يستعدُ المشهد الفكري لاستقبال إصدار جديد يحمل عنوان "تجارب الحكم الذاتي بين انتصار الوحدوية وانتكاسة الانفصال - الجزء الأول"، للكاتب والإعلامي محمد زيتوني، الصادر عن مطبعة Centre Copie Info Brahim - Rabat، من تنسيق أحمد مدياني، مدير نشر "تيلكيل عربي"، وصمم الغلاف الفنان عبد القادر الخياطي.
يفتتح الكتاب بالنص التاريخي لعبد الله أوجلان، المعروف بلقب "آبو"، أحد أبرز القادة السياسيين الأكراد ومؤسس حزب العمال الكردستاني عام 1978. في هذا النص، دعا إلى التخلي عن السلاح.
في تقديم الكتاب، يشير إدريس زيني إلى أن "المؤلف يتضمن مجموعة من المقالات التي تسلط الضوء على مفهوم الحكم الذاتي، بدءا من تعريف مبادئه الأساسية، مرورا بتطبيقاته العملية، ووصولا إلى تجارب مختلف الدول التي اعتمدته كآلية فعالة لفض النزاعات الإقليمية في أوطانها، وتعزيز الهوية الثقافية، وتحقيق التنمية والسلم، وتعايش مختلف الهويات الثقافية في وطن واحد قوي ومتماسك، وهو كتاب للكاتب والإعلامي محمد زيتوني، أحد أبرز كتاب مجلة "كل العرب".
وأضاف أن "أغلب الباحثين السياسيين والدبلوماسيين الذين تأملوا فلسفات ومنطق الحركات الانفصالية في العالم يتفقون على أن هذه الحركات لم تظهر داخل الخطابات السياسية كإطار نظري إلا في سبعينيات القرن الماضي، مع نهاية الاستعمار وتحقيق استقلال أغلب دول الجنوب والشرق الأوسط وفق مبدأ تقرير المصير، كمبدأ أساسي في القانون الدولي يمنح الشعوب الحق في تحديد مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون تدخل خارجي. وقد جاء هذا المبدأ ضمن المبادئ الأربعة عشر لوودرو ويلسون عام 1918، وميثاق الأمم المتحدة سنة 1945، وأكده إعلان حقوق الشعوب المستعمرة عام 1960، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 كإطار لحل النزاعات الدولية".
وأوضح أنه "ما جرى كان يسير أحيانا في غير منطق الوطن واحتياجاته الوطنية والنضالية والاجتماعية والإنسانية والقانونية والحقوقية، لضمان حق هذه الشعوب في دولة مستقلة استقلالا حقيقيا يضمن العيش الكريم لمواطنيها. بل اتخذت منه الدول المستعمرة آلية لضمان مصالحها بتهديد الدول بتفتيتها وتجزيئها وتحريض الأقليات والتغرير بها للمطالبة بالاستقلال. بل أصبح التعامل مع هذا المبدأ تحكمه خلفيات مصلحية تجعل مجموعة من الدول تحت رحمة القوى الاستعمارية، التي تمسك بقبضة من حديد أعناق زعماء الدول الخارجة للتو من الاستعمار، لتفرض عليهم ما تشاء من توصيات وسياسات واقتصاد تبعي يرهن بلدانهم ويجعلهم في وضعية نشاز، أو في منزلة بين المنزلتين، فما هم مستقلون استقلالا حقيقيا، وما هم مستعمرون استعمارا مباشرا".
وحسب إدريس زيني، "لم يخف على الكاتب هكذا تصورات في إطار العلاقات الدولية، الشيء الذي جعله يكتب مجموعة مقالات تحليلية تصب في هذا الاتجاه لفهم ما يجري، خاصة العلاقات المغربية الجزائرية التي أضحت قيدا يحد من تطور وتقدم بلدان المغرب العربي وازدهارها، رغم توفرها على كافة وسائل التقدم على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والفلاحية والصناعية والعلمية والثقافية...، وهو شأن باقي الدول التي تعاني من الإشكاليات نفسها".
يرى الكاتب أن "حل النزاعات ودعوات الانفصال لا يمكن أن يتحقق إلا بأساليب سلمية وقانونية تتجلى في مبدأ الحكم الذاتي، معتمدا في ذلك على منهجية دراسة مقارنة بين مجموعة من التجارب التي فوتت على بلدانها حروبا داخلية، ومكنتها من التفكير والتخطيط لمستقبل شعوبها. وقد عرف الكاتب مفهوم الحكم الذاتي باعتباره "أرقى وأنجح خيارات وحلول النزاعات الإقليمية التي وصلت إليها أنظمة الحكم ضمن القوانين والدساتير الدولية، للحد من الحروب والصراعات والتطاحنات العنيفة والهدامة من أجل السلم وتهدئة الأوضاع".
وفي هذا السياق، ساق الكاتب مجموعة من الأمثلة على الحكم الذاتي كآلية قانونية وسياسية مفيدة في تعزيز الاستقرار السياسي، والحفاظ على الهوية الثقافية، وتحقيق التنمية المحلية، في إطار الدولة المركزية الأم أو الوطن.
وذكر صاحب المقدمة أن "خيار مبدأ الحكم الذاتي خيار سياسي ناجع في حل جميع النزاعات الإقليمية، وهنا يتطرق الكاتب محمد زيتوني إلى ضرورة التقارب المغربي الجزائري بفض جميع النزاعات وحل قضية الصحراء المغربية على قاعدة المقترح المغربي الداعي إلى اعتماد الحكم الذاتي كحل تحت السيادة المغربية، وقد لقي هذا المقترح دعما دوليا كبيرا".