احتضن رواق المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، أمس الأربعاء 23 أبريل 2025، ندوة مشتركة بين المجلس ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، حول موضوع: "الأخلاقيات القضائية دعامة أساسية لتعزيز الثقة والمصداقية".
وافتتحت الندوة بمداخلة لعبد اللطيف طهار، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس لجنة الأخلاقيات ودعم استقلالية القضاة بالمجلس، أكد من خلالها أن هذا الاهتمام بموضوع الأخلاقيات ما هو إلا انعكاس للأهمية القصوى التي تكتسيها الأخلاقيات القضائية بالنسبة للقاضي، بالنظر للرسالة العظيمة التي يحملها والتي تتمثل في إقامة العدل وإحقاق الحق باعتباره مستأمنا على حقوق المواطنين وحرياتهم بموجب نص الدستور، وهي رسالة ما يكون له أن يحفظها ويؤديها على وجهها الأمثل إلا إذا كان متشبعا بتلكم القيم الأخلاقية السامية المتمثلة في الاستقلال والحياد والتجرد والنزاهة والمساواة بين الخصوم والتحفظ وغيرها.
وأكد طهار في المداخلة ذاتها التي تأتي في إطار الفعاليات التواصلية بالمعرض الدولي للكتاب، الذي ينظم بالرباط تحت الرعاية الملكية، وبإشراف من وزارة الشباب والثقافة والتواصل - قطاع الثقافة، أن الأخلاقيات القضائية تكتسي أهمية حاسمة في تعزيز ثقة المتقاضين في العدالة، مشددا على أهمية مدونة الأخلاقيات لكونها تحدد الإطار الذي يتعرف من خلاله القاضي والمجتمع على الصفات والمزايا الواجب التحلي بها في مزاولة القضاة لمهامهم، وهي مهمة على درجة كبيرة من الحساسية لكونها تحدد النموذج الأمثل الذي ينبغي على القضاة الاحتذاء به.
وفي أعقاب ذلك اعتبر عبد الهادي الزحاف، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، أن المجلس حينما نص في مدونة الأخلاقيات على القيم المشار إليها وضع آليات للتطبيق والمواكبة، تتمثل الآلية الأولى في لجنة الأخلاقيات ودعم استقلال القضاة، وأسندت المدونة لمستشاري الأخلاقيات دور التطبيق والمواكبة، وهو المنصوص عليها في المادة 33 من المدونة، والتي أحدثت مهمة قاض مستشار للأخلاقيات لدى مختلف الدوائر الاستئنافية، يتولاها الرؤساء الأولون والوكلاء العامون كل حسب اختصاصه، ويعهد إليهم بالقيام بتعميم أحكام المدونة على مستوى دوائرهم الاستئنافية، والتعريف بها وحث القضاة على الالتزام بمقتضياتها، ومد يد العون والمساعدة وتقديم النصح للقضاة التابعين لهذه الدوائر في حالة مواجهة أي صعوبة أو إشكالية، أو غموض في كيفيات تطبيق وتفسير التزاماتهم الأخلاقية والسلوكية المنصوص عليها في المدونة.
وأضاف الزحاف أن المدونة ألزمت مستشاري الأخلاقيات بضرورة الحفاظ على سرية طالبي الاستشارة الأخلاقية، وإبلاغ اللجنة التابعة للمجلس بالخروقات الأخلاقية التي تقع في دوائر نفوذهم، فضلا عن تقديم المقترحات والتوصيات المتعلقة باتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة لحسن تطبيق أحكام هذه المدونة وكذا اقتراح برامج التكوين والتحسيس المتعلقة بها على مستوى الدوائر الاستئنافية المذكورة.
من جانبه أبرز لحبيب عنان، رئيس شعبة الشكايات بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، العناية التي يوليها المجلس لتظلمات المواطنين وشكاياتهم، والذي يتجلى في مضمون مخططه الاستراتيجي 2021-2026، الذي جعل موضوع تعزيز ثقة المواطنين والمتقاضين في القضاء ضمن أولوياته، وذلك من أجل إرساء علاقة جديدة بين المواطن والمجلس قوامها الإنصات والاحترام المتبادلان.
وكشف عنان بلوغ عدد الشكايات التي تلقاها المجلس برسم سنة 2024 ما مجموعه 7513 شكاية، وبلغ عدد الشكايات التي تمت معالجتها بمتم السنة 7251 شكاية، بينما توجد 262 شكاية في طور المعالجة، كما بلغ عدد شكايات مغاربة العالم التي توصل بها المجلس خلال سنة 2024 ما مجموعه 642 تمت معالجتها جميعها، وقد توزعت شكايات أفراد الجالية التي تلقاها المجلس خلال سنة 2024 حسب نوع النزاع على عدة مواضيع. ويتضح من خلال المعطيات الإحصائية، أن غالبية هذه الشكايات تتعلق بقضايا أو نزاعات زجرية وبلغ عددها 188 شكاية. بينما تم تسجيل 123 شكاية ذات طابع عقاري في المرتبة الثانية. تليها شكايات تتعلق بنزاعات مدنية بما مجموعه 121 شكاية.
وقال عنان إن ما تحقيقه من منجزات ومكاسب في فترة وجيزة يعكس الجدية والمسؤولية التي تطبع عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومن البديهي أن استراتيجيته التي تقوم على الانفتاح على المجتمع من خلال الإنصات والتفاعل الإيجابي مع المرتفقين وكذا كافة المؤسسات المعنية بالشأن القضائي تستدعي مواصلة السير ومضاعفة المجهودات من أجل استكمال بسط ثقافة خدماتية تقوم على حسن العناية بشكايات وتظلمات المواطنين وإيجاد حلول جدية للمشاكل التي يعانون منها.
ومن جهته، اعتبر حسن الحضري، نائب المفتش العام للشؤون القضائية بالمجلس، أن تخليق المنظومة القضائية يعد الحجر الأساس لتحقيق الأمن القضائي، وتعزيز ثقة المواطنين في عدالة بلدنا، وهو ما جعل المجلس الأعلى للسلطة القضائية يولي أهمية قصوى لمسألة التخليق، باعتبارها مدخلا جوهريا لإصلاح منظومة العدالة، وضمان تحقيق العدالة الناجزة.
وعلى مستوى المفتشية العامة للشؤون القضائية في تعزيز هذه القيم، أكد المتحدث أن دورها يتجلى بوضوح في تنفيذ المخطط الاستراتيجي للمجلس (2021-2026)، حيث تضطلع المفتشية العامة بموجب القانون 21.38 الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2021 بكافة المهام الموكولة إليها، كجهاز مساعد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع التركيز على مبادئ التخليق والشفافية والنزاهة والارتقاء بمستوى المرفق القضائي، تشمل مهامها، يضيف المتحدث، الرقابة والتتبع والتقييم والبحث والتحري إلى جانب تقديم الاقتراحات والتوصيات التي تهدف إلى تحسين النزاهة القضائية.
وفي مداخلة حول الأخلاقيات المهنية وأثرها على جودة أعمال المحاكم المالية، اعتبرت عزيزة مساعف، رئيسة الوحدة المكلفة بأخلاقيات المهنة بالمحاكم المالية بالمجلس الأعلى للحسابات، المواثيق الأخلاقية المهنية ومدونات قواعد السلوك المهني مكملا أساسيا للنصوص القانونية والتنظيمية التي تؤطر مختلف المهن في القطاع الخاص والعمومي، وهي حافز مساعد لتأطير السلوكيات المهنية للمؤسسات والأفراد على حد سواء، وتنظيم بيئة العمل ونشر مبادئ الحكامة الجيدة.
وقالت مساعف إن المغرب اتخذ العديد من التدابير والآليات لتخليق الحياة العامة، ودعم الحكامة الجيدة، عبر الانخراط في الاتفاقيات الدولية حول محاربة الفساد، فضلا عن الإصلاحات التي عرفها القطاع العمومي وتدبير المالية العامة منذ بداية سنة 2000 والتي توجت بوضع قانون تنظيمي جديد سنة 2015، أسس لتدبير مالية عمومية أكثر نجاعة وأكثر شفافية، يرتكز على النتائج بدل الوسائل، فضلا عن إصدار مجموعة من القوانين حول التصريح الإجباري بالممتلكات.
وفي السياق ذاته، أبرز أحمد أوشن، المفتش العام للمحاكم المالية، مسارات تطور ورش الأخلاقيات داخل هذه المحاكم، والذي توج باعتماد استراتيجية لتعزيز الأخلاقيات وقواعد السلوك المهني داخل المحاكم المالية، وإعداد منظومة متكاملة لتدبير الأخلاقيات والسلوك المهني، تهتم بالتدبير المؤسسي للسلوك الفردي، وتسهر على حكامة وتنزيل مكونات هذه المنظومة وفقا لثلاثة مستويات، يهم الأول الوقاية، من خلال المواكبة وإشاعة ثقافة الأخلاقيات المهنية والنصح والتقييم، فيما يتعلق المستوى الثاني بالتفتيش والبحث والتحري، والمستوى الثالث يتعلق بالتأديب.