افتتحت اليوم الثلاثاء، بالرباط، ندوة دولية حول موضوع "التربية الفنية والثقافية والرقميات: رهانات وتحولات"، الذي ينظمه فريق البحث في "التربية والفن والثقافة"، وماستر "التربية الجمالية"، التابعين لكلية علوم التربية بالرباط.
الرقميات
وبهذه المناسبة، ثمّن وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، تنظيم مبادرات من هذا القبيل "لما تكتسيه من أهمية بالغة، حيث تسلط الضوء على الدور المحوري للتربية الفنية والثقافية في إعداد كفاءات الغد، إضافة إلى الإمكانيات التي تتيحها الرقميات في هذا الصدد".
وأكد الوزير في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية أن قضايا الثقافة والفن تحظى بعناية خاصة من طرف الملك محمد السادس، "باعتبارها دعامة أساسية لتكريس الهوية الوطنية وترسيخ قيم المواطنة والانفتاح"، مبرزا أن النهوض بالأنشطة الثقافية والفنية يشكل أحد المرتكزات الأساسية للنموذج البيداغوجي الجديد الذي شرعت الوزارة في تنزيله ابتداء من السنة الجامعية الحالية.
وأضاف أن هذا التوجه يكرس المكانة المركزية للتكوينات في مجالي الثقافة والفن باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لصقل مواهب الطلبة وتعزيز شخصيتهم وقدراتهم على الاندماج داخل المجتمع، من خلال زرع قيم التسامح والانفتاح على الآخر وترسيخ أسس المواطنة الفاعلة، مضيفا أن الارتكاز على الرقميات يشكل "رافعة لامحيد عنها لتحقيق هذا المبتغى بالنظر إلى الآليات التي توفرها من أجل ملاءمة أنماط التدريس واعتماد مقاربات بيداغوجية مبتكرة، تسهل بشكل أمثل التعلمات ذات الصلة بالثقافة والفن".
النموذج البيداغوجي الجديد
وإيمانا منها بضرورة العمل على تعزيز قدرات الطلبة في مجال الإبداع والريادة باعتبارهما جزء لا يتجزأ من عملية التمكين، تابع أن الوزارة أدرجت ضمن النموذج البيداغوجي الجديد وحدات تكوينية إلزامية تعنى بتطوير الكفاءات الذاتية والمهارات الأفقية لدى الطلبة، مستشهدا بوحدة تكوينية خلال الفصل الثاني من التكوين الأساسي تتعلق بالفن والثقافة، تزاوج بين نمطي التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وتنكب على التعريف بالموروث الثقافي والفني والغنائي الأصيل، ورصد خصوصياته المتجذرة عبر التاريخ، بغية تعزيز تشبت الطلبة بمقومات الهوية المغربية المتفردة والغنية بتعدد روافدها الثقافية، مع تحفيز الأندية الجامعية وتنويع أنشطتها.
وخلص إلى أن الوزارة تعكف أيضا على إعداد اتفاقيات شراكة مع عدة مؤسسات وطنية، من بينها الاتفاقية التي سيتم إبرامها مع المؤسسة الوطنية للمتاحف، خلال شهر دجنبر المقبل.
الجامعة المغربية دخلت مرحلة جديدة
بدوره، نوه رئيس جامعة محمد الخامس بالنيابة، فريد الباشا، بدعم القطاع الوصي لمختلف الأنشطة التي تنظمها هذه الجامعة والرامية إلى تفعيل الإصلاح الجامعي، مشيدا بحسن اختيار المواضيع التي تنسجم مع ما تسعى الجامعة المغربية إلى تحقيقه، على غرار موضوع هذه الندوة الدولية تحت شعار "التربية الفنية والثقافية والرقميات : رهانات وتحولات".
وأبرز في كلمة مماثلة أن الجامعة المغربية التي دخلت مرحلة جديدة يحتل فيها الفن والثقافة مكانة مرموقة، تعمل على حسن تيسير إدماج الطلبة في محيطهم المجتمعي والمهني، مشيرا إلى أن الجامعة كـ"فضاء يضج بالحياة"، تعمل على إبراز الطاقات الرائدة التي تختزنها، وتنكب على تحقيق تفوق الطالب في مجالات أخرى غير التحصيل، من خلال حسن استغلال الرقمنة التي تعتبر رافعة لتحقيق التميز.
التجديد والابتكار
عبد اللطيف كداي، عميد كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس - الرباط، في الورقة التقديمية للندوة، أن التربية الفنية والثقافية تُعد من بين الحقول المعرفية الأساسية بكل علوم التربية وجامعة محمد الخامس، الشيء الذي يجعلها قابلة للتجديد والابتكار في ظل النماذج البيداغوجية الجديدة القائمة على الرقميات التي تم تكريسها في إطار مختلف الجهود الحثيثة الرامية إلى التصدي للجائحة العالمية 19 - Covid عبر التعليم عن بعد، معبرة بذلك عن مركزية الجامعة المغربية في مواكبة جميع التحديات والأزمات التي تواجه المجتمع وفق مقاربات مختلفة".
وأضاف أنه "بما الجامعة هي أحد أعمدة تنمية المجتمعات، لأنها تحمل مشروع تكوين الشباب وإنتاج المعرفة الأكاديمية، فإنها مطالبة بالإجابة عن الأسئلة التي تطرحها الرهانات المجتمعية والتحديات في سياق عولمة التربية والتكوين والبحث خاصة ما يطبع السياق الحالي من نزعات للغلو والتطرف وإنكار الآخر عموما، وكذا الحاجة إلى تنمية الجوانب الإبداعية والفنية والثقافية للأجيال الحالية".
معهد عال للتربية الفنية والثقافية
في هذا الصدد، دعا الدكتور حسن يوسفي، رئيس شعبة الديداكتيك بكلية علوم التربية، والمنسق العام للندوة، إلى جعل من الندوة "فرصة للتعبير عن تطلعنا كباحثين ومهتمين إلى إنشاء معهد عال للتربية الفنية والثقافية في جامعتنا، يكون من مهامه تكوين أجيال من الخريجات والخريجين ببروفايلات متنوعة في هذا المجال، لا سيما وأن استحضار بعض التجارب الفتية في المجال، ومنها تجربة المعهد الوطني للتربية الفنية والثقافية، بمدينة كانكانب بفرنسا".
وأكد المتحدث ذاته، أن "الاهتمام بالتكوين المتخصص في هذا المجال من شأنه أن يغني فضاءات الشباب والثقافة والتربية والتعليم وغيرها بكفاءات لمنشطين ووسطاء ومؤطري ومواكبين للجمهور الناشئ للفن وغيرها من المهن الأخرى التي من شأنها أن تفتح أمام طلبتنا أفاق جديدة للشغل والاندماج في حركية المجتمع".
وتابع: "عليه نتمنى صادقين أن تجد هذه الصيحة آذانا صاغية في جامعاتنا ولدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، لا سيما وأن الفكرة تتفاعل مع النفس الجديد للمخطط الوطني لتسريع منظومة التعليم العالي الذي يعد بمؤسسات ومعاهد عليا من الجيل الجديد".
وتتواصل أشغال الندوة بمناقشة مواضيع تتعلق أساسا بـ"التربية الفنية والثقافية والرقميات في المدرسة المغربية"، و"استعجالية التربية الجمالية بالمغرب، نحو تشجيع الإبداع والابتكار"، و"التربية الفنية والثقافية..منظورات سوسيو-تربوية".
كما تبحث تيمات تتعلق بـ"التربية الفنية والثقافية بين الرهان السوسيو-تربوي والتحدي الرقمي"، و"التعليم الفني الجامعي في العصر الرقمي..انزياح عن التقاليد الأكاديمية وثورة الاستراتيجيات التكنولوجية"، و"التربية الفنية والثقافية والبراديغم الرقمي".