تظاهر آلاف الطلاب مجددا أمس الثلاثاء في وسط العاصمة الجزائر وفي عدة مدن أخرى احتجاجا على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، في حين وجه الجيش تحذيرا إلى الذين يريدون العودة بالبلاد إلى فترة الحرب الأهلية في التسعينات من دون أن يسميهم.
مسيرات في أغلب المدن
وأطلق الطلاب هتافات على غرار "جيبو +بي ار اي+ (القوات الخاصة للشرطة) زيدوا الصاعقة (وحدة من الجيش) ماكانش عهدة خامسة يا بوتفليقة"، وسط انتشار كبير للشرطة في وسط العاصمة بدون أن تتدخل، بل اكتفت بتحديد مكان تجمعهم وتحركهم في الشوارع المجاورة لساحة البريد المركزي. وساند المارة الطلاب بالتصفيق وقام سائقون بإطلاق أبواق سياراتهم تأييدا.
وتظاهر الطلاب بأعداد كبيرة أيضا في وهران ثاني مدن الجزائر وتوجهوا إلى وسط المدينة، كما أفاد مراسل محلي لفرانس برس مشيرا إلى "تعبئة كبرى".
كما تظاهر آلاف الطلاب مع أساتذتهم في قسنطينة ثالث مدن البلاد بحسب صحافي محلي وعنابة حيث تحدث صحافي عن تظاهرة "ضخمة" ضمت الآلاف.
وأفاد أحد السكان لفرانس برس أن آلاف الطلاب تظاهروا أيضا في بجاية (180 كلم شرق الجزائر) وفي منطقة القبائل.
كما تظاهر طلاب بأعداد كبيرة في البليدة والبويرة وتيزي أوزو بحسب الموقع الاخباري "كل شيئ عن الجزائر" وفي ستيف وتلمسان بحسب موقع صحيفة "الوطن".
وفي العاصمة حيث تمنع كل أنواع التظاهر منذ 2001، أصبح الطلاب يتجمعون بشكل يومي منذ عشرة أيام استجابة لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم تتدخل الشرطة التي انتشرت بأعداد كبيرة في وسط العاصمة واكتفت باحتواء الطلاب ضمن عدة شوارع. وفي كل مرة وجدوا الطريق أمامهم مقطوعة غير الطلاب مسار التظاهرة دون أي صدامات.
ومنذ إعلان ترشحه لولاية خامسة أصبح الرئيس بوتفليقة الثمانيني المريض والمقعد منذ إصابته بجلطة في الدماغ في 2013، هدفا لاحتجاجات غير مسبوقة منذ وصوله إلى الحكم قبل 20 عاما.
وقدم بوتفليقة الأحد ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية في 18 أبريل، لكنه تعهد تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في حال فوزه وإجراء إصلاحات سياسية عميقة.
الجيش يحذر...
وأمام تكرار التظاهرات وتحولها شبه يومية صدر موقف عن رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في كلمة ألقاها خلال زيارة إلى الأكاديمية العسكرية من الأحداث الأخيرة.
قال إن "إرساء الجزائر لكافة عوامل أمنها، من خلال القضاء على الإرهاب وإفشال أهدافه، بفضل الاستراتيجية الشاملة والعقلانية المتبناة، ثم بفضل التصدي العازم الذي أبداه الشعب الجزائري وفي طليعته الجيش الوطني الشعبي رفقة كافة الأسلاك الأمنية الأخرى، لم يرض بعض الأطراف".
واعتبر أن هذه الأطراف التي لم يذكرها "يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر التي عايش خلالها الشعب الجزائري كل أشكال المعاناة، وقدم خلالها ثمنا غاليا"، في إشارة إلى سنوات الحرب الأهلية الجزائرية (1992).
ولوقت طويل، كان الرئيس الجزائري يوصف برجل المصالحة الوطنية الذي جلب السلم للجزائر بعد عقد من الحرب الأهلية. فقد فاز في الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في أبريل 1999 بدعم من الجيش، وكانت الجزائر حينها في أوج الحرب الأهلية ضد الإسلاميين. وعمل حينها على إعادة السلم إلى بلاده عبر قانوني عفو وتدابير أخرى.
وتابع الفريق قايد صالح "إن الشعب الذي أفشل الإرهاب وأحبط مخططاته ومراميه، هو نفسه المطالب اليوم، في أي موقع كان، أن يعرف كيف يتعامل مع ظروف وطنه وشعبه، وأن يعرف كيف يكون حصنا منيعا لصد كل ما من شأنه تعريض الجزائر لأخطار غير محسوبة العواقب".
طلاب يتحدون الرئيس
ولا يبدو أن وعود بوتفليقة حققت أهدافها رغم قول أنصاره أنها تحقق "بشكل كامل" مطالب المتظاهرين.
وأكدت سلمى طالبة الرياضيات بجامعة الجزائر "لا يعني لا. ألم يفهم رسالة الشعب؟ اذن سنشرحها له اليوم وأكثر يوم الجمعة" الذي ينتظر أن يشهد تظاهرات جديدة كما في الأسبوعين الماضيين.
أما عبد الرحمن (21 عاما) الطالب بالمدرسة العليا للإعلام الآلي، فقال ان بوتفليقة "يريد سنة أخرى أما نحن فلا نريده أن يبقى ثانية، لقد طال حكمه فليرحل الآن".
وكتب الطلاب على إحدى اللافتات "لا دراسة لا تدريس حتى يسقط الرئيس".
وشهدت جامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار، بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية "إضرابا شاملا للطلاب" كما أفاد مدرس لفرانس برس. وقال "لم أشاهد هذا منذ إضراب الطلاب في 1980".
كما ينتظر أن يعلن الأساتذة أيضا عن إضراب لدعم "الحراك الشعبي" كما دعا إلى ذلك المحامون.
ودعت منظمات المحامين في بجاية (180 كلم شرق الجزائر) إلى "مقاطعة العمل القضائي على مستوى كل المحاكم والسجون"، ابتداء من الاربعاء 6 مارس.
وكتب على إحدى لافتات المتظاهرين في وسط العاصمة "رصيدكم غير كاف لإجراء هذه الولاية" في رسالة لبوتفليقة الموجود في مستشفى بسويسرا منذ عشرة أيام من اجل "فحوص طبية دورية" لكن تاريخ عودته لم يعلن بعد.
والأحد تولى إيداع ملف ترشح بوتفليقة مدير حملته الجديد عبد الغني زعلان الذي تلى رسالة من بوتفليقة يتعهد فيها الرئيس تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة في حال فوزه يحدد موعدها مؤتمر وطني يعمل أيضا على إقرار إصلاحات أساسية.
وجاء في الرسالة "أتعهد أمام الله تعالى والشعب الجزائري" بالدعوة "مباشرة" بعد الانتخابات الرئاسية "إلى تنظيم ندوة وطنية شاملة واعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أساس النظام الجديد".
كما تعهد الرئيس الجزائري بإعداد دستور جديد يطرح على الاستفتاء من أجل ولادة "جمهورية جديدة"، وبالعمل على وضع سياسات "عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين (..) بالإضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد".