تداولت كثير من المواقع الإلكترونية الأسبوع الماضي خبر تهديد الأزهر لدولة تونس بحذفها من قائمة الدول الإسلامية، بناء على ما طرح في تونس من اقتراحات ترمي لتغيير بعض القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية، من قبيل إلغاء المهر وإسناد لقب الأم للأبناء، والمساواة بين الذكور والإناث في الميراث، وهي اقتراحات اعتبرت في نظر منتقديها خروجا عن الدين ومروقا من الإسلام.
صحيح أن الأزهر قد نفى بعد ذلك صحة ما نسب إليه، لكن ذلك لا يلغي تعرض تونس لهجوم كاسح من قبل كثير من مشايخ المؤسسة، ورميها بالطعن في ثواب الإسلام، وهو تكفير واضح غير خفي، كما لا يلغي كون كثير من هؤلاء يرون في الأزهر المرجعية العليا والأوحد لفهم الإسلام في العالم كله، وهو ما عبر عنه صراحة أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر السابق، ورئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب حين قال: إن الأزهر الشريف هو المرجعية الوحيدة للإفتاء ومراجعة الأمور الدينية في الداخل والخارج.
لا أريد هنا مناقشة هذه الادعاءات ولا ردها، فما تتضمنه كاف للرد بنفسه على هذه المزاعم، بل طبيعة الإسلام التي لا تعترف بأي مرجعية عليا ولا احتكار للفهم تنقض محاولة أي جهة التفرد بصياغة المعرفة الدينية.
لكنني أود الوقوف مع هذه الردود الحادة البالغة حد التكفير من الأزهر ورجاله في حق كل مطالبة بتطوير القوانين، أو الاجتهاد في أحكام فقهية تبعا لتغير السياقات والظروف وأحوال الزمان والمكان، لكنهم بالمقابل كانت ردودهم أقل حدة وتشنجا مع تنظيم إرهابي كداعش، أو غيره من التنظيمات المتطرفة.
أصدر الأزهر بيانا وتكلم شيخ الأهر في أكثر من موطن، وتحدث للإعلام عدد من شيوخه مبررين موقفهم بعدم تكفير داعش، قالوا أن أصول أهل السنة والجماعة لا تسمح لهم بتكفير من يعلن الشهادتين، ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن هؤلاء مهما أجرموا وقتلوا وذبحوا ليسو إلا طائفة باغية ضمن أمة المسلمين.
شخصيا، لا أطالب الأزهر بتكفير داعش ولا غيرها، ولا أرى أن التكفير حق للبشر كان الأزهر وغيره، وأعتقد أن علاقة الناس بخالقهم ليست محل تقييم من أي أحد شخصا أو كان أو مؤسسة.
لكنني أستغرب أن هذا الأزهر نفسه الذي كان رحيما في حكمه على الدواعش، هو نفسه من يشن اليوم حملة شعواء على مجتهدي تونس وفقهائها، وهو نفسه حتى لا ننسى الذي طرد الشيخ علي عبد الرازق من صفوفه، ووصف كتابه (أصول الحكم) بالخروج عن الدين، هو أيضا من حرض على فرج فودة، وحكمت ندوة علماء الأزهر بتكفيره، فتلقف ذلك الإرهابيون الذين أزهقوا دمه وهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتهليل، شيوخ الأزهر من حرضوا على حامد نصر أبو زيد، و دفعوا القضاء للحكم عليه بالردة، والتفريق بينه وبين زوجته، هؤلاء هم من تورعوا وتحاشوا تكفير أعداء الإنسانية من القتلة والمجرمين.