في يوم عاصف في شهر شتنبر في هامبورغ حيث حركة السير كثيفة في شارع عريض غير بعيد من محطة القطار الرئيسية. ومن السهل عدم الانتباه إلى رقم 103 حيث يقع متجر غير ظاهر للعيان. هناك كان يوجد أيضا مسجد القدس الذي كان يصلي فيه أعضاء خلية هامبورغ الإرهابية، أي منفذو اعتداءات الـ 11 من شتنبر2001. وبالقرب من مكان هذا المسجد مازالت اليوم متاجر تعرض ألبسة شرقية مثل النقاب والقفطان وتذاكر السفر إلى مكة المكرمة. لكن لم تعد تُقام الصلاة في رقم 103، بل يتم الطبخ، لأن مطعما فييتناميا فتح أبوابه هناك. وفي 2010 تم إغلاق مسجد القدس نهائيا.
وحتى المغربي منير المتصدق كان يصلي في مسجد القدس. وفي نهاية 2001 تم اعتقاله وحُكم عليه 15 عاما بالسجن كمساعد لمنفذي اعتداءات الـ 11 من شتنبر2001. ويقول عارفون بأن سلوكه جيد وهو رجل مهذب ولطيف وشخص هادئ. وداخل السجن أنهى المتصدق دراسته في شعبة تقنية الإلكترونيات التي جاء من أجلها منتصف التسعينات إلى هامبورغ.
خلية هامبورغ الإرهابية
هناك تعرف المتصدق على المصري محمد الأمير المعروف تحت اسم محمد عطا، أحد مدبري اعتداءات الـ 11 من شتنبر. وكانت تربط المتصدق علاقة صداقة مع عطا ووقع على وصيته. وفي جامعة هامبورغ كان يدرس أيضا مروان الشيحي الذي التطم بالطائرة بالبرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. وهذه المجموعة كانت تضم أيضا قائد الطائرة زياد جرة ورمزي بن الشيبة المسجون في معتقل غوانتانامو.
ومر هؤلاء الشباب من مرحلة التشبع بالأفكار الراديكالية، في معسكرات القاعدة في أفغانستان حيث تدربوا على استخدام السلاح. والمتصدق سافر في ماي عام 2000 إلى أفغانستان.
وكانت قيادة القاعدة قد انتقت بعض هؤلاء الطلبة في هامبورغ لتنفيذ اعتداءات بطائرات ركاب، ولم يكن المتصدق بينهم، بل عمل فقط في الخلف، وهذا ما تؤاخذه عليه العدالة الألمانية. فبعد اعتقاله في هامبورغ في نونبر 2001 تم اتهامه بالانتماء إلى منظمة إرهابية والمساعدة على القتل في أكثر من 3000 حالة.
ويؤكد القضاة أن المتصدق كان على علم بالتخطيط "لاعتداءات كبيرة بطائرات"، كما يذكر حكم محكمة الاستئناف في هامبورغ.
لكنه لم يكن على دراية بالأهداف الدقيقة التي كانت تعرفها فقط دائرة ضيقة من الأشخاص. كما أنه تكتم عن مكان إقامة منفذي الاعتداءات في الوقت الذي كانوا يقضون فيه مدة التدريب على قيادة الطائرات في الولايات المتحدة الأمريكية، وقام بالاعتناء بالبريد والتحويلات المالية للمعتدين، وبالتالي يكون قد قدم المساعدة للاعتداءات حتى من "موقع أسفل الهرم".
المتصدق: "أنا بريء"
المتصدق نفسه لم ينفي أبدا أنه لم يكن على علاقة صداقة مع منفذي الاعتداءات واعتنى بشؤونهم الإدارية، لكنه لم يكن يعرف شيئا عن مخططات الاعتداءات. ولم يرد المتصدق على طلب من دي دبليو لإجراء مقابلة، لكنه تحدث إلى صحفي ايرلندي في 2009 داخل السجن. "تحميل شخص بريء مسؤولية قضية لا يساعد أحدا، لا الذين توفوا وعائلاتهم ولا الحقيقة"، قال المتصدق في المقابلة التي لم تُنشر حتى الآن.
15 عاما سجنا
وبعد محاكمة استمرت طويلا صدر في يناير2007 الحكم النهائي وغير القابل للطعن بالسجن 15 عاما بسبب العضوية في مجموعة إرهابية والمساعدة على القتل في 246 حالة. وهذا هو عدد الركاب وأعضاء الطاقم الذين كانوا في الطائرات الأربع التي اختطفها الإرهابيون في 11 شتنبر 2001. كما أقر القضاة أنه يجب ترحيل المتصدق بعد انقضاء مدة اعتقاله إلى بلده المغرب.
عدم التواصل مع المشهد السلفي
في السجن كان المتصدق الذي ينحدر من أسرة تضم خمسة إخوة في مدينة مراكش المغربية يصلي ويلتزم بدينه، وأقر في المقابلة المذكورة آنفا أنه "بدون إيمانه لأقدم شخص مثله على الانتحار". ويبدو أنه كان ينعم باحترام السجناء الآخرين معه. ولم تكن له اتصالات مع المشهد السلفي، كما تذكر دوائر أمنية. وهذا لم يغير شيئا في أن أشخاصا بارزين في المشهد السلفي في ألمانيا نادوا إلى تقديم المساعدة "للأخ منير" وهم يحتفظون بصورة إيجابية عنه. ويتذكر أحد السلفيين المعروفين في بون بأن المتصدق رجل لطيف جدا، وقال عنه:" إيمانه قوي بحيث أنه يعتقد أن مشيئة الله هي التي تحصل".
تحت المراقبة
وأن يعيش المتصدق في بلده المغرب حياة شخصية بعيدة عن الأنظار يبقى أمرا بعيد الاحتمال، لأن أجهزة الأمن المغربية تفعل كل شيء وبقسوة لتفادي اعتداءات الجماعات الإرهابية مثل "القاعدة في المغرب العربي" أو تنظيم "داعش". ويؤكد خبراء أن المتصدق بعد سفره إلى المغرب سيخضع للاستجواب وربما للاعتقال أو المحاكمة، كما سيخضع على الأقل للمراقبة، لتقوم أجهزة الأمن المغربية بتبادل المعلومات مع الأجهزة الأمريكية، كما يعتبر بعض المراقبين. وتريد الولايات المتحدة الأمريكية معرفة ما إذا كان المتصدق لايزال يشكل خطرا، علما أن واشنطن لها اتصالات وثيقة مع أجهزة الأمن المغربية.