يشكل تسليم المجرمين أحد الجوانب الأساسية للتعاون القضائي الدولي في المجال الجنائي؛ حيث تتعامل السلطات القضائية المغربية مع طلبات تسليم المتهمين أو المدانين وفقا للاتفاقيات الدولية والثنائية، إضافة إلى التشريعات الوطنية.
الطلبات بالأرقام
وسجل تقرير رئاسة النيابة العامة أن سنة 2023 شهدت ورود 101 طلبا رسميا على المملكة من مختلف الدول بشأن تسليم أشخاص متابعين أو مدانين بجرائم مختلفة.
وتفرقت الطلبات بين 60 طلبا من دول أوروبية (حوالي 59.4 في المائة من إجمالي الطلبات)، و15 طلبا من دول إفريقية (14.9 في المائة)، و18 طلبا من دول عربية (17.8 في المائة)، و8 طلبات من دول أخرى (7.9 في المائة).
طبيعة الجرائم
وكشف التقرير أن عدد الجرائم المالية الاقتصادية (الاحتيال، غسل الأموال، الفساد المالي) بلغ 35 طلبا (34.7 في المائة)، وعدد جرائم الإرهاب والتطرف 22 طلبا (21.8 في المائة)، وعدد جرائم القتل والاعتداء الجسدي الخطير 18 طلبا (17.8 في المائة)، وعدد جرائم المخدرات والاتجار الدولي بالممنوعات 16 طلبا (15.8 في المائة)، بالإضافة إلى 10 طلبات تخص جرائم أخرى؛ كالجرائم الإلكترونية، والتزوير، وتهريب المهاجرين (9.9 في المائة).
الطلبات التي تم تنفيذها
ومن بين 101 طلبا واردا، تمت الاستجابة لـ64 طلبا، وهو ما يمثل نسبة 63.3 في المائة من إجمالي الطلبات، وذلك وفقا للقوانين المغربية والاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف.
أما أبرز الدول المستفيدة من التسليم؛ فهي فرنسا بـ14 شخصا، وإسبانيا بـ12 شخصا، وإيطاليا بـ8 أشخاص، والولايات المتحدة بـ5 أشخاص، ودول أخرى بـ25 شخصا.
طلبات لم يتم تنفيذها
وبلغ عدد الطلبات التي لم يتم تنفيذها 37 طلبا، بسبب عدم استيفاء الشروط القانونية (15 حالة)، وعدم توفر الأدلة الكافية أو الطعون القضائية (10 حالات)، بالإضافة إلى حصول المطلوبين على الجنسية المغربية؛ وهو ما يمنع تسليمهم وفقا للقانون المغربي (8 حالات)، فضلا عن أسباب أخرى؛ منها ما هو سياسي أو إنساني (4 حالات).
من جهة أخرى، لا يزال هناك 18 طلبا قيد الدراسة؛ حيث تعمل السلطات المختصة على تحليل الوثائق واستكمال الإجراءات اللازمة قبل البت فيها، حسب المصدر نفسه.
آخر التطورات
وأبرز التقرير أن سنة 2023 شهدت عدة تطورات في مجال التعاون القضائي الدولي فيما يتعلق بتسليم المجرمين؛ حيث عززت المملكة المغربية جهودها لتسهيل تنفيذ الطلبات وضمان الامتثال للمعايير الدولية.
ومن أبرز هذه التطورات توقيع اتفاقيات دولية جديدة؛ حيث أبرمت السلطات المغربية 5 اتفاقيات جديدة للتعاون في مجال تسليم المجرمين مع دول مختلفة؛ مما يعزز من كفاءة وفعالية تنفيذ الطلبات. كما تم تحديث بعض الاتفاقيات القديمة لضمان التكيف مع المتغيرات القانونية والجنائية الحديثة.
أما ثاني تطور؛ فهو تعزيز التعاون مع الإنتربول والمنظمات الدولية لتسريع عملية البحث وتحديد أماكن المطلوبين دوليا، وتكثيف تبادل المعلومات بين النيابة العامة المغربية ونظيراتها في العديد من الدول، لضمان تنفيذ الطلبات في أسرع وقت ممكن، فضلا عن استخدام النشرات الحمراء الصادرة عن الإنتربول بشكل أكثر فاعلية في تعقب وتسليم المطلوبين.
وتمثل التطور الثالث في تحسين الإجراءات القانونية الداخلية؛ حيث قامت السلطات المغربية بمراجعة بعض الإجراءات المتعلقة بالتسليم؛ مما ساعد في تقليل فترات الانتظار ومعالجة الطلبات بشكل أسرع. كما تم اعتماد تقنيات حديثة في معالجة الملفات وربط النيابات العامة بأنظمة رقمية لتسهيل تبادل المعلومات.
وفيما يخص التطور الرابع، فإن المغرب التزم بالمبادئ القانونية والحقوقية الدولية عند تنفيذ طلبات التسليم، وخاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان ومنع تسليم الأشخاص إلى دول قد يكونون عرضة فيها لمعاملة غير إنسانية أو قمع سياسي، بالإضافة إلى إجراء مراجعات دقيقة للطلبات لضمان توافقها مع الاتفاقيات الدولية، خاصة فيما يتعلق بالتسليم في قضايا قد يكون لها أبعاد سياسية أو تمس بحرية الرأي.
التحديات
ورغم التقدم الذي شهده مجال تسليم المجرمين في المغرب، يتابع التقرير، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تعرقل تنفيذ بعض الطلبات؛ من أهمها "نقص الأدلة أو عدم استيفاء الشروط القانونية"؛ حيث تتلقى السلطات المغربية طلبات تسليم لا تتضمن أدلة كافية أو لا تستوفي الشروط القانونية المطلوبة؛ مما يؤدي إلى رفضها أو تأخير البت فيها. كما أن بعض الدول لا تُرفق بالطلب الملفات الكاملة حول الجرائم المنسوبة للمطلوبين؛ مما يعيق استكمال الإجراءات القضائية، و"ازدواجية الجنسية كعائق أمام التسليم"؛ إذ وفقا للقانون المغربي، لا يتم تسليم المواطنين المغاربة إلى دول أجنبية لمحاكمتهم، بل يتم متابعتهم داخل المغرب، في حال ارتكابهم جرائم خارج التراب الوطني، مشيرا إلى أن سنة 2023 شهدت 8 حالات رفض للتسليم بسبب تمتع المطلوبين بالجنسية المغربية، رغم صدور مذكرات توقيف دولية بحقهم.
أما التحدي الثالث؛ فهو "التعقيدات السياسية والقانونية مع بعض الدول"؛ حيث تكون بعض طلبات التسليم مرتبطة بقضايا سياسية أو تتعلق بملاحقة معارضين؛ مما يستدعي دراسة دقيقة لضمان عدم استخدام التسليم كأداة لقمع الحريات. بينما تفرض بعض الدول تفرض شروطا قد تكون غير متوافقة مع القانون المغربي أو تتطلب إجراءات مطولة لإتمام عمليات التسليم.
وتابع التقرير أن التحدي الرابع يتمثل في "طول الإجراءات الإدارية والقضائية"؛ إذ رغم تحسين الإجراءات، لا تزال بعض طلبات التسليم تتطلب وقتا طويلا بسبب تعقيدات التحقيقات واستكمال الوثائق القانونية. وفي بعض الحالات، يلجأ المطلوبون إلى استنفاد جميع سبل الطعن القانونية؛ مما يؤدي إلى تأخير تنفيذ قرارات التسليم. فيما يتجلى التحدي الخامس في "قضايا حقوق الإنسان وتأثيرها على قرارات التسليم"؛ حيث ترفض السلطات المغربية بعض طلبات التسليم إذا تبين أن المطلوبين قد يواجهون معاملة غير إنسانية أو محاكمات غير عادلة في الدولة الطالبة، مضيفا أنه تمت دراسة 4 طلبات تسليم، خلال سنة 2023، تم رفضها بسبب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان، لاسيما في الدول التي تصنف بوجود انتهاكات في هذا المجال.