حلت وزيرة الثقافة الفرنسية، رشيدة داتي، بداية الأسبوع الجاري، بالأقاليم الجنوبية، رفقة وزير الثقافة والشباب والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، في زيارة رسمية تعد الأولى من نوعها، بهدف تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين.
وفي هذا الصدد، أجرى "تيلكيل عربي" حوارا مع إبراهيم بلالي اسويح، المحلل السياسي، وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لقراءة خلفيات هذه الزيارة، والحديث عن دور الثقافة في تجاوز الأزمات السياسية، وتتبع استراتيجية فرنسا قبل تشييد قنصليتها في الصحراء المغربية.
إلى أي درجة تُعتبر الثقافة مهمة لتجاوز الأزمات السياسية؟
حينما تكون العلاقة استراتيجيا مهمة، ويكون هناك تقارب على عدة مستويات، فإن الموضوع الثقافي يعزز هذه الأبعاد، ويساهم في مزيد من التقارب، والدليل على ذلك أن فرنسا، في أبعاد علاقتها مع المغرب، لم تقتصر على ما هو اقتصادي وتنموي، أو حتى دبلوماسي، بل إن الأمور تجاوزت جميع المناحي إلى درجة أن يعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالحرف، للملك محمد السادس، عن رغبته في فتح صفحة جديدة، ليرد عليه عاهل البلاد بأنه سيتم فتح كتاب جديد.
وفصول هذا الكتاب تتضمن ما هو اجتماعي وثقافي، أيضا، والدليل على ذلك أن زيارة داتي إلى الأقاليم الجنوبية حملت العديد من الرسائل؛ حيث زارت مآثر ومواقع تؤرخ للوجود الدائم للتقارب بين الأقاليم الجنوبية وفرنسا أو أوروبا، وتذكر بأن الحضارتين الإفريقية والأوروبية تتجسد في هذه المناطق، وهو ما يزكي مسعى المغرب إلى إثبات سيادته عليها، الشيء الذي تحقق من خلال اعتراف الدولتين الكبيرتين المستعمرتين فرنسا وإسبانيا بمغربية الصحراء، بالأفعال، وليس بالأقوال، وذلك بعد أن كانت لهما أدوار كبيرة في رسم الحدود، السبب الرئيسي في اندلاع النزاع المفتعل.
يبدو أن فرنسا تتبع استراتيجية مبنية على مراحل معينة قبل تشييد قنصلية فرنسية في الصحراء المغربية، ما المتبقي منها قبل أن نشهد هذه الخطوة المُنتظرة؟
كانت هناك تصريحات متعاقبة للمسؤولين الفرنسين، فضلا عن الموقف الفرنسي المزلزل والحاسم، كل هذا كان تأكيدا على تأطير العلاقة الاستراتيجية بين البلدين في أبعادها التنموية والاقتصادية، على أساس تمهيد الطريق لتكريس مجموعة من الأفعال على مستوى الميدان؛ ومن أهمها تشييد قنصلية أو تمثيلية دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية.
وفيما يخص الدور الثقافي، تم إعطاء الانطلاقة الرسمية للمركز الثقافي الفرنسي وافتتاح رابطة فرنسية بالعيون، فضلا عن تشييد مجموعة من المؤسسات ذات الطابع السمعي البصري، وهو ما يؤكد أن الأرضية ستصبح سانحة، في المستقبل القريب، من أجل الخطوة المنتظرة.
كل هذه الزيارات المتعاقبة هي دليل قاطع على اتباع فرنسا لاستراتيجية مبنية على مراحل، تبدأ بوضع اللبنات الأساسية على المستوى الاقتصادي، ثم المستوى الثقافي، بالإضافة إلى الزيارة المنتظرة لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي.
أهم شيء هو وجود توجه نحو عمق استراتيجي بين البلدين، والذي تجسد الأقاليم الجنوبية محوره، بدليل أن فرنسا باتت تسعى، في إطار ترتيب أوراقها على مستوى القارة الإفريقية وجنوب المحيط الأطلسي، إلى تكريس دورها كفاعل في الأقاليم الجنوبية. لذلك، تزايد الدعم الفرنسي، من خلال لغة المصالح، سيتكرس في المستقبل القريب، وستعزز فرنسا مكانتها هناك أكثر، على اعتبار أن ما يحدث لها على المستوى الجيوستراتيجي، خصوصا في دول الساحل، يدل على أن الأقاليم الجنوبية باتت بوابتها الحقيقية لأي توجه مستقبلي.
داتي شبهت علاقة البلدين بـ"قصة الحب".. أهناك حب يجمع بين الدول؟
كلامها صحيح؛ ففرنسا أثبتت، تاريخيا، على مستوى المراحل التي مرت منها علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة، رغم الهزات والارتدادات، أن العلاقة التي تجمعهما تتجاوز العلاقات الدبلوماسية التقليدية إلى ما هو أعمق، من خلال تداخل المصالح. والدليل على ذلك أنه منذ اندلاع النزاع المفتعل، لعبت فرنسا إلى جانب المغرب، عبر محطات عديدة، أدوارا طلائعية، وساهمت، بشكل كبير، في كل المسار الدبلوماسي الذي حققه.
فمنذ بداية النزاع، وحتى في أيام المواجهات العسكرية، كان الدعم الفرنسي للمملكة كبيرا. كما أن فرنسا هي من دعمت المغرب من خلال وقوفها، سنة 2013، أمام أمريكا في مجلس الأمن، في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، حينما وضعت توصية في مجلس الأمن باسمها تدعو إلى توسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، مهددة بحق "الفيتو"، كما أنها كانت من أكبر الداعمين لمبادرة الحكم الذاتي، منذ سنة 2007، وهو الموقف الذي لم يتزحزح البتة.
صحيح أن بعض المحطات شهدت توترا، لكن هذا لا يؤثر. إنه دليل قوي على هاته "العلاقة الغرامية الحقيقية"، كما قالت الوزيرة الفرنسية، على اعتبار أن ما هو مصيري يشكل لفرنسا خطا أحمرا، فضلا عن أن الرسالة التي بعث بها ماكرون إلى عاهل البلاد، في يوليوز الماضي، أكدت، وبشكل واضح، أن الأمن القومي لفرنسا مرتبط بأمن واستقرار المملكة.