بعد 52 عاماً على اختفاء المهدي بنبركة، خرج ابنه البشير ليحمل السلطات المغربية والفرنسية "مسؤولية الاستمرار في طمس الحقيقة وانتظار رحيل آخر الشهود والمساهمين في العملية".
"إنهم ينتظرون وفاة جميع الشهود وآخر المسؤولين أو المشاركين في عملية اختطاف واغتيال المهدي". اتهام وجهه البشير بن بنبركة لكل من السلطات المغربية، وجاء ذلك تفاعلاً مع رحيل العشعاشي، أحد الأشخاص الذين وجه إليهم القضاء الفرنسي الاستدعاء مرتين عامي 1966 و1967 من أجل الحصول على معلومات منه بخصوص القضية.
ابن المهدي بنبركة تحدث في حوار مسجل خص به حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، عرض يوم أمس السبت بالرباط، قال فيه إنه بـ"رحيل العشعاشي غابت جوانب كثيرة من الحقيقة وذهبت معه"، كما اعتبر أن موت هذا الأخير "مقلق"، بل يجب أن يكون رحيله "مصدر يقظة لسلطات الرباط وباريس من أجل استدعاء آخر من يملكون معلومات حول اختفاء واغتيال بنبركة".
وعاب البشير على السلطات المغربية، عدم تفاعلها الإيجابي مع طلبات السلطات الفرنسية. وأوضح في هذا الصدد أن القضاء "وجه ما من مرة استدعاءات وطلب تسليم عدد من الأشخاص ومن بينهم الراحل أخيراً العشعاشي، لكن كان جواب الرباط دئما، نحن لا نعرف هذا الشخص وليس ليدنا معلومات حول هويته أو مكانه ولا نملك عنوانه".
في السياق ذاته، عبر نجل بنبركة عن تخوفه من رحيل آخر الشهود والمساهمين في العملية، وذكر في حواره مع حزب الطليعة، شخص ملقب بـ"الفرملي" والشخصية الشهرية المعروفة بـ"الشتوكي" (ميلود التونسي)، كما تأسف لما أسماه عدم صحوة ضمير كل هؤلاء يوماً لقول ولو جزء من الحقيقة للمساعدة على معرفة مصير والده.
كما كشف البشير في الحوار ذاته، عما وصفه بـ"المفارقة العجيبة" في الملف، وكيف أن "الجلاد" يريد محاكمة الضحية"، وأشار هنا إلى الدعوى القضائية التي رفعها ميلود التونسي المعروف باسم "الشتوكي" ضد العائلة وصحافيين في فرنسا، يتهمهم فيها بـ"المس بالشرف والقذف العلني"، وما أثار استغراب العائلة حسب المتحدث ذاته، هو أن دعواه القضائية جاءت بعد شهرين من الرسالة التي بعثها الملك محمد السادس عام 2015 خلال إحياء ذكرى اختطاف المهدي بالرباطـ، وتكلف عبد الرحمان اليوسفي بقراءتها. ووصف البشير الخطوة التي قام بها (الشتوكي) بـ"الاستفزاز" للعائلة، ومحاولة منه لـ"الإفلات من العقاب".
ورفع البشير في وجه "الشتوكي" تحدياً بذهاب الأخير بنفسه إلى فرنسا لمتابعتهم. في السياق، أوضح أنه "يمكن أن يعتقل إذا دخل الأراضي الفرنسية"، مذكراً بحكم صدر في حقه غيابيا عام 1969 عقوبته المؤبد، لذلك يضيف المتحدث ذاته، كلف محاميه فقط للقيام بجميع الإجراءات.
وتساءل ابن المهدي، "لماذا ومنذ سنة 2000 لم يقم الشتوكي برفع أي دعوى قضائية رغم صدور عدد من المقالات منذ تلك الفترة تشير إلى أن ميلود التونسي هو "الشتوكي"؟ ولماذا لم يستطع تكذيب ما جاء في كتاب علال بودرقة الذي ربط بين شخصية الشتوكي وميلود التونسي واعترف بوجدوه في أماكن تتعلق بملف اختطاف واغتيال المهدي بن بركة؟
وعن مبادرة الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، بالكشف عن 89 وثيقة "سرية" في ملف اختطاف المهدي، قلل البشير من أهمية الخطوة، وكشف أن جل الوثائق موجودة أصلا في ملف القضية منذ العام 1966 وباقي الوثائق لا تحمل أي جديد.
في السياق، قال البشير في حواره، إن الوثائق المرتبطة بالملف توجد بالمئات، وقاضي التحقيق طلب رفع السرية عنها ما من مرة، كما أشار إلى أن القاضي رمايل حجز عام 2010 فقط 400 وثيقة بمقر المخابرات الفرنسية لم يكشف عنها.
ولرفع طابع السرية عن كل الوثائق، تحدث البشير عن اجتماعهم بمستشار وزارة الدفاع "التقيناه من أجل رفع طابع السرية"، كما أن "رئيس لجنة الحقيقة في قضية المهدي لوي جواني، بعث رسالتين إلى فرانسوا هولاند في مارس 2017 دون أن يصدر من الرئيس السابق أي جواب". واصفاً هذا التفاعل بـ"المهزلة والفضيحة".
وأكد البشير أن بنبركة، ذاكرة حية أصبحت تتجاوز أسرة اليسار وتطال كل المستقلين والديمقراطيين. وتأسف بشدة، لأن أمه وإخوانه وصهره وعدد من المناضلين والأصدقاء، رحلوا عن الحياة دون أن يعرفوا مصيره. ليختم نجل المهدي حواره بالقول: "أتمنى أن لا يرث أحفاد بنبركة عبأ البحث عن حقيقة اختطافه واغتياله".