قدم وزير العدل عرضًا مفصلًا أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب حول مشروع التقرير الدوري الخامس المتعلق بإعمال اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ويأتي هذا العرض في إطار تعزيز التزام المملكة المغربية الراسخ بحماية حقوق الإنسان وترسيخ دولة الحق والقانون، حيث استعرض الوزير أبرز التدابير المتخذة على المستويين التشريعي والتنفيذي لضمان الامتثال لمبادئ الاتفاقية الدولية وتكريس حماية كرامة الأفراد.
ووفقًا لبيان حصل "تيلكيل عربي" على نسخة منه، يوم الثلاثاء 14 من الشهر الجاري، أبرز الوزير الأهمية التي توليها المملكة لتفعيل التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. وأشار إلى أن هذا التقرير يعد محطة أساسية لتقييم التقدم المحرز، واستعراض المنجزات، وتعزيز التفاعل الإيجابي مع الآليات الأممية.
كما شدد على التزام الوزارة باعتماد مقاربة تشاركية تجمع بين الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين، وذلك بهدف تعزيز الشفافية وضمان جودة ومصداقية التقرير.
وذكر البيان أن التقرير استعرض أبرز محاور الإنجازات التي حققتها المملكة، لا سيما في تعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي، حيث تمثلت في المصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب سنة 2014، مما أسفر عن استقبال اللجنة الفرعية لمنع التعذيب سنة 2017، وإحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب سنة 2019.
ولفت البيان إلى جهود المملكة في إصلاح المنظومة الجنائية، من خلال مراجعة قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي بما يتماشى مع المعايير الدولية، خاصة فيما يتعلق بتجريم التعذيب وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة. كما أشار إلى اعتماد قوانين ذات صلة، مثل القانون المتعلق بالطب الشرعي، والعقوبات البديلة، وتنظيم المؤسسات السجنية، بهدف تعزيز حماية حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية.
وفيما يتعلق بمحور تحسين أوضاع الاحتجاز وضمان الكرامة الإنسانية، تم تنفيذ برامج تهدف إلى تحسين ظروف الاعتقال وتأهيل السجناء، مع تطوير البنية التحتية للمؤسسات السجنية لضمان بيئة إنسانية تحترم كرامة النزلاء. كما شمل هذا المحور دعم البرامج الصحية والنفسية داخل المؤسسات السجنية، وتطوير خدمات الطب النفسي والعقلي لضمان توفير الرعاية الصحية الملائمة للنزلاء.
وعن محور تعزيز آليات الوقاية والمساءلة، تم إرساء آلية وطنية مستقلة للوقاية من التعذيب، تتمتع بالاستقلالية والصلاحيات الكاملة لرصد أوضاع الاحتجاز وتقديم التوصيات اللازمة. كما جرى تفعيل التدابير المتعلقة بالتحقيق في مزاعم التعذيب وضمان محاسبة المسؤولين عنها وفقًا للقانون، مع التركيز على مبدأ عدم الإفلات من العقاب. إضافة إلى ذلك، تم دعم قدرات المكلفين بإنفاذ القانون من خلال برامج تدريبية تهدف إلى تعزيز ثقافة حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب.
ونوه البيان إلى محور مكافحة الإفلات من العقاب وضمان العدالة، حيث أشار إلى التفاعل البناء للمغرب مع لجنة مناهضة التعذيب منذ سنة 2007 في معالجة 34 حالة فردية، أغلبها متعلقة بقضايا التسليم، مما يعكس التزام المملكة بمبادئ الشفافية والانفتاح. كما تم تطوير آليات الشكاوى لضمان وصول الضحايا إلى العدالة، مع توفير سبل جبر الضرر لهم، بما يعزز حقوقهم ويكرس العدالة.
ولفت البيان كذلك إلى محور الانخراط الدولي والإقليمي، حيث أبرز المشاركة الفعالة للمغرب في المبادرات الدولية لتعزيز التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب، خاصة من خلال قيادته للمبادرة العالمية منذ سنة 2014 إلى جانب حكومات الدنمارك، الشيلي، غانا، وإندونيسيا، مما أسفر عن انضمام 20 دولة جديدة إلى الاتفاقية. كما أشار إلى إسهامات المغرب في المنتديات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، تأكيدًا على التزامه الراسخ بالمعايير الدولية.
وجاء في البيان أن محور تعزيز ثقافة حقوق الإنسان يتضمن اعتماد وتنفيذ خطة العمل الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تُعد إطارًا مرجعيًا لتعزيز الحقوق والحريات، ونشر ثقافة حقوق الإنسان على المستويين الوطني والمحلي. كما تم دعم برامج التوعية والتحسيس لفائدة الفاعلين الأمنيين والقضائيين والمجتمع المدني حول آليات الوقاية من التعذيب.
وأوضح وزير العدل أن تقديم هذا التقرير لا يقتصر على كونه التزامًا دوليًا، بل يعكس أيضًا إرادة المملكة الثابتة في تعزيز مكتسباتها في مجال حقوق الإنسان، ومواصلة الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، مع الانفتاح على مختلف الآراء والملاحظات بهدف تحسين السياسات العمومية المتعلقة بمكافحة التعذيب.
وفي ختام عرضه، دعا الوزير أعضاء اللجنة إلى تقديم آرائهم ومقترحاتهم القيمة لإثراء التقرير قبل اعتماده النهائي، تمهيدًا لرفعه إلى لجنة مناهضة التعذيب. وأكد أن المملكة المغربية ستظل ملتزمة بكافة التزاماتها الدولية، وستواصل جهودها لتطوير منظومتها الحقوقية بما يعزز قيم الكرامة والعدالة والحرية.