أظهرت وثيقة قدمها محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، أمام البرلمان، مؤشرات تنبئ يأن الدولة متشبثة بالقناة الثانية "دوزيم"، مرفقا عموميا، وستواصل إنقاذها من الإفلاس المالي الخانق الذي تعيشه، مستبعدة تفويتها للخواص، بما في ذلك الموجودون حاليا في رأسمالها ويترددون في مواصلة ضخ أموال لفائدة نموذج اقتصادي وتحريري يعتبرونه فاشلا. أكثر من ذلك، ستواصل الدولة الاستثمار في الإعلام، بإطلاق قناتين هما "الأسرة والطفل" و"الوثائقية".
في الجمعة 3 نونبر الجاري، كان النواب البرلمانيون أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال، على موعد محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، لكي يقدم أمامهم مشروع الميزانية الفرعية لقطاعي الثقافة والاتصال برسم قانون مالية 2018، وفي التفاصيل، تكشف وثيقة حصل عليها "تيلكيل – عربي"، يقول الوزير "بالنسبة إلى القناة الثانية (شركة صورياد دوزيم)، واعتبارا لوضعيتها المالية الحرجة، ستكون الأسبقية المطلقة لمعالجتها".
وبالنسبة إلى وزير الثقافة والاتصال، "القناة الثانية يجب أن تحافظ على جاذبيتها ووفاء مشاهديها داخل المغرب والخارج"، والبداية ستكون من "تنفيذ مشروع مهم لتقوية البنية التحتية، سيكلف 165 مليون درهم (16 مليار سنتيم و500 مليون)، على مدى عدة سنوات، هدفه تقوية إمكانياتها التقنية في مجال الإرسال والتغطية، وتأهيل مكاتبها الجهوية".
ولم يخف الوزير الوصي على التلفزيون العمومي المغربي، مشكلا من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وشركة الدراسات والإنجازات السمعية البصرية (صورياد دوزيم)، أن تمويل ذلك الاستثمار سيأتي من "المجهود المالي" الذي ستبذله الدولة، ويتمثل أساسا، وفق الوثيقة ذاتها، في ضخ أموال في ميزانية الشركتين، في 2018، وإعداد عقدي برنامج جديدين بينهما والدولة.
وفي هذا الصدد قال الوزير أمام البرلمانيين، "هناك أهداف طموحة وواعدة، تقتضي تعبئة الموارد المالية الملائمة لحسن تفعيلها ومواكبتها، لذلك خصص مشروع قانون مالية 2018 لقطاع الاتصال بوزراة الثقافة والاتصال اعتمادات مالية قيمتها مليار و689 مليون و433 ألف درهما"، ستذهب منها، ضمن شق الاستثمار، 65 مليون درهم (6 مليارات و500 مليون سنتيم) إلى شركة "صورياد دوزيم"، و"ثلاثة ملايير درهم للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة".
وبالنسبة إلى محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، "ارتباطا بمعضلة التمويل، وبهدف المساهمة في الوصول إلى نموذج اقتصادي قابل للحياة، ستتم مراجعة وتجويد الإطار القانوني المؤطر لعملية التمويل بما في ذلك إخراج عقدي برنامج جديدين للقنوات العمومية"، ولأن " الخلل لا يمكن حصره في التمويل، سيتم إيلاء أهمية أكبر لمضمون وشكل الخدمات الإعلامية المقدمة" من قبل القطب التلفزيوني العمومي.
ولتنفيذ ذلك، يقول الأعرج، "سيكون من أولويات الشرطة الوطنية للإذاعة والتلفزة، تنزيل الإستراتيجية الرقمية وتطوير الخدمات بتوسيع التغطية الجغرافية للبت الرقمي (أش دي)"، ثم "العمل على تقوية العرص من خلال إطلاق قناة الأسرة والطفل، والقناة الوثائقية، والتركيز على تجسيد مفهوم إعلام القرب، وتعزيز البرامج التلفزيونية الموجهة إلى الشباب".
وفي سياق آخر من الوثيقة ذاتها المقدمة إلى مجلس النواب، يكشف محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، الفلسفة المؤطرة لنية الدولة في إنقاذ "دوزيم"، ومواصلة تمويل القطب التلفزيوني العمومي، وتممثل في "رؤية للقطاع، تضع أفقا لها منح المغرب إعلاما يتمتع بالمواطبة الضرورية في مواجهة التحديات الهائلة التي يعرفها القطاع، والاستفادة من الدعم اللازم بتحديث بنيته التحتية، بالشكل الذي يمكنه من الاضطلاع بدوره رافعة للتنمية ومحفظا لتعزيز المسار الديمقراطي، وتجليا لغنى التنوع اللغوي والثقافي والفكري الموحد".
المخارق يطلب تدخل العثماني
وتتزامن المعلومات التي أدلى بها وزير الثقافة والاتصال، في وثائق مشروع ميزانية قطاع الاتصال لـ2018، مع توصل سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، برسالة من الميلودي المخارق، الأمين العام للمركزية النقابية "الاتحاد المغربي للشغل"، تشير نسخة منها حصل عليها "تيلكيل – عربي"، أن نقابته مع بقاء الدولة في رأسمال القناة الثانية، والاحتفاظ بها مرفقا يقدم خدمة عمومية.
وتجسد ذلك في قول المخارق، إن أصل أزمة "دوزيم" يعود إلى "2008، كما سجل ذلك تقرير المجلس الأعلى للحسابات، إذ بدأ خفض الدعم العمومي ينعكس بالسلب على التجهيزات التقنية، وعلى وضع الموارد البشرية، وعلى الوضع المالي للشركة، وعلاقاتها مع المتعاملين، في ظل غياب عقد-برنامج يحدد بوضوح الالتزامات المالية للحكومة مقابل ما تسديه القناة من خدمة عمومية كما سطرها، بشكل مكلف جدا، دفتر التحملات الموضوع من قبل الحكومة".
وفيما وصف المخارق، خفض الدعم العمومي، بـ"التقصير"، حث سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، على "التدخل بشكل مستعجل وحازم، فقد أصبحت الشركة في وضعية صعبة منذ 2014، كما سجل ذلك مجلسها الإداري، ورغم تنبيهات نقابة الاتحاد المغربي للشغل بالقطاع من خلال منشوراتها، ورغم التقرير الدقيق والموضوعي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2015، والذي دعا فيه الحكومة للتدخل العاجل من أجل تصحيح الوضع وتجنيب بلادنا الوقوع في الفوضى الإعلامية، إلا أن شيئا لم يقع".
وبينما كشفت مراسلة المخارق، أن الحكومة تأخرت في تسديد الدعم للقناة، إذ "رغم قرار الرفع من رأسمال الشركة المتخذ من قبل المجلس الإداري في دجنبر 2016، طلبت الحكومة تمديد أجل التسديد في ماي الماضي، ثم في يوليوز وأخيرا في شتنبر من هذه السنة"، قال إن "اقتراب نفاذ الأجل الجديد والمحدد في الأسبوع الأول من شهر نونبر الحالي، يستدعي من الحكومة التدخل العاجل لإنقاذ هذه القناة الرائدة، وطمأنة شغيلتها ومعها الرأي العام الوطني والجمهور الواسع للقناة".
وتكشف وثيقة أخرى حصل عليها "تيلكيل – عربي"، أن الأجل الذي تحدث عنه الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، انتهى رسميا أول أمس (السبت 4 نونبر)، إذ قرر المجلس الإداري لشركة "صورياد دوزيم"، برئاسة فيصل العرايشي، نهاية شتنبر الماضي، في دعوة "لمسيرين مدعوون إلى اتخاذ كافة الإجراءات المالية الضرورية التي من شأنها أن تمكن من السير العادي للقناة"، قبل 4 نونبر 2017.
يشار إلى أن المساهمين في رأسمال شركة "صورياد دوزيم"، هم أساسا الدولة بـ72 % من الأسهم، والشركة الوطنية للاستثمار (الهولدينغ الملكي) بنسبة 21 %، وأطراف أخرى تمتلك 7 % من الأسهم، أبرزها مجموعة "فينونص كوم"المملوكة للملياردير عثمان بنجلون، المعروف أكثر بعلامته: البنك المغربي للتجارة الخارجية.