أفشل الخلاف حول المادة الخاصة بمعاقبة الإثراء غير القانوني، مشروع إصلاح مجموعة القانون الجنائي، متسببا في أزمة جديدة داخل صفوف الأغلبية الحكومية.
اختتمت الدورة الخريفية للبرلمان المغربي أشغالها في 11 فبراير الماضي دون تسجيل أي إنجاز يستحق الذكر، بل ولم تلفح في المصادقة على مشروع إصلاح القانون الجنائي، سجين رفوف المؤسسة التشريعية منذ 2016.
هذا المشروع بدا، في بداية يناير الماضي، وكأنه استعاد نفسا جديدا بعد تقديم مختلف الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس النواب لتعديلاتها. ولكن هذه التعديلات تسببت من جديد في اهتزازات قوية داخل الأغلبية الحكومية.
وكان سبب الاختلاف بين مكونات الائتلاف الحكومي هذه المرة حول الفصل الذي يجرم "الإثراء غير المشروع"، علما أن فرق الأغلبية في الغرفة الأولى للبرلمان المغربي كانت قد وصلت إلى اتفاق، في 11 يناير الماضي، حول كيفية معاقبة الإثراء غير المشروع.
من النيابة العامة إلى مجلس الحسابات
"يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع كل موظف عموميثبت بعد توليه للوظيفة، أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر. ويعاقب هذا الموظف في حال إدانته، بالحبس من شهرين إلى سنتين، وبغرامة تتراوح بين 5 آلاف و50 ألف درهم. ويجب في حالة الإدانة، الحكم بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من القانون الجنائي". هذا ما كانت تتضمنه الصيغة الأصلية لنص المشروع الذي تم إعداده في 2016 من طرف المصطفى الرميد، الذي كان يتولى وزارة العدل آنذاك.
ولكن مشروع القانون رقم 10.16، القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي الذي صادقت عليه الحكومة، ينص في الفصل 256-8 على غرامة من 100 ألف درهم (10 ملايين سنتيم) إلى مليون درهم (100 مليون سنتيم) في حق كل شخص أدين بالإثراء غير المشروع.
ويستهدف النص بالخصوص الموظفين الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم وممتلكات أبنائهم القاصرينوفقا للقانون الجاري بع العمل.
وبعد أن تم سحب العقوبات السالبة للحرية والرفع بشكل كبير من الغرامات، بقي تحديد الهيئة التي لها الحق في مراقبة وفحص ممتلكات الأشخاص المعنيين.
وينص مشروع القانون على الإحالة الذاتية والتلقائية من طرف النيابة العامة إن بدت لها أي شبهة للإثراء غير المشروع. أما تعديلات فرق الأغلبية فتعهد إلى المجلس الأعلى للحسابات بمهمة فحص ثروة المسؤولين السامين الملزمين بالتصريح بالممتلكات، ولكن عند نهاية مهامهم.
"تراجع" البيجيدي
كتب الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان حاليا، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أنه إذا كانت هذه النصوص "تعاقب على عدم التصريح أو التصريح الكاذب، فإنها لا تعاقب من تبين أن ثروته زادت خلال ممارسته مهنته زيادة لا يستطيع تعليلها، وهو ما يجعلها نصوصا غير ذات جدوى ولا معنى لها". وبعد ثلاث أسابيع من هذه التدوينة أعلن الفريق البرلماني لحزبه "العدالة والتنمية" عن سحب تعديلاته معيدا كل المشروع إلى نقطة الصفر.
وأوضح رئيس فريق البيجيدي، في بيان منشور في 20 فبراير الماضي، أن هذا الموقف "يأتي بعد استنفاذ كافة السبل للتوافق على تعديلات من شأنها المساهمة في محاربة الفساد(...) وتحسين ترتيب المغرب على مؤشر إدراك الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية". واعْتُبِرَ هذا التراجع موقفا "غير مسؤول" من طرف شقران أمام، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، في اتصال بـ"تيلكيل". وقال بهذا الصدد "إن هذا السلوك يضرب الثقة التي يجب أن تسود بين مكونات الأغلبية. وكان من الأجدر بهم أن يدعوا إلى اجتماع للأغلبية لمناقشة الأمر بهدوء قبل اتخاذ مثل هذا القرار، لعلنا كنا سنتوصل إلى اتفاق". وذكر شقران أمام أن الفريق الاشتراكي بذل الكثير من التضحيات بهدف التوافق مع شركائه في الأغلبية، قبل أن يضيف "في الأول كنا نرغب في أن يخضع كل الموظفين العموميين بدون استثناء لمقتضيات هذا النص، وليس الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم فقط"، معربا عن رفض فريقه النيابي القاطع للصيغة التي جاء بها مشروع القانون 10-16.
لماذا؟ لأن "الفصل 256-8 جاء ملتبسا ويجعل خطر الاعتقال يحوم فوق رؤوس كل الموظفين العموميين، وفي أي لحظة... سنصوت ضد هذا المشروع حتى لو اتفق حول كل الأحزاب الأخرى المشكلة للأغلبية".
من يحمي من؟
داخل العدالة والتنمية، يتهم أعضاؤه كل الأحزاب الأخرى بمحاولة إفشال الإصلاح. ويقول منتسب للبيجيدي وعضو بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان المنتمي لـ"البيجيدي" إن هناك "برلمانيين يضعون العراقيل، ويجاهدون لتجميد هذا الإصلاح" مضيفا في تصريح لـ"تيلكيل"،"إنهم بكل بساطة خائفون.. لديهم ما يريدون إخفاءه أو أشخاص يسعون لحمايتهم".
طيب، ولكن لماذا لا يتم حصر مهمة مراقبة ممتلكات الموظفين على المجلس الأعلى للحسابات؟ "لأن مجلس الحسابات غير قادر على مراقبة التصريحات الخاصة بممتلكات جميع الموظفين" يرد نائب من البيجيدي ينتمي إلى هذه اللجنة ذاتها.
وفي خضم هذا الصخب الحزبي، استهجن وزير العدل الحالي هذا التأجيل الجديد لمشروع إصلاح القانون الجنائي، ولم يغفل في طي حديثه توجيه بعض السهام إلى الرميد، زميله في الحكومة!
واعتبر محمد بن عبد القادر، في حوار أجرته معه وكالة المغرب العربي للأنباء، أن "ربط تعثر مشروع القانون الجنائي بالخلاف حول مادة من مواده (تلك المتعلقة بالإثراء غير المشروع)، هو ليس فقط اختزالا للموضوع، بل تضليلا للرأي العام وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات غير معلنة".
كما اتهم مصدر مقرب من الوزير الاتحادي حزب العدالة والتنمية باللجوء إلى "مناورات شعبوية". وقال، في اتصال مع "تيلكيل"، "إنهم يصرخون إن هناك بلوكاجًا، ولكن ألم يوقعوا ويضعوا طابعهم على اتفاق الأغلبية حول التعديلات ثم تراجعوا، وخارج الآجال؟"، ثم أضاف "نحن اليوم أمام حزب لم يحترم تعهداته أمام شركائه وقرر التحرك لوحده فيما يخص مادة ليست في النهاية سوى فزاعة خادعة لمحاربة الفساد.. بل تشبه شعارا انتخابيا".
عن "تيلكيل" وبتصرف