الحذر"، يعيد وضوح الموقف الرسمي المغربي، إلى "معاناة المغرب بدوره مشكلة الانفصال في الصحراء، لذلك عبر عن موقف منسجم مع ثوابت المملكة المغربية بعدم دعم أي حركة انفصالية". ويأتي ذلك، رغم أنه تستبعد أي تأثيرات لانفصال كاتالونيا على مسار التسوية الأممية حول نزاع الصحراء، أو على الأقل الموقف الإسباني من النزاع.
مصالح اقتصادية
تعد إسبانيا شريكا اقتصاديا كبيرا للمغرب، إذ تشير وثيقة لمديرية الدراسات والتوقعات الاقتصادية بوزارة الاقتصاد والمالية، صدرت في أبريل 2015، أن التبادلات بين البلدين تعرف نموا متسارعا، منذ 2004 نسبته السنوية 11 %، إذ يصدر المغرب إليها ما يفوق 43 مليار درهم ويستقبل أكثر من 51 مليار من الواردات، كما توجد على التراب الوطني 800 شركة إسبانية.
ويبدو أن ذلك الجانب هو الذي يتربص به الخطر إذا استقلت كتالونيا، ويفسر الموقف المغربي الداعم للوحدة الترابية لإسبانيا، فيقول نبيل دريوش، رئيس التحرير بقناة "ميدي1 تيفي"، في حديثه مع "تيل كيل – عربي"، إن الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، هي التي تجعل مع يقع في إسبانيا ذو "بعض الأثر على المغرب".
وأوضح المتحدث قائلا "بحكم أن كتالونيا هي المحرك الاقتصادي لإسبانيا، فأي تراجع للاقتصاد الإسباني أو أضرار تصيبه بسبب استقلال كاتلونيا، سيؤثر على المبادلات بين البلدين".
وأكد المتحدث ذاته، أنه علاوة على ذلك، "يجب ألا ننسى أن في إسبانيا جالية مغربية عدد أفرادها يصل إلى مليون، وبالتالي أي تدهور اقتصادي بسبب الانفصال سيؤثر عليهم، وسيفاقم تداعيات الأزمة الاقتصادية الإسبانية، وقد يؤدي إلى عودة بعضهم إلى أرض الوطن في ظل وضع اقتصادي صعب".
المغرب يدعم مقاربة خاطئة
رغم أن محمد اليازغي يتأسف على "قيام حركة انفصالية بالسير في مخطط الاستفتاء دون اتفاق مع الحكومة، وبشكل مخالف للدستور"، فقد حرص عند إثارة الموقف المغربي الداعم لمقاربة الحكومة المركزية الإسبانية، على وصف تلك المقاربة بالخاطئة.
وقال المتحدث: "لم تقم حكومة راخوي بكل ما يجب تجاه كاتلونيا، فالمشاكل مع الإقليم قديمة، وفي المرة الأخيرة التي طرحوا فيها أنهم أمة ورفضتها الحكومة والمحكمة الدستورية جعل الأوضاع تتفاقم دون أن تأخذ الحكومة أي مبادرة لمواجهة هذه العزيمة الموجودة لدى أغلبية الكاتلونيين في الاستقلال".
وأكد اليازغي، مضيفا، أن "الحكومة الإسبانية ليست لها أي خطة من غير المواجهة، وبطبيعة الحال ها نحن نرى النتائج عبارة عن عنف ومواجهات واعتقالات، والمقاربة الأمنية لم تكن يوما هي الخطة السياسية، ولا تفيد ثورة الناس وإرادتهم في الاستقلال".
ماذا عن سبتة ومليلية؟
قبل أيام، أكد الحسين مجدوبي، الصحافي المتخصص في الشأن الإسباني، أن "انفصال كتالونيا سيضعف موقف اسبانيا في سبتة ومليلية، وسنكون أمام الإشكالية: إذا انفصلت كتالونيا فكيف ستفسر اسبانيا احتفاظها بالمدينتين؟"، إلا أن نبيل درويش، الصحافي المتخصص بدوره في العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ومحمد اليازغي، وزير الدولة سابقا، لهما رأي مختلف.
وقال دريوش: "أي تفكك لإسبانيا أو انفراط عقد وحدتها قد يفتح الباب للمطالبة بسبتة ومليلية، ولكن حاليا هذا الأمر لن يحصل، لأن المغرب يعاني مشكلة الصحراء ويعطيها أولوية كبرى، كما أن العلاقات الإستراتيجية القائمة الآن، تجعل اللحظة ليست مناسبة لفتح الملف، لأن فيه تعقيدات وتراكمات قرون".
وأضاف المتحدث ذاته أنه "ملف مدينتي سبتة ومليلية لا تمكن قراءته ارتباطا بكاتلونيا، لأن السياق التاريخي بشأن وضع المدينتين يختلف عن كاتلونيا، فهما تمت السيطرة عليهما من قبل إسبانيا، في القرن 15 والقرن 16، ولم تخرج منهما عقب استقلال المغرب، لأنها اعتبرت أنها ستخرج فقط من الأراضي التي شملتها الاتفاق مع فرنسا في 1912"، لذلك وضعهما "معقد وعالق منذ قرون".
والملاحظة الثانية التي يثيرها نبيل درويش ومحمد اليازغي، هي غياب أي مطالب من داخل المدينتين من أجل الانفصال عن إسبانيا، فقال وزير الدولة السابق: "المدينتان تعدان الحالة الوحيدة للاستعمار التي لا توجد داخلها حركة تطالب بالتحرر منه، باستثناء تصريحات محتشمة قبل سنوات لبعض الشيوعيين واليسار الجذري قالت إنه تجب إعادتهما للمغرب".
وأكد صاحب كتاب "المغرب وإسبانيا: الجوار الحذر"، ذلك بالقول "داخل المدينتين لا وجود لأي نزعة انفصالية، والفترة الوحيدة التي كان فيها ذلك تعود إلى الثمانينات من خلال عمر دودو، ونشأة أول صحوة للمغاربة المسلمين، لكن ارتبطت بمحاولة إسبانيا تطبيق نظام الهجرة، واعتبار المغاربة مجرد مقيمين، ما أدى إلى انتفاضة مجموعة من المغاربة المقيمين بسبتة، أجبرت الحكومة الإسبانية على تجنيس مغاربة المدينتين".
وفيما يرى دريوش أن ذلك "لم تتلقاه الرباط بعين الرضا، ما جعل الحسن الثاني يدعو إلى إنشاء خلية تفكير في مستقبل المدينتين في1987"، يرى محمد اليازغي أن "ملف سبتة ومليلية يظل ملفا مفتوحا، ولكن مع الأسف لم يقبل الإسبانيون بعد فتح الحوار بشأنه".
ويستمر الموقف الإسباني، حسب اليازغي، "رغم أنه لم تبقى هناك أي أهمية للمدينتين على الاقتصاد الإسباني، فالعلاقات التجارية التي لهم مع المغرب اليوم متطورة، وهم الزبون الثاني وأحيانا الأول، وهم أيضا مصدرين ومستثمرين في أكثر من 1000 شركة في المغرب"، في حين "صارت سبتة ومليلية كارثة على الاقتصاد بسبب التهريب، والمغربي بسبب حرمانه من بابين على البحر الأبيض المتوسط".
وعلى العموم، يرى وزير الدولة الأسبق، أن المغرب "مطالب بالاستمرار في طرح المشكل، وحث الإسبانيين على فتح حوار، مع التوجه إلى الأحزاب والمجتمع المدني الإسبانيين، لأن سبتة ومليلية، مع الأسف، هما الحالة الوحيدة لحالة استعمار دون أن توجد أي حركة داخلية ضده في البلد المستعمر".