تابع الجزائريون باهتمام الانتخابات الرئاسية في تونس، والأمل يحذوهم أن يعيشوا انتقالا ديمقراطيا كما عند جيرانهم، للتخلص من النظام الذي حكم البلاد منذ الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي في 1962.
وإذا كانت الانتخابات قد جرت في ظروف جيدة في تونس ولقيت ترحيبا دوليا، فإنها لم تغير من رأي الحركة الاحتجاجية في الجزائر الرافضة للانتخابات الرئاسية التي حددت القيادة العسكرية العليا في البلاد موعدها في 12 دجنبر، لأنها تعتبرها وسيلة لضمان "بقاء" نظام سياسي غير مرغوب فيه.
التجربة التونسية الملهمة
كان التونسيون انتخبوا الأحد قيس سعيد، رئيسا جديدا بنسبة مشاركة قاربت 60 بالمائة، وهو الأستاذ الجامعي المتقاعد الذي لم يكن معروفا على الساحة السياسية قبل ترشحه والتزامه بإجراء تغييرات سياسية جذرية.
ويخلف قيس سعيد، الباجي قايد السبسي أول رئيس منتخب ديموقراطيا، والذي توفي في يوليوز، وستكون مهمته الصعبة متمثلة في إعادة إحياء الديموقراطية التونسية الفتية من خلال الاستجابة لآمال الشعب المحبط، التي ولدت من ثورة 2011 ضد النظام الاستبدادي لزين العابدين بن علي.
وأوضح الطالب كريم (25 عاما) لوكالة فرنس برس أن "ما يحصل في تونس يدفعني أكثر إلى رفض الانتخابات الرئاسية المحسومة مسبقا".
وفي حين أن الشباب التونسي ساهم في انتصار قيس سعيد، ففي الجزائر حيث أكثر من نصف السكان يبلغون أقل من ثلاثين سنة، "سيكون بإمكان الشبان إحداث تغيير برفضهم التصويت" في 12 دجنبر، حسب اعتقاد كريم.
وبدأت الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في الجزائر في 22 فبراير وتمكنت من دفع عبد العزيز بوتفليقة الى الاستقالة في بداية أبريل بعد أن قضى 20 سنة في الحكم. أما اليوم، فإن الحراك يطالب برحيل كل رموز النظام السابق وفسح المجال لإنشاء مؤسسات انتقالية.
وترفض القيادة العسكرية التي تمسك بزمام الأمور في البلد، رفضا قاطعا أي حديث عن مرحلة انتقالية وتعتبر أن الاستعجال في انتخاب رئيس جديد هو الحل الوحيد لمواجهة الفوضى المحتملة.
وعلى العكس من ذلك، اعتبر عمر برتول، الذي شارك في كل تظاهرات يوم الجمعة منذ بداية الحراك، أن الانتخابات التونسية "دليل قاطع بأنه يمكن انتخاب رئيس بعد مرحلة انتقالية ديموقراطية".
وقال هذا التقني في الاعلام الآلي إنه "لم ينخدع" برئاسيات جزائرية تريدها السلطة التي ترفض المرحلة الانتقالية "للحفاظ على بعض البيادق" و"وضع آخرين جدد".
كما هو الحال في تونس، "لا يمكننا أن نحصل على الديموقراطية بين عشية وضحاها. الأمر يتطلب مرحلة انتقالية لتغيير الدستور"، الذي يجعل حاليا من الرئيس "إمبراطورا" كما قال مصطفى، طالب العلوم السياسية بجامعة الجزائر، حيث تظاهر الثلاثاء مع رفاقه.
كما لاحظ محمد بن عاشور الطالب في علم البيولوجيا والذي شارك أيضا في مسيرة الطلاب بالجزائر العاصمة الثلاثاء أن ما حصل في تونس يؤكد أن "الطريق لا يزال طويلا في الجزائر".
الانتقال لا يعني الفوضى
ولكن بالنسبة لياسمين الطالبة في البيولوجيا فإن المثال التونسي هو الدليل على أن الانتقال الديموقراطي حتى ببعض النواقص لا يؤدي إلى الفوضى. فقد عرفت تونس ثلاث انتخابات خلال شهر واحد في هدوء.
وترفض الشابة البالغة 24 سنة اجراء انتخابات رئاسية في 12 دجنبر لكنها تريد كما حصل في تونس "مناظرة تلفزيونية بين المترشحين" و"حرية الاختيار بينهم ".
وبعد 20 عاما من التزوير الانتخابي في الجزائر، عجز التعديل الأخير لقانون الانتخابات في إقناع الناس بأن الاقتراع سيكون حرا ونزيها، كما تدعي السلطات.
وفي الجزائر العاصمة، فإن شخصية الرئيس التونسي الجديد، البالغ من العمر 61 عاما والمعروف بمواقفه المحافظة، تقسم آراء الجزائريين ولكنها تثير بعض الحماس.
وقالت حمدي عسلة، مهندسة إلكترونيات في الـ35 من العمر "إنه مرشح مستقل تم انتخابه، وكما هو الحال في تونس، سئم الجزائريون من الأحزاب".
أما الأستاذة سهيلة صالحي (45 عاما) فهي "سعيدة وتشعر بخيبة أمل في الوقت نفسه".
وتتابع بأنها "سعيدة بالنتيجة الديموقراطية للثورة الشعبية وتشعر بخيبة الأمل لأنهم انتخبوا رئيسا يبلغ أكثر من 60 عاما ومحافظا"، رغم أنها تعترف أن "المرشح الآخر (رجل الأعمال المثير للجدل نبيل القروي)، كان سيكون أسوأ بالنسبة للتونسيين لأنه تابع للغرب".
وبالنسبة للبعض مثل بشير العاطل عن العمل والبالغ 33 عاما، فإن "تونس ليست مثالا للجزائر: لقد تم تجديد النظام من الداخل، لكن ثورتهم لم تغير الاقتصاد والفقراء أصبحوا أكثر فقرا".