انطلقت، اليوم الجمعة، بجهة الدار البيضاء – سطات، أشغال المنتدى الوطني الأول للمجتمع المدني، حول موضوع "التشغيل الجمعوي".
وتروم هذه التظاهرة، التي تنظمها الوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، يومي 05 و06 ماي الجاري، تشجيع التشغيل الجمعوي باعتباره أحد الدعامات الأساسية لتطوير العمل الجمعوي بالمغرب.
ويعرف هذا المنتدى تنظيم فضاءين، خصص أحدهما للحوار والتشاور وتوسيع دائرة النقاش، حول المواضيع والمجالات الأساسية الكفيلة بتطوير التشغيل الجمعوي بالمغرب. فيما يشكل الفضاء الثاني، الذي يعتبر سابقة في التظاهرات الخاصة بجمعيات المجتمع المدني، فضاء للقاء والتواصل المباشرين، وتقليص الفجوة المعلوماتية بين جمعيات المجتمع المدني وجميع الفاعلين المؤسساتيين وطنيا ودوليا الداعمين لبرامج الجمعيات.
قصور الشراكة بين الدولة والجمعيات
وقال مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، في كلمة ألقاها بهذه المناسبة، إن "نتائج الدراسة المنجزة من قبل الوزارة أبانت بأن تطور العمل الجمعوي بالمغرب أبرز الحاجة الماسة إلى التشغيل الجمعوي".
وأوضح بايتاس أن "جمعيات المجتمع المدني لم تعد تكتفي، من أجل تحقيق أهدافها، بالمجهودات التطوعية الصرفة، بل أصبحت في حاجة ملحة إلى تشغيل فئات متنوعة من الكفاءات بمهارات وقدرات خاصة تتلاءم مع احتياجاتها، سواء على مستوى هيكلتها وتنظيمها الداخليين، من جهة، أو على مستوى تنزيل برامجها ومشاريعها، من جهة أخرى، ارتباطا بأهدافها والشرائح الواسعة من الفئات المستهدفة بخدماتها، التي تتطلب طاقات عاملة ذات تخصصات معينة".
وتابع المسؤول الحكومي أن "مجال التشغيل الجمعوي بالمغرب لم يعرف، إلى حدود الساعة، اهتماما خاصا، كما أن إدراج الجمعيات، بسمتها التطوعية غير القائمة على الربحية، ضمن مدونة الشغل المؤطرة للمجالين الاقتصادي والتجاري القائمين، أساسا وفلسفة وأهدافا، على الربح، وضعها أمام تحديات وإكراهات عديدة، بالنظر إلى محدودية مواردها، واعتماد معظمها على التمويل والدعم العمومي، بالإضافة إلى الصعوبات التي تطرحها التزامات التصريح بعمالتها لدى مختلف المؤسسات، والوفاء بمبلغ الاشتراكات، علاوة على الأجور، وكذا مظاهر القصور التي تعتلي منظومة الشراكة ما بين الدولة والجمعيات"، مؤكدا أنها "كلها عوامل، وغيرها، لا تساعد في خلق بيئة داعمة للتشغيل الجمعوي، وتؤثر سلبا على وجوده وديمومته في الحياة الجمعوية".
واستدل بايتاس بـ"الإحصائيات التي تضمنها البحث الوطني للمندوبية السامية للتخطيط، حول المؤسسات غير الهادفة إلى الربح، سنة 2007، والتي أفادت بأن القطاع الجمعوي بالمغرب يشغل حوالي 100 ألف أجير؛ أي ما يقارب 1 في المائة من الفئة العمرية النشيطة، وفي ظروف ووضعيات غير قارة، كما أن أقل من ألفين جمعية فقط منخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأقل من 20 ألف أجير مسجل بهذا الأخير".
وسجل الوزير أن "81 من الجمعيات المصرحة تشغل ما يقل عن 10 أجراء، وهي الوضعية التي تنعكس على حجم مساهمات الجمعيات بالمغرب في الناتج الخام الوطني، والتي تقل عن 1 في المائة، وهذا مقارنة بدول أخرى يطلع فيها المجال الجمعوي بأرقام دالة في مجال التشغيل، وتصدر بشأنه تقارير سنوية ترصد التطورات، التي تشهدها الدينامية الجمعوية".
وضرب بايتاس المثال بفرنسا، "حيث تستأثر الجمعيات بمنصب شغل من أصل 10 محدثة من القطاع الخاص، ويصل عدد الجمعيات المشغلة إلى حوالي 146 ألف جمعية، تشغل مليون و800 ألف أجير؛ وهو ما يشكل حوالي 10 في المائة من وظائف القطاع الخاص. كما تتوزع مناصب الشغل بين المناصب القارة والمناصب المؤقتة، وإن كانت نسبة الأولى أعلى بشكل ملحوظ من الثانية، بالإضافة إلى أنه يتم إحصاء عدد عقود التشغيل المبرمة سنويا، في القطاع الجمعوي؛ حيث وصلت خلال إحصائيات سنة 2022 إلى حوالي 17 ألف عقد شغل، مسجلة منحى تصاعديا، مقارنة بإحصائيات السنوات السالفة"، مشيرا إلى أن "هذه الدينامية الجمعوية تحدث واقعا ملموسا تعكسه نسبة مساهمات القطاع الجمعوي في الناتج الخام الوطني، الذي وصل، سنة 2022، إلى نسبة 6.2 في المائة".
إستراتيجية جديدة
وأفاد بايتاس بأن الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني أعدت إستراتيجيتها الجديدة، للفترة 2022-2026، تروم من خلالها النهوض بجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وجعلها شريكا أساسيا لازما في المسار التنموي الشامل والمستدام ببلادنا، أطلق عليها اسم "نسيج"، مشيرا إلى أنه تم عرضها والمصادقة عليها، في المجلس الحكومي المنعقد، بتاريخ 14 أبريل المنصرم.
وتابع المسؤول الحكومي أن "الإستراتيجية وضعت نصب أعينها ربح 4 رهانات أساسية تتعلق تباعا، بتنمية موارد جمعيات المجتمع المدني، عبر الولوج إلى التمويل العمومي وتدبيره وتتبعه، وضمان مشاركتها في السياسات العمومية، ورفع قدراتها التنظيمية والهيكلية، وتطوير البيئة التي تنشأ وتتطور فيها".
وأوضح أنه "سيتم العمل على تنزيلها، وفق 5 اختيارات إستراتيجية. أولا؛ إعداد وتنسيق السياسة العمومية في مجال النهوض بجمعيات المجتمع المدني. ثانيا؛ التطوير التنظيمي والهيكلي لهذه الجمعيات، لجعلها شريكا أساسيا في التنمية. ثالثا؛ تعزيز الشراكة بينها وبين الدولة، من خلال ترشيد التمويل العمومي وتنويع الدعم الموجه لها. رابعا؛ تسريع استكمال وتأهيل البيئة القانونية والضريبية المتعلقة بجمعيات المجتمع المدني. خامسا؛ تشجيع الرقمنة كرافعة أساسية لتعزيز قدرات هذه الجمعيات وتمكينها من استعمالها الأمثل والاستفادة منها وتطوير أدائها ومساهماتها".
وأضاف بايتاس أن "الاختيارات الإستراتيجية الخمسة سالفة الذكر شكلت أرضية صياغة المحورين الأساسيين لهذه الأخيرة؛ حيث يهدف المحور الأول إلى الإسهام في دعم مجتمع مدني مستقل ومهيكل ومنظم وقوي. وتحقيقا لهذه الغاية، سطر هذا المحور ثلاثة برامج أساسية؛ هي تعزيز هيكلة وتنظيم تقوية قدرات جمعيات المجتمع المدني، وتعزيز وسائلها، وتشجيع تحولها الرقمي".
أما المحور الثاني، حسب الوزير، "فيسعى إلى تعزيز مشاركة جمعيات المجتمع المدني في التنمية، بشكل فعال ومؤثر، وتحقيقا لهذا الهدف، انتظمت أربعة برامج أساسية؛ هي تثمين عمل هذه الجمعيات، وتشجيع التشغيل الجمعوي، وتشجيع المشاركة المكثفة للجمعيات في إعداد وتتبع وتقييم السياسيات العمومية، أو ما يمكن أن نطلق عليه "التشاور العمومي"، وتعزيز ولوج جمعيات المجتمع المدني للتمويل العمومي".
وأشار بايتاس إلى أنه "فضلا عن المحورين الأساسيين سالفي الذكر، ضمت الإستراتيجية محورا أفقيا داعما استهدف البيئة القانونية والضريبية للجمعيات، وتنسيق العمل الحكومي في مجال النهوض بالمجتمع المدني والنهوض بالمشاركة المواطنة، عبر تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية، المكملة للديمقراطية التمثيلية، وضمان إنتاج وتعزيز وتثمين المعطيات المتعلقة بالنسيج الجمعوي الوطني"، مضيفا أن "هذه المحاور الثلاث جمعت برامج ومشاريع يطبعها التكامل والانسجام الضروريين لتحقيق النجاعة والفعالية والأثر، وصولا إلى النهوض بجمعيات المجتمع المدني، لتطلع بأدوارها الأساسية كاملة".
وفي هذا الإطار، قال المسؤول الحكومي إن "الوزارة شرعت فعلا في تنزيل برامج ومشاريع محاور إستراتيجيتها؛ حيث أن تنظيم المنتدى الأول بجهة الدار البيضاء - سطات، حول موضوع التشغيل الجمعوي، يندرج ضمن تدابير المحور الثاني للإستراتيجية، ولاسيما برنامجه الثاني المتعلق بتشجيع التشغيل الجمعوي، الذي ضم مشروعين خاصين بهذا المجال؛ أولهما يهدف إلى استدامة التشغيل الجمعوي، وثانيهما مشروع يرمي إلى تشجيع خلق فرص الشغل بالجمعيات".
نقص في المعطيات وغياب للإحصائيات
وسجل بايتاس أن "التشخيص الذي أنجزته الوزارة، أثناء إعداد الإستراتيجية الجديدة للمجتمع المدني "نسيج"، أبان عن نقص كبير في المعطيات المتعلقة بالدينامية الجمعوية في المغرب، وغياب الأرقام والإحصائيات والمؤشرات الدالة على الفعل الجمعوي؛ ما يطرح صعوبات وإكراهات جمة في تتبع منحى تطور الدينامية الجمعوية، في جميع تجلياتها".
وأفاد بأن "هذا الواقع حدا بالوزارة إلى تضمين الإستراتيجية، وخاصة في محورها الأفقي الداعم، برنامجا خاصا، وتحديدا برنامجها الرابع، يتعلق بضمان إنتاج وتعزيز وتثمين المعطيات المتعلقة بالمجتمع المدني، التي تضمن مشروع إحداث نظام لليقظة والإحصاء، بخصوص أنشطة المجتمع المدني".
لا مواجهة للغلاء بدون "حركة حماية المستهلك"
من جهته، شدد رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، في كلمته، على أنه على قناعة بأنه "لا يمكن لأي مشروع النجاح، إن كان هدفه ربحيا فقط".
وقال مزور: "ملي كيجي عندنا شي واحد، كيقول بغيت غير نربح الفلوس، كنعرفوا بلي داك المشروع، فحال كيف كيقول المثل: من الخيمة خارج مايل".
وتابع الوزير: "القناعة الثانية التي لدينا في الوزارة؛ هي عدم إمكانية اشتغالنا بدون المجتمع المدني. نعرف أن بلادنا، في الأشهر الأخيرة، عرفت موجة غلاء. وبدون "حركة حماية المستهلك"، لم يكن ممكنا لنا مواكبة المستهلك، والمصنع، والموزع، لنخفف العبء عن المواطنين".
وأشار مزور إلى أن "هذه الحركة هي ما مكّن من تطوير القوانين، وإجراء دراسات ميدانية، وأيضا تطوير الأداء من أجل حماية المستهلك. كما لم يمكن ممكنا أيضا بدونها، الاشتغال على الإستراتيجية الصناعية، دون جمعيات المهنيين. وكمثال على ذلك، الإستراتيجية الخاصة بتقوية دور المرأة في الصناعة والاقتصاد".
وأضاف الوزير: "نشتغل اليوم لمواكبة فرص التشغيل، التي يتيحها الفضاء الجمعوي"، مسجلا أن "المغرب يتوفر على تشغيل جمعوي قوي، ومنتجين منظمين كجمعيات ينافسون منتجين عالميين؛ مثل جمعية "كوباك"، التي تشغل 10 آلاف كفاءة، ولديها 26 ألف منخرط، وتصدر إلى 73 بلدا منتوجات ذات جودة عالمية".
وسجل مزور أن "الجمعيات المالية التي تشتغل في مجال التأمين، وأبناك كبرى، كانت عبارة عن جمعيات أو جمعيات جهوية؛ كالبنك الشعبي".
واعتبر الوزير أن "الاقتصاد الجمعوي ثقافة مرسخة في بلادنا، ويشغل عددا مهما من الناس، لكننا فقدنا هذه القوة؛ لأننا ساندنا الاقتصاد الربحي، طيلة 30 أو 40 عاما، وأهملنا هذا الاقتصاد المبني على قناعات تضامنية، وعلى تظافر للجهود، ومساعدة للآخر".
وأكد رياض مزور، في نفس الكلمة: "وقناعتي أنا شخصيا هو أن المغرب قادر على الحصول على نتائج جيدة، في الاقتصاد الاجتماعي وفي الإنتاج، خصوصا مع توفر الكفاءات، التي تحتاج إلى الدعم والثقة والمواكبة".
إبرام ثلاث اتفاقيات
وأبرمت الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى، ثلاث اتفاقيات إطار مع وزارة الصناعة والتجارة والمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، وصندوق الإيداع والتدبير، والمكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل، بهدف النهوض بقطاع التشغيل الجمعوي.
وسيتم بموجب الاتفاقية الأولى الموقعة بين الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان ووزارة الصناعة والتجارة والمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، وضع إطار شامل للشراكة والتعاون بين الأطراف الموقعة، بهدف تشجيع وتسهيل استفادة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية من خدمات الملكية الصناعية والتجارية لحماية رأسمالها اللامادي وتثمينه.
فيما تروم الاتفاقية الثانية بين الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان وصندوق الإيداع والتدبير وضع إطار شراكة للنهوض بقطاع الجمعيات، وتطوير قابلية التشغيل الجمعوي، وتأهيل جمعيات المجتمع المدني، ومواكبة التحول الرقمي للقطاع، وجعله رافعة حقيقية ومساهما فعالا في إنتاج الثروة وإحداث فرص الشغل.
أما الاتفاقية الثالثة الموقعة مع المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل، فتهم تطوير عرض التكوين المهني الأساسي والمستمر في المجالات المتعلقة بمهن الحياة الجمعوية، وتشجيع إحداث مناصب الشغل وتطوير القطاع الجمعوي.