التأم محافظو أبناك مركزية من إفريقيا والشرق الأوسط ، من أجل التداول حول الفرص والمخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا المالية، فتحويل الأموال عبر الهواتف النقالة وإنجاز العمليات البنكية عبرها، سيخفض وجود الوكالات البنكية التقليدية، كما أن التكنولوجيا الجديدة، أفضت إلى ظهور فاعلين في المجال المالي، غير الأبناك... غير أن توسيع المعاملات المالية، بدخول فاعلين جددا، ينطوي على مخاطر، من قبيل تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ذلك يفرض على البنوك تبني قوانين تنظيمية جديدة وتبني طرق جديدة للمراقبة، وهي انشغالات لم تغب عن خطط بنك المغرب.
هذا ما تجلى من المؤتمرالإقليمي لإفريقيا والشرق الأوسط، الذي نظمه بنك المغرب بشراكة مع صندوق النقد الدولي حول "التحول الرقمي : فرص ومخاطر التكنولوجيا المالية"، أمس الأربعاء واليوم الخميس، بتنسيق بين بنك المغرب وصندوق النقد الدولي، وهو المؤتمر الذي يأتي بعد تبني أجندة "بالي" حول التكنولوجيا المالية، في أكتوبر الماضي.
تلك الأجندة تضع 12 عنصرا للتعاطي مع التحولات التي تحدثها التكنولوجيا الحديثة في التعاملات المالية سواء بالنسبة للبنوك والمقاولات والمستهلكين، حيث تروم تلك العناصر، بشكل خاص، دعم قدرة النظام المالي على استيعاب التحولات الجديدة، وتدبير المخاطر، وتشجيع التعاون الدولي، وتكييف القوانين وممارسات الرقابة، وتحديث الإطار القانوني.
وأكد صوبياس أدريان، مدير الأسواق المالية والرساميل بصندوق النقد الدولي، على أن أجندة "بالي"، استجابت لانتظارات دول أعضاء في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من أجل تحديد إطار مؤطر للتطورات المرتبطة برقمنة المعاملات المالية، مشددا على أنه يفتر ض في الجميع المساهمة في مواجهة التحديات الجديدة.
ثورة تمس المنتج والمستهلك
وقد لاحظ والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري أنه بينما كانت السلطات العمومية والمؤسسات الدولية، منشغلة بتداعيات الأزمة التي اندلعت في 2008، برز تطور جديد، شرع في تغيير المشهد الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وتمثل ذلك في الاستعمال الكبير للهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي والمالية الرقمية والبيانات الضخمة والمنصات الإلكترونية وخدمات تعتمد على التكنولوجيا الرقمية.
ويؤثر ذلك التطور على أسلوب الإنتاج والتعامل والاستهلاك والتفاعل، ولم تستثن قطاع المالية، وينتظر أن يتجلى ذلك التأثير أكثر في سوق الشغل، هذا ما ذهب إليه باحثان من جامعة أكسفورد في 2013، حول الولايات المتحدة الأمريكية، حيث توقعات أن تكون 47 في المائة من فرص العمل معرضة للزوال. تلك نسبة، تصل في بلدان صاعدة ونامية، حسب الباحثين في عام 2016، إلى 69 في المائة في الهند و77 في المائة في الصين و85 في المائة في إثيوبيا، حسب ما أورده والي بنك المغرب.
وتحدث والي بنك المغرب عن تأثير ذلك على النمو، مشيرا إلى أنه يجري الحديث عن تناقض ومفارقة في الإنتاجية، التي تتباطأ في بعض البلدان المتقدمة منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية رغم الابتكارات التكنولوجية، مضيفا أن "قياس الناتج الداخلي الإجمالي في حد ذاته تأثر بهذه الثورة حيث أن إدراج بعض الأنشطة الناشئة عن التكنولوجيا مثل الخدمات التي نسديها لأنفسنا من خلال المنصات الإلكترونية يمثل تحديا حقيقيا بالنسبة للمعاهد الإحصائية. إضافة إلى ذلك، من المرجح أن تكون تقديرات مستويات التضخم مبالغ فيها بالنظر لتحسن جودة السلع والخدمات، وهو المعطى الذي لا يؤخذ بالاعتبار عند القيام باحتسابها".
وسجل أن هذه الثورة تحدث تغيرات هامة في مجال إنتاج واستعمال البيانات، معتبرا أن "البيانات الضخمة التي تنتجها التكنولوجيا الجديدة تحتل مكانة رئيسية داخل استراتيجيات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، سواء منهم العموميون أو الخواص. ويتم استغلالها بطرق مختلفة، منها شخصنة الخدمات، واستهداف الرسائل بغية توجيه سلوك المستهلك أو الرأي العام بصفة عامة"، محيلا على قضية "فيسبوك- كامبريدج- أناليتيكا"، خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
واعتبر أن تلك الثورة لها تأثير إيجابي على المساطر الإدارية، خاصة تلك المرتبطة بالرسوم والضرائب، حيث أن ذلك يساعد على تقليص التكاليف والآجال، وتعزيز الشفافية ومكافحة التهرب الضريبي والرشوة، ويحيل على ما خلص إليه تقرير البنك الدولي حول التنمية في العالم لسنة 2016، والذي خصص لما سمي "العوائد الرقمية"، حيث انتهى إلى أن التكنولوجيا والابتكارات الرقمية ساهمت في تحسين النمو والخدمات المعروضة من خلال تقليص تكاليف المعاملات الاقتصادية والمالية بشكل كبير، إلا أن تأثيرها الكلي لا يزال محدودا وموزعا بشكل غير متساو.
تقديرات وفوائد
ويتصور الجواهري أن التكنولوجيا المالية تعكس، بشكل أكبر، التطورات الناجمة عن الابتكارات التكنولوجيا السريعة، مشيرا إلى أنها أفضت إلى "تطوير منتجات وخدمات جديدة، وتعزيز جودتها وولوجيتها وتقليص تكاليفها. كما أنها تحدث تغيرات كبرى في العلاقة مع العملاء وفي وسائل الأداء، وكذا أساليب التمويل وتحويل الأموال".
ويتوقع أن يفضي هذا التطور إلى جني البلدان النامية أرباحا هائلة، بالنظر إلى التحويلات المالية الهامة التي تتوصل بها من مواطنيها المقيمين بالخارج، مشيرا إلى أنه في العام الماضي يحتمل أن تكون هذه التحويلات قد بلغت، حسب البنك الدولي، 689 مليار دولار، أزيد من ثلاثة أرباعها موجهة نحو البلدان النامية.
وشدد على أن التكنولوجيا المالية أضحت تقدم، في البلدان الصاعدة والنامية، ومع الاستخدام الكبير للأنترنيت، "فرصا هامة لتعزيز الشمول المالي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، محيلا على تصريح للأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس، في نونبر الماضي، الذي قال فيه إنه "في غضون ست سنوات، تمكن 1,2 مليار شخص من الاستفادة من الخدمات المالية بفضل التكنولوجيا".
ويورد ما انتهى إليه تقرير صادر سنة 2016 عن مؤسسة "ماكنزي"، حيث اعتبر أن مساهمة التكنولوجيا المالية في الاقتصادات الصاعدة في أفق 2025، ستصل إلى 6 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي الإضافي، أو 3,7 تريليون دولار، وإلى 95 مليون منصب شغل جديد.
مخاطر وهواجس قانونية
ويعبر الجواهري عن إدراك أن التطورات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية يجعل الأعمال التقليدية، التي تعتمدها البنوك، تواجه اليوم تحديات هامة بالنظر إلى تطور أساليب جديدة للتمويل، معتبرا أن ذلك "يزيد من الضغوط على ربحيتها ويدفع في بعض الحالات إلى اتخاذ المزيد من المخاطر، وهو ما سيكون له لا محالة تداعيات على الاستقرار المالي في آخر المطاف".
ويرصد الجواهري المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة على القطاع المالي، حيث يراها أكبر وأكثر تنوعا، من قبيل غسل الأموال وتمويل الإرهاب والأمن الإلكتروني، وكذا حماية المستهلك والبيانات ذات الطابع الشخصي، معتبرا أن تلك المخاطر المتعددة أصبحت تشكل مصدر قلق كبير، ليس فقط على المستوى الوطني ولكن أيضا على المستوى الدولي.
ويشير إلى أن التحولات التي طرأت مع التكنولوجيا المالية، تفرض تحديات جديدة على البنوك المركزية، معتبرا أن امتياز إصدار العملة مثلا أصبح الآن موضع سؤال أيضا، حيث دفع ذلك ببعض البنوك المركزية إلى النظر في إمكانية إصدار عملة رقمية؛ إذ قد يؤدي ذلك، بشكل خاص، إلى تقليص تكلفة الإنتاج وتداول الأوراق النقدية التقليدية إلى جانب التخفيف من المخاطر الأمنية المترتبة عنها.
وأضاف أن الأمر لا يقتصر على إصدار العملة، حيث تطرح تحديات لها علاقة بمجال الإشراف المالي الذي يشهد توسعا تدريجيا نتيجة دخول فاعلين جدد ومنتجات مالية جديدة، وهو ما سيترتب عنه لا محالة تأثيرات على مستوى انتقال السياسة النقدية.
وشدد على أن استثمار الفرص التي تمنحها التكنولوجيا المالية لتقليص العجز والتفاوتات القائمة في مجال الإدماج المالي، بالتعاون مع الفاعلين المعنيين، وخاصة لفائدة الشباب وسكان المناطق القروية وخصوصا النساء. ويكتسي هذا الأمر أهمية بالغة، لاسيما أن التفاوتات بين الجنسين كبيرة في المنطقة.
وأكد على إتاحة "فرص كافية للإبداع وتطور التكنولوجيا المالية" غير أنه يشدد على ضرورة المحافظة على الأنظمة المالية وتعزيز قدرتها على الصمود، وكذا حماية المستهلك والمقاولات، وخاصة المقاولات الصغيرة منها، معتبرا أن "توازنا صعبا يستلزم تحديد المخاطر وتصنيفها واستباق الآثار المحتملة للابتكارات والأنشطة المالية الجديدة".
وذهب إلى أنه يتعين على البنوك المركزية وضع حلول مؤقتة، في غياب مرجع قانوني يخولها ذلك، كما هو الحال بالنسبة للأصول المشفرة، مشيرا إلى أن المغرب واجه سنة 2017، تحديا على هذا المستوى، معتبرا أنه يجب مقاربة المشكلة من زاوية حماية المستهلك للفت انتباهه إلى المخاطر المرتبطة بها.
انشغال مغربي
ينتظر أن يتخذ بنك المغرب مبادرات، تساهم في التحسيس بالقضايا المحيطة بالتكنولوجيا المالية، حيث أعلن الجواهري عن التوجه نحو تقديم استراتيجية الإدماج المالية في أبريل المقبل، بعدما عرضت علي الحكومة، حيث يفترض تقديمها للبرلمان، والإعلان عن تفاصيلها. وذهب إلى أن المنظومة المتدخلة في المجال الرقمي اقتضت التعاطي مع الوكالة الوطنية الرقمية.
ويعول بنك المغرب على مؤسسة التربية المالية، من أجل التحسيس بالجوانب المرتبطة بالمعاملات المالية، حيث يجري الانتهاء من وضع مخطط عمل خاص بها.
ويأتي ذلك في ظل وجود فاعلين جدد، غير المؤسسات المالية التقليدية، التي تقدم خدمات مالية، حيث تجلى أن شركات الاتصالات مثلا أضحت تتعاطى للعمليات المالية مثل الأداء.