ثمن وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت طالب، المجهودات العالية التي أبانت عنها رئاسة النيابة العامة، والمديرية العامة للأمن الوطني والدرك الملكي، وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، بخصوص قرار فتح بحث قضائي حول وجود شبهة التلاعب في مجموعة من الصفقات العمومية الخاصة بالمؤسسات التابعة لقطاع الصحة.
وأكد آيت الطالب في لقاء حول الأمن الدوائي في المغرب، يومه الأربعاء، بالرباط، أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تقوم بجهود ملموسة لمكافحة التزوير والتزييف في الأدوية والمنتجات الصحية، وهي الجهودي التي يمكن أن تتكامل بفضل المساعي المشتركة للحكومة المغربية، بهدف تحقيق السلامة الصحية بمفهومها الشامل.
اقر أيضا: الفساد وتضارب المصالح في قطاع الصحة.. اعتقال وحجز ممتلكات عشرات الموظفين وأرباب المقاولات
وتابع الوزير أنه "تم في هذا الصدد، توفير ترسانة قانونية غنية ومتنوعة، تمكن من تقنين وتأطير قطاع الأدوية والمنتجات الصحية، بمختلف مراحله، انطلاقا من عمليات التصنيع، والاستيراد، والحيازة، والتوزيع، والصرف، والتصدير، بهدف توفير أدوية كافية عبر التحكم في المخزون الاحتياطي، للحد من آفة انقطاع الأدوية"، موضحا أن "هاته الترسانة القانونية تتجلى من خلال مراقبة عناصر الجودة المتعارف عليها عالميا في هذا الميدان".
وأضاف أن "القانون رقم 17-04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، ومجموعة أخرى من القوانين الموازية، وأهمها قانون 84 المتعلق بالمستلزمات الطبية، وقانون 11-08 الخاص بالكواشف المستعملة لغرض إجراء التحاليل بالمختبر، تلزم بضرورة إنشاء مواقع لصنع الأدوية والمنتجات الصحية مرخصة وخاضعة للتفتيش والمراقبة بصفة منتظمة، والحصول على الإذن بالعرض في السوق؛ إذ لا يمكن إدخال أي دواء أو منتج صحي، ولو في شكل عينات، إلا عن طريق ترخيص مسلم من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى احترام قواعد حسن إنجاز تصنيع وتوزيع وتخزين الأدوية والمنتجات الصحية، واعتماد نظام الاحتراز الدوائي والاحتراز المتعلق بالمنتجات الصحية".
اقرأ أيضا: مواجهة تهديد الأمن الصحي والدوائي للمغاربة.. الداكي يكشف إجراءات النيابة العامة
وإضافة إلى كل هذا، حسب آيت الطالب، فإن "وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تزاول مهامها المتعلقة بمكافحة كل أشكال الغش والتزييف، من خلال مراقبة الجودة والسلامة بجميع مكوناتها، بدء بتقييم الملفات، مع إلزامية التكافؤ الحيوي بالنسبة للأدوية الجنيسة، إلى جانب إجراء التحاليل المخبرية من طرف المختبر الوطني لمراقبة الأدوية، وكذا لجان التفتيش الصيدلي من طرف أطر مشهود بكفاءتها".
وأشار إلى أن "المختبر الوطني لمراقبة الأدوية حصل، للمرة الثالثة على التوالي، على شهادة الاعتماد "ISO"، من طرف المديرية الأوروبية لجودة الأدوية والمنتجات الصحية التابعة للاتحاد الأوربي، كان آخرها سنة 2018، وكذلك الاعتراف المحصل عليه من طرف منظمة الصحة العالمية، كان آخره سنة 2019".
وتابع أن "المختبر الوطني لمراقبة الأدوية يشرف على إجراء العديد من الاختبارات ذات الطابع الفيزيائي والكيميائي والبيولوجي، بصورة علمية، فضلا عن تطبيق كافة إجراءات الجودة التي أقرتها المعايير الدولية والممارسات المخبرية الجيدة، في جميع الاختبارات المعملية التي يشرف عليها، وذلك لضمان تقديم نتائج دقيقة وموثوقة"، لافتا إلى أن "المختبر الوطني لمراقبة الأدوية يعتبر حاليا، عضوا ضمن دستور الأدوية الأمريكي، ودستور الأدوية الأوروبي".
وشدد الوزير على أن "قطاع الأدوية والمنتجات الصحية يعرف مراقبة يقظة، وتفتيشا منتظما"، وأن "عدم احترام القوانين والتنظيمات يعرض صاحبه إلى عقوبات وخيمة من طرف المشرع؛ حيث تقوم لجان التفتيش الصيدلي بالمراقبة الميدانية للقطاع، بشكل دوري، للتحقق من مدى احترامه للتشريعات والتنظيمات المعمول بها في الميدان الصيدلي، وتقوم بحملات تفتيش، بشكل مستمر، للتأكد من جودة الدواء والمنتج الصحي المتداول في السوق الوطنية، وتتعامل مع الأدوية المُبلغ عنها للتأكد من مطابقتها للمواصفات. وفى حالة وجود دواء أو منتج صحي غير مسجل بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أو غير مطابق، يتم تحرير محضر، ويتم مصادرته فورا، حسب القواعد والقوانين المعمول بها".
وسجل أنه، و"في غياب الإجراءات الزجرية، تزدهر تجارة الأدوية والمنتجات الصحية في جميع أنحاء العالم، عن طريق الأنترنت؛ إذ تشير التقديرات إلى أن ما بين 50 و80 في المائة من الأدوية تسوق وتباع عبر شبكة الإنترنت، في غياب مطلق لأية مراقبة من لدن الجهات المختصة"، لافتا إلى أن "المغرب معني أيضا، بهذا التهديد العالمي، مع أنه يصعب حاليا الوقوف على الأرقام الحقيقية التي تشكلها ظاهرة تزييف المنتجات الصحية ببلدنا".
وأوضح أن "العوامل المساهمة في استفحال هذه الظاهرة تتمثل في الانفتاح التجاري والتبادل الحر، والافتقار للموارد البشرية، ومحدودية التعاون الدولي، وعدم جدوى المتابعات القضائية والعقوبات".
وأضاف أنه "لم يتم إلى حدود الساعة، تسجيل حالات مهمة لترويج الأدوية المزيفة بالمغرب، كما لم تحجز أي كميات في هذا الإطار. فيما تمثلت الحالات المسجلة في التهريب الذي ينشط في بعض المدن الحدودية؛ حيث تتمكن عناصر الجمارك والأمن الوطني من حجز كميات هامة من الأدوية المهربة".
وأفاد الوزير إن "منظمة الصحة العالمية استعرضت قضية الأدوية المزيفة التي باتت تمثل تهديدا متزايدا؛ حيث أقر مسؤولها في هذا السياق، أن نسبة الأدوية المزيفة في العالم تعادل الواحد من 10، وأن ما بين 30 و70 في المائة من مجمل الأدوية المغشوشة المنتشرة في الأسواق كانت في إفريقيا، في حين تبلغ حصة الدول الأوروبية مجتمعة 21 في المئة، وتساويها في ذلك، دول القارة الأمريكية (في الشمال والجنوب)".
وتابع أن "تجارة الأدوية المزيفة تعد تجارة مربحة جدا؛ إذ تحقّق مداخيل من 10 إلى 20 ضعف ما يمكن أن تدرّه عمليات تهريب السجائر، أو الهيرويين، من مداخيل؛ حيث أن استثمار ألف دولار في الأدوية المزيفة، وفق المعهد الدولي لأبحاث مكافحة تزوير الأدوية، يسمح للمنظمات الاجرامية، بجني نصف المليون دولار. فيما تبلغ قيمة تجارة المستحضرات الصيدلانية المزورة نحو 200 مليار دولار سنويا، في وقت تعد فيه إفريقيا من المناطق الأكثر تضررا".
وثمن آيت الطالب الجهود التي تقوم بها العديد من الحكومات والهيآت الدولية لمكافحة ظاهرة الأدوية المغشوشة، منذ سنوات، تحت إشراف الإنتربول، والمنظمة الدولية للجمارك، وهو ما ترجم قبل 11 عاما، بعملية "بانجيا Pangea" التي انخرطت فيها 116 دولة، ومكنت إلى حدود سنة 2018، من إغلاق 3671 موقع أنترنت يبيع أدوية مزيفة ومغشوشة، وتوقيف 859 شخصا، وضبط 500 طن من هذه الأدوية المغشوشة.
وأكد على أن "المغرب، وعلى شاكلة باقي دول العالم، يحاول الحد من استفحال ظاهرة تزييف الأدوية، في إطار تظافر الجهود، والسعي إلى إبرام اتفاقيات عالمية تمكن من تبادل المعلومات والخبرات، وذلك من خلال توقيعه في 2012، على الاتفاقية العالمية "MEDICRIME" التي تعتبر أداة مهمة وضعت من قبل المجلس الأوروبي، لتجريم تزييف الأدوية والمنتجات الصحية".
وتابع أن "هذه الاتفاقية تشكل أول معاهدة دولية تجرم صناعة وترويج المنتجات الصحية المزيفة. كما تنص هذه الاتفاقية على التعاون المشترك على المستوى المحلي والدولي بين السلطات المختصة، من صحة، وعدل، وأمن، وجمارك".
وبالنسبة للتعاون المحلي، حسب آيت الطالب، فـ"على الرغم من تواجده بين السلطات المختصة من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ومصالح الأمن الوطني، والجمارك، بشراكة مع القطاع الخاص، إلا أنه نظرا للطابع السري للمعلومات، يبقى التعاون دون مستوى التطلعات. ومن المرتقب أن يشكل دخول اتفاقية "MEDICRIME" حيز التنفيذ، رافعة مهمة لتفعيل هذا التعاون، ووضع الآليات اللازمة لذلك".
وعلاوة على الاتفاقيات العديدة التي تربط المغرب مع دول شقيقة، كشف الوزير أن "هناك اتفاقية تخص مجال الصحة مع مجلس التعاون الخليجي، سيما في مجال تبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بالأدوية والمنتجات الصحية، وخصوصا في مجال التفتيش، وبروتوكول التعاون المغربي الأردني، والتوقيع على اتفاقيات مع العديد من دول إفريقيا، في دجنبر 2015، حول محاربة التزييف. كما للمغرب شراكات مع عدة فاعلين دوليين في هذا المجال؛ من ضمنهم المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "إنتربول"، والاتحاد الأوروبي - المديرية الأوروبية للأدوية والمنتجات الصحية "EDQM"، و"سيفيبول CIVIPOl"، في إطار المشروع (REPT)".