احتضن المعهد العالي للقضاء اليوم الثلاثاء 27 أبريل بالرباط، يوماً دراسياً لتقييم مرور سنة على اعتماد التقاضي عن بعد في المغرب، وهو الإجراء الذي اعتمد في سياق فرض الحجر الصحي لمواجهة تفشي جائحة فيروس "كورونا" المستجد.
وعرف اليوم الدراسي مشاركة كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وجمعية هيئة المحامين بالمغرب.
وحسب ما توصل به "تيلكيل عربي" من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كشف محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن "المحاكمات عن بعد خلال سنة، مكنت من عقد 19.000 جلسة عن بعد، درست فيها أكثر من 370.000 قضية تهم معتقلين".
وأوضح المتحدث ذاته، أنه "مثل هؤلاء أمام المحكمة بهذه الطريقة أكثر من 433.000 مرة".
وقد تمكنت المحاكم، حسب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من "البت عن بعد في أكثر من 133.000 قضية ترتب عن بعضها الإفراج عن مجموعة من المعتقلين ناهز عددهم 12.000 معتقلا تمكنوا من معانقة الحرية مباشرة بعد النطق بالحكم بمعدل ألف كل شهر".وتحدث عبد النباوي عن أنه "في انتظار صدور قانون ينظم المحاكمات الافتراضية، يظل أملاً جميلاً يراود كل الممارسين والمهتمين بشأن العدالة. ولذلك فإننا نتطلع بشوق إلى صدور هذا القانون في أسرع وقت، حتى تتوفر بلادنا على الآلية القانونية المناسبة التي تسمح بإجراء المحاكمات عن بعد، في الفترة اللاحقة للكوفيد".
وأشار في السياق ذاته، على أن التقاضي له مجموعة من المبررات "من بينها حماية الشهود والمبلغين، وبُعد المؤسسات السجنية عن بنايات المحاكم مما يتطلب وقتاً طويلا ومصاريف باهظة للتنقل، فضلاً عن أعداد موظفي الخفر".
وتابع: "يكفي أن نعرف في هذا الصدد أن حوالي 800 معتقل يمثلون يومياً أمام محاكم الرباط وأكثر من 1200 يمثلون كل يوم أمام محاكم الدار البيضاء، لنتأمل في تكاليف النقل والخفر والحراسة. ونأمل أن تخرج هذه الندوة بتوصيات مفيدة للنقاشات القانونية والحقوقية المتعلقة بهذا الموضوع في الأمد القريب".
من جهته، قال مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، حسب ما توصل به "تيلكيل عربي" من الأخيرة، إن هذا "اليوم الدراسي الهام والذي يصادف مرور سنة على اعتماد المحاكمة عن بعد في تدبير القضايا بجلسات المحاكم، وهي مناسبة لتقييم هذه التجربة التي أعتبرها شخصياً تجربة ناجحة".
وتطرق مولاي الحسن الداكي، إلى أن "وباء (كورونا) المستجد، كان له تأثير كبير على الساحة الوطنية والدولية، حيث أرخى بظلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، إذ كان السبب المباشر في تعطيل مجموعة من المعاملات الاقتصادية الدولية والوطنية والخدمات الإدارية والقضائية، وذلك نتيجة للتدابير الاحترازية التي تم اتخاذها للحد من تفشي هذا الوباء، هذا الوضع حتم البحث عن حلول واتخاذ مجموعة من التدابير للتوفيق بين حماية حقوق الأشخاص وحماية الصحة العامة التي تعتبر من مقومات النظام العام".
وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن "العالم يشهد منذ سنوات ثورة تكنولوجية شملت كافة الميادين والمجالات ومنها القضاء، حيث عملت مجموعة من الدول ومنها المغرب على مواكبة هذه التطورات والمستجدات من خلال استغلال الوسائل والتكنولوجيات الحديثة لتطوير قطاع العدالة".
وفي هذا الإطار، يضيف المتحدث ذاته، "تم تدارك إمكانية اعتماد هذه التكنولوجيا على مستوى قضايا المعتقلين بعدما ظهرت بعض الإصابات بالفيروس على بعض نزلاء المؤسسات السجنية، وتم الاهتداء إلى جعل هذه المؤسسات فضاء مغلقا لا يسمح للنزلاء بمغادرته حماية لسلامتهم ودرء لتفشي الوباء في صفوفهم".
وقال إن "اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد لتجاوز الظروف التي فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد، يندرج ضمن استراتيجية المغرب الهادفة إلى تطوير منظومة العمل القضائي والنهوض بحقوق الإنسان وتعزيز شروط المحاكمة العادلة، حيث كان الهدف من استخدام هذه التقنية ضمان استمرار سير مرفق العدالة بحكم أن القضاء يعد الملجأ الأول لضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية والذي يعتبر الفصل في القضايا لاسيما المرتبطة متعا بالحريات كتلك التي تتعلق بالأشخاص المتابعين في حالة اعتقال داخل آجال معقولة من أهم الآليات التي تكرس الحق في محاكمة عادلة".
وبخصوص السند القانوني لاعتماد التقاضي عن بعد، أوضح رئيس النيابة العامة أنه "إذا كان القانون المغربي لم يتطرق صراحة إلى إمكانية اعتماد المحاكمة عن بعد بالنسبة للمتهم، فإن المادة 347-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على إمكانية لجوء المحكمة إلى استعمال تقنيات الاتصال عن بعد للاستماع إلى الشهود".
وتحدث أيضاً عن أن "مشروع قانون المسطرة الجنائية وانسجاما مع مخرجات ميثاق إصلاح منظومة العدالة، جاء بمجموعة من المقتضيات القانونية المستجدة التي تعالـج موضوع المحاكمة عن بعد، والتي نأمل أن تجد طريقها إلى المصادقة عليها من قبل السلطة التشريعية في أقرب الآجال في أفق اعتماد الآليات المنظمة لتطوير عدالتنا".