لم تتضح الرؤية حول تفويت شركة " سامير" التي توجد موضوع تصفية قضائية، بعد إغلاقها منذ أكثر من أربعة أعوام، غير أن من يسعون إلى إنقاذها يستمرون في الحلم بعودة التكرير، لكنهم يتطلعون إلى تحديد المسؤولين عما آلت إليه تلك الشركة التي أسسها المغرب في الستينيات من القرن المقبل.
حلم لا يلين
"إن عدم استئناف النشاط الطبيعي لشركة سامير في الآجال القريبة سيقود حتما إلى نهاية مؤلمة لهذه المعلمة". ذلك تصريح لحسين اليماني، منسق الجبهة الوطنية للدفاع عن مصفاة سامير، الذي يؤكد، في الجمع العام السنوي لتلك الهيئة، على عدم وضوح الرؤية حول مآل تفويت تلك سامير التي توجد تحت التصفية القضائية.
لم تفض المساعي التفويت القضائي إلى جذب مستثمر يمكن أن يبعث الحياة في المصفاة الوحيدة التي يتوفر عليها المغرب، غير اليماني يذهب إلى نجاح التفويت مرتبط بوجوب تحديد الدولة المغرب لموقفها من استمرار الشركة أو عدمه، والكشف عن المحاور الكبرى لاتفاقية الاستثمار في صناعات تكرير البترول. تلك مقدمة تراها الجبهة حاسمة في توضيح الرؤية للمستثمر المحتل.
لكن ألم ينل التوقف عن الإنتاج لأكثر من أربعة أعوام من قدرة الشركة على مواصلة توفير المحروقات كما كانت في السابق؟ تبدي الجبهة يقينا لا يلين بأن المصفاة مؤهلة لتوفير الحاجيات الوطنية كاملة من البنزين ووقود الطائرات والفيول الصناعي والأسفلت مع تحقيق فائص للتصدير وتوفير نصف الحاجيات من مادة الغازوال، حيث يتصورون أن المصفاة قادرة على الاستجابة لأكثر من 65 في المائة من الحاجيات الوطنية من المنتوجات النفطية.
تعتقد الجبهة أنه يكفي بذل مليار درهم، كي تعود المصفاة إلى ما كانت عليه قبل الإغلاق، غير أنها تتصور أن طول انتظار الحل قد يؤدي إلى فقدان الموارد البشرية للشركة بسبب التقاعد والاستقالات والوفيات، كما أن عدم الحسم سيفضي إلى تلاشي المعدات وتصاعد مبالع الاستصلاح والصيانة.
في الحاجة للمصفاة
لا تكف الجبهة عن التأكيد على أنه لا غنى للمغرب عن مصفاة المحمدية، حيث يقيه من تقلبات الأسعار في السوق العالمية، وتؤمن مخزونا للاستجابة لحاجيات السوق، وتساهم في حصر الأسعار في مستويات معقولة.
تذهب الجبهة إلى أنه بعد تعطل الإنتاج بالمصفاة المغرب وسحب دعم المواد البترولية وتحرير أسعار المحروقات انخفض المخزون الوطني من المحروقات وقفزن الأسعار إلى مستويات عالية، حيث زاد سعر الغازال بحوالي 50 في المائة.
وتشير إلى أنه رغم الدعم والتسهيلات التي قدمتها الدولة للرفع من القدرات التخزينية، لا تتعدى الطاقة التخزينية 1,5 مليون طن لدى كل شركات التوزيع، بينما عطلت قدرات في حدود مليوني طن داخل شركة سامير منذ الحكم بالتصفية القضائية.
وتضيف أن عدم استقرار الأسعار على الصعيد الدولي، يدفع الشركات إلى عد المغامرة لتأمين مخزون كاف، ما يجعل المغرب بعيدا عن توفير الاحتياطيات القانونية المقدرة المحددة في 60 يوما من الاستهلاك من المواد المكررة و30 يوما من النفط الخام.
وقد سعت الجبهة لدى العديد من المسؤولين الحكوميين من أجل الدعوة إلى التدخل لتوضيح الرؤية حول مستقبل مصفاة سامير، غير أن مراوحة سلوكها بين التزام الصمت أو التعبير عن عدم التدخل في قضية دخلت في مسار قضائي، يثير تساؤلات لدى الراغبين في إنقاذ المصفاة، خاصة أنهم يعتبرون أن تصريحات وزير الطاقة والمعان، عزيز الرباح، عندما يعتبر أن الآلة الإنتاجية غير مؤهلة، تبعث برسائل غير مساعدة على جذب المستثمرين المحتملين.
طوق النجاة.. التأميم
لاترى الجبهة حلا لما آلت إليه سامير غير تأميمها، حيث تراهن على تحضير مقترح قانون لتقديمه للبرلمان من أجل عودة الدولة إلى رأسمال الشركة سواء عبر حيازة كاملة أو في إطار مختلط أو تأسيس شركة تجمع الدائنين.
ذلك حل تراه الجبهة وجيها، من بين خمسة سيناريوهات للإنقاذ كانت تقدمت بها في العام الماضي، والتي تتمثل في التسيير الحر، والتفويت للغير، وتحويل الديون لرأسمال وتخلق شركة مختلطة والتأميم.
وتتصور أن عودة الدولة إلى رأسمال الشركة، يبرره استحواذ إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة والؤسسات الحكومية الأخرى على 60 في المائة الديون التي توجد في ذمة الشركة، علما أن أصول الشركة في ظل قانون صعوبات المقاولات تعتبر ملكا مشتركا للدائنين مع امتياز يحظى به المال العام عن باقي الديون.
يتصور المهدي الداودي الخبير في قطاع الصناعة النفطية، أنه يمكن للدولة تأميم مصفاة سامير، لا شىء يمكنها من ذلك، غير أن ذلك القرار يمكن أن تطعن فيه " كورال" المساهم الرئيسي السابق في شركة " سامير المغرب".
و كانت " كورال" المملوكة للملياردير السعودي الحسين العامودي، اشتكت المملكة لدى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي، حيث تطالب بتعويضات في حدود 1,5 مليار دولار.
وتؤاخذ كورال على الدولة المغربية بـ"خرق" العديد من مقتضيات الحماية الممنوحة في إطار اتفاق الاستثمار الثنائي المبرم في 1990 بين المغرب والسويد، خاصة منها تلك ذات الصلة بعدم الالتزام بتطبيق التشريع المغربي القاضي بمنع إغراق السوق بالمنتجات البترولية المكررة بالمغرب. وتعيب عليها عدم اتخاذ تدابير من أجل ضمان تنافسية "سامير" و"تجميد حساباتها البنكية".
القضاء لكشف المسؤولين
غير أن الجبهة لا تقنع بمطلب التأميم، فهي ترنو إلى تحديد المسؤوليات. هذا ما يبرر توجهها نحو التحول إلى جمعية من أجل التقاضي ضد المتسببين في الأزمة التي تعرفها سامير.
يؤكد الاقتصادي محمد بنموسي وعضو الجبهة، أن التحول إلى جمعية سيمنح للجبهة إمكانية وضع شكاية ضد مجهول لدى النيابة العامة، حيث يمكن للتحقيق بعد ذلك أن يحدد المسؤولين عما آلت إليه سامير قبل الإغلاق.
غير أن أعضاء الجبهة في تبريرهم للتقاضي ضد المسؤولين عما آلت إليه سامير، يبنون رؤيتهم على حيثيات، حيث يرون أن توقف الإنتاج والدخول في مسطرة صعوبات المقاولة، لم يكن بدون مقدمات، بل تعود المسؤولية فيه للدولة المغربية وللمستثمر الذي تولى أمر الشركة في ظل الخوصصة.
وتتصور الجبهة أن مسؤولية الدولة تابثة، حيث تبدأ من الظروف التي تمت فيها عملية، والتساهل مع الخروقات والتجاوزات التي لحقتها، وتنتهي بعدم توضيحها للرؤية حول إنقاذ الشركة من التهالك، عبر توضيح المقاربة التي يمكن بها العودة للتكرير.
وتعتبر أن مسؤولية المالك السابق، تبدأ من رفض الوفاء بالالتزامات ذات الصلة بالاستثمارات التأهيلية وفق الآجال والمواصفات والميزانيات المحددة، وهو ما كشف عنه حريق 2002، وإغراق الشركة في مديونية وصلت إلى عشر مرات سعر تفويتها في إطار الخوصصة، واقتراف أخطاء قادت إلى التصفية، ما يطرح كذلك تساؤلات حول دور منتدبي الحسابات والأجزة الرقابية.