"إض ينّاير" أو رأس السنة الأمازيغية، الذي يوافق 12 من يناير في كل عام ميلادي، ما يزال محتفظا بالكثير من الطقوس والعادات والأعراف، تيمنا بقدوم السنة الفلاحية الجديدة، وتفاؤلا بوافر الغلال على المزارعين وأهاليهم.
"تيلكيل عربي"، نبش في أصول الاحتفاء بـ"إَض ينّاير" وطقوس الاحتفال بالمناسبة ودلالاتها، مع ما يستتبع ذلك من مطلب النشطاء الأمازيغ من دعواتهم كل عام جعل "إض ينّاير" عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنه، مع تحليل موقفهم في أسباب عدم الاعتراف بذلك رغم إقرار الأمازيغية لغة وهوية في دستور 2011.
أصول وطقوس
يقول الحسين أيت باحسين، وهو باحث مغربي في الثقافة الأمازيغية، لموقع "تيلكيل - عربي"، إن في أصول الاحتفال بهذه المناسبة التي يطلق عليها "ينّاير"، روايتان مختلفتان. الأولى تعتبر "ينّاير" رمزا للاحتفال بالأرض والفلاحة عموما، وتفاؤلا بسنة خير وغلّة وفيرة على الفلاحين وعلى الناس عموما.
والثانية فتذهب إلى القول بأن الاحتفال يعتبر ذكرى لليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي "شاشناق" أو "شيشونق" على الفرعون المصري "رمسيس الثاني" في مصر.
وأضاف أيت باحسين أن "الروايات التي تربط هذا الاحتفال بانتصار شيشونق الليبي (الأمازيغي) على رمسيس الثاني (الفرعون المصري) تجانب الحقيقة التاريخية، لكون رمسيس الثاني توفى سنة 1213 قبل الميلاد. بينما شيشونق الأول اعتلى عرش مصر الفرعونية سنة 950 قبل الميلاد، وتوجد مجموعة من المصادر، باللغة الإنجليزية، التي تورد معلومات دقيقة عن هذا الموضوع".
وبينما تتعدد مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، إلا أنها تشترك في تحريم الطبخ ليلة رأس السنة، ليكتفي المحتفلون بتناول وجبة "تاكلا"، وهي مزيج من الدقيق والماء والملح والزبد والعسل، وفي زراعة شجر الزيتون في أول أيام السنة الجديدة التي تصادف هذا العام الذكرى 2968 للانتصار على الفراعنة.
وقال حسن إدبلقاسم، وهو خبير سابق لدى الأمم المتحدة حول حقوق الشعوب الأصلية، إن "هذه الطقوس تُبرز الاحتفاء بخصوبة الأرض وبتمنيات الأمازيغ أن تكون السنة الأمازيغية الجديدة خصبة وكثيرة النعم، فهذا الاحتفال له ارتباط بالأرض وبمنتجات الأرض".
ولفت إلى أن "طقوس احتفالات الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية ما يزال محتفظا بها في المغرب وبقية دول شمال أفريقيا وغربه، وفي موريتانيا ومالي والساحل، حيث يوجد الطوارق، إضافة إلى نيجيريا".
وأضاف إدبلقاسم أن "احتفالات رأس السنة الأمازيغية كانت ممنوعة وجرى قمعها بأشكال مختلفة، لتعود من جديد كواحد من مظاهر النهوض بالثقافة الأمازيغية العريقة".
أما محمد حنداين، مدير مركز الدراسات الأمازيغية والتاريخية والبيئية، فقال لـ"تيلكيل عربي"، إن "الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة يدخل ضمن أساليب النضال الأمازيغي من أجل إقرار الحقوق الأمازيغية، لأن الاحتفال بها هو أحد الرموز الأساسية التي استثمرها المناضلون الأمازيغ لإبراز هويتهم".
وحسب المؤرخ الأمازيغي، محمد حنداين، فإن "التقويم الأمازيغي يعود إلى حدث تاريخي يتمثل في انتصار الأمازيغ، بقيادة الملك شيشنق (ويكنى أيضا شيشونغ)، على فرعون مصر (الحاكم لدى قدماء المصريين) عام 950 قبل الميلاد".
وأضاف حنداين أن "هذا الانتصار التاريخي شكل انطلاق السنة الأمازيغية".
ومظاهر الاحتفال ببداية السنة الأمازيغية كثيرة، فالرجال يضعون عصيا طويلة من القصب في المزارع والحقول حتى تكون غلال السنة الفلاحية الجديدة جيدة وتنمو بسرعة، فيما الأطفال يقطفون الزهور والورود عند مداخل المنازل، ويرتدون ملابس جديدة ويحلق الصغار رؤوسهم.
يشرح حنداين طقوس ليلة "إض يناير" قائلا: "يستمر السهر على رقصات أحواش وأنغام الروايس، وفي اليوم الأول من السنة الأمازيغية تحمل النساء قليلا من "تاكلا" أو "بركوكش" غير مملح إلى مكان خارج القرية، ينصرفن دون أن يتكلمن بعد وضعه في مكان معلوم وتسمى هذه العملية "أصيفض" أي إعطاء الجن نصيبه من الطعام، قبل أن ينضاف إليه الملح".
وفي الصباح الموالي، تقوم النساء وفتيات القبيلة بما يسمى "أزكوزيو أسگاس"، أي تخضير السنة. وقد تجتمع النساء لوحدهن والفتيات لوحدهن ويذهبن إلى الحقول في ضواحي القرية حيث الربيع الأخضر، ويحملن على ظهورهن سلات "أزكيون"، ويجمعن مختلف الأعشاب من "أكلاس" الذي هو ربيع الشعير أو "تيفراضين"، أي عسف النخيل، والمراد بهذه العملية افتتاح السنة الأمازيغية الجديدة بلون أخضر لون الخصوبة والطبيعة والسلام، وفق إفادة حنداين.
ومن بين الوجبات الأكثر شعبية في رأس السنة الأمازيغية الجديدة، "تاكلا" (العصيدة)، وهي مزيج من الدقيق والماء والملح والزبد والعسل، إلى جانب وجبات وأطباق أخرى من قبيل "أوركيمن"، وهي حساء من الخضر، و"إينودا"، وهي مزيج من الفواكه الجافة المكونة من لوز وجوز وزبيب وتين وفول سوداني.
كما يتم في "إض يناير" إعداد الكسكس بلحم الدجاج أو اللحم بسبعة أنواع من الخضر أو أكثر، والمعروف بكثرة لدى أهالي مناطق "دادس" (تينغير) وإيمغران (ورزازات) وتدغت وأيت عطا جنوب شرق المغرب.
وشهور السنة الأمازيغية هي ينير (يناير)، وفورار (فبراير)، ومارس (مارس)، وإيقرير (أبريل)، وماقو (مايو)، ويونيو (يونيو)، ويوليو (يوليوز)، وغوشط (أغسطس)، وشتونبر (سبتمبر)، وتوبر (أكتوبر)، ووانبر (نوفمبر)، وجنبر (ديسمبر).
تقويم غير موحد
تختلف المصادر بين ليلة أو ليالي الاحتفال وبداية السنة الأمازيغية، ولا توجد تواريخ مضبوطة سواء لدى الفقهاء المهتمين بعلم التوقيت أو لدى كبار الفلاحين المسنين المهتمين بمختلف أزمنة السنة الفلاحية أو لدى المسنات من النساء اللائي يهتمن بمختلف أزمنة السنة الفلاحية حفاظا على العادات والتقاليد التي تستلزمها تلك الأزمنة.
وتقدم لنا يوميات من مختلف مناطق شمال إفريقيا بتلك التقويمات. كما تجمع على أن ليلة الاحتفال ب ئنّاير هي 13 يناير الكريكوري، وأن بداية السنة الفلاحية الجديدة / السنة الأمازيغية الجديدة هي يوم 14 يناير الكريكوري، وفق توضيحات الحسين أيت باحسين.
وتمنى الباحث في الثقافة الأمازيغية أيت باحسين "أن يتوحد التقويم بين مختلف بلدان تامازغا من شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء حيث يوجد الأمازيغ إلى جزر الكناري، لأن السنة الأمازيغية سنة شمسية".
كما تمنى أن يكون "الاعتراف الرسمي لبلدان تامازغا، بالسنة الأمازيغية وباللغة والثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية دستوريا ويتم تفعيلها مؤسساتيا، عامل أمن ثقافي وسلما اجتماعيا بين شعوب تامازغا وبينها وبين شعوب المنتظم الدولي، إسوة بمختلف التكتلات الديموقراطية في مختلف قارات العالم".
دلالات سياسية وبيئية
يشرح أحمد عصيد، الباحث في الثقافة الأمازيغية والناشط الحقوقي أن "دلالات الاحتفال برأس السنة الأمازيغية تكتسي هذه السنة أبعادا أخرى أكثر أهمية، حيث تعرف الفترة الحالية نقاشا حادا حول مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية، والتي ينص عليها الدستور منذ 2011".
ويتعلق الأمر، خاصة، حسب عصيد، بـ"القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية"، مضيفا "هذه المشاريع التي لم تقم الحكومة بصياغتها إلا في الأسابيع الأخيرة من الولاية الحكومية، بل ولم تقم بوضعها بالبرلمان إلا في الساعة الأخيرة من هذه الولاية (يوم الخميس 06 أكتوبر 2016، أي قبل الانتخابات بيوم واحد).
وفي هذا السياق، يرى عصيد أن "مطلب الاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة أكثر بروزا وملحاحية، وقد تجلى ذلك على الخصوص في الأشكال التي تم بها التعبير عن ذلك من خلال الخروج إلى الشارع والساحات العمومية في تظاهرات ثقافية عبر ربوع المملكة، سواء في شكل كرنفالات أو في شكل تظاهرات فنية وثقافية في الفضاء العام".
وسار الناشط الحقوقي إلى التأكيد على أن "الاحتفال برأس السنة الأمازيغية قد أصبح يدمج المنتخبين أيضا، حيث تعمل العديد من الجماعات المحلية والبلديات على دعم الاحتفالات وتبنيها وهذا مؤشر إيجابي يدلّ على اقترابنا من الاعتراف برأس السنة الأمازيغية رسميا في بلادنا".
أما عن الأسباب التي تجعل الدولة ما تزال تتحفظ في الاعتراف برأس السنة الأمازيغية رغم ترسيم الأمازيغية دستوريا، فيرى الناشط الحقوقي أحمد عصيد، أن لذلك مبرران اثنان.
الأول يعتبر أن "الأمر بحاجة إلى تفعيل الطابع الرسمي للغة، وهو ما يحتاج إلى إخراج القانون التنظيمي الخاص بالتفعيل إلى حيز الوجود، حيث برّر الكثير من المسؤولين تقاعسهم عن القيام بواجبهم في تفعيل الدستور بانتظار القانون التنظيمي الذي ينبغي أن تضعه الحكومة، لكنهم لم يحركوا أي ساكن من أجل الدفع بمسلسل صياغة هذا القانون"، وفق تعبيره.
أما المبرّر الثاني "فتعمل به بعض اللوبيات التقليدية داخل الدولة، والتي تعتبر أن أي بروز لرموز الثقافة الأمازيغية من شأنه أن يبخس رموز الثقافة العربية التي ترتبط بالدين ويحجبها، وذلك مثل رأس السنة الهجرية".
وفي هذا الشأن أوضح عصيد قائلا: "سمعت من يقول إن رأس السنة الأمازيغية هي مجرد ابتكار لمضايقة رأس السنة الهجرية، والحقيقة ألا شيء يربط بين الأمرين على الإطلاق، فأجدادنا كانوا يحتفلون منذ الماضي البعيد بالمناسبتين معا دون أي مشكل".
وفي الاتجاه نفسه، سار المؤرخ الأمازيغي محمد حنداين، بتأكيده "على أن مطلب الأمازيغ المغاربة بجعل رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة مؤدى عنها مبرر بحكم دستور 2011 الذي رسم الأمازيغية لغة وهوية".
ومضى حنداين قائلا: "هذا مطلب واقعي وديمقراطي، ويدخل في إطار استعادة الرموز الثقافية والحضارية للحضارة الأمازيغية، حتى لا يشعر الأمازيغ بتمييز أمام أيعاد السنة الميلادية والهجرية، وسيرا على نهج الفرس في إيران وعيد النورس وعيد الصينيين".
بدوره، ساق الباحث أحمد عصيد ما حدث في إيران عندما "قامت مراكز النفوذ الدينية الشيعية بمحاولات عديدة لدفع الشعب الإيراني إلى عدم الاحتفال بعيد "النيروز" باعتباره عيدا "وثنيا مجوسيا" يعود إلى ما قبل الإسلام، وقد فشل "الملالي" في مساعيه تلك فشلا ذريعا حيث تشبث الشعب الإيراني بطقوسه الاحتفالية العريقة التي تعود إلى قرون طويلة قبل الإسلام، وترمز إلى عراقة الشعب الإيراني وتجذر ثقافته".
وأكد عصيد أن "رأس السنة الأمازيغية ترمز من جهة للعراقة التاريخية، ومن جهة أخرى إلى ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه، حيث عبّر الأمازيغ منذ القديم في كل بلدان شمال إفريقيا عن تقديرهم لخيرات الأرض، وعن رغبتهم في استمرار الخصب والنماء الطبيعي وعن احترامهم للبيئة ولثمارها".
وبالنسبة إلى عصيد، من أجل تلك الرمزية، "يتمّ الاحتفال بهذه المناسبة عبر طبخ جميع هذه الخيرات والثمار سواء منها الحبوب أو الخضراوات دفعة واحدة، ويتم ذلك بطرق مختلفة من منطقة إلى أخرى حيث يطبع التنوع الشديد هذه الظاهرة".