لأول مرة في المغرب يشاهد الجمهور فيلم "الجاهلية" لمخرجه هشام العسري، بعد عرضه في مهرجان برلين. وكان لعشاق الفن السابع، في سياق فعاليات مهرجان الفيلم الوطني بطنجة، فرصة متابعة فيلم يعالج مواضيع لا يزال المجتمع يتحاشى الخوض فيها.
هذه المواضيع مثل مناقشة قرارات الملك، كما حدث لما منع الملك الراحل الحسن الثاني إحياء شعيرة عيد الأضحى، فصمت الناس، لكن دون أن يعني ذلك أنهم موافقون. وقد لخص الطفل "الشِّيطانْ" أحد أبطال الفيلم، موقف من صمتوا خوفا، بالقول: "الملك عندو اللحم ديما، حنا لي ما عدناش".
إحياء هذه القصة، أظهر أن المخرج تناول بجرعة لابأس بها من الجرأة، قضية سياسية كانت دائما مصدر خوف للمغاربة، وهي انتقاد القرارات الملكية، وكذا أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب.
الاغتصاب والغصب وانتقاد المجتمع وتزويج الفتاة من مغتصبها... كلها مواضيع وأخرى جعلت من الذين تابعوا الفيلم يوم أمس الثلاثاء، يتفاعلون معه كل حسب قناعاته؛ إذ منهم من غادر القاعة، وآخرون صاحوا رفضاً لمشهد جنسي.. فيما وقف من راقهم الطبق السينمائي ليصفقوا لحظة نهاية العرض.
واستعان العسري بممثله المفضل، حسن باديدا، إلى جانب ممثلين بارزين؛ بينهم نسرين الراضي، مصطفى هواري، ومالك أخميس. كما قام بكتابة السيناريو بنفسه.
اغتصاب.. وغصب
يجسد فيلم "الجاهلية" عدة مشاكل بالمجتمع المغربي، منها الحرمان والعنصرية والإهانة والاستغلال. لكنه يصور ظاهرة الاغتصاب بشكل محوري. في الفيلم، يستعيد مغتصب ذاكرته ويكتشف أنه تزوج من امرأة كان قد اغتصبها، وكانت تحاول الهروب بين الفينة والأخرى.
لم يعالج المخرج في "الجاهلية" الظاهرة من ناحية قانونية أو درامية، بل ركز على معالجة الموضوع على طريقة الكوميديا السوداء، التي لا تبشر بالنهايات السعيدة، والتي توظف العنف والكوميديا، للسخرية من المجتمع ومن أوضاعه.
إلى جانب الاغتصاب الجنسي، ركز العسري في فيلمه على "الغصب السياسي" تجاه القرارات العليا، باعتبارها إكراها إجباريا. ولتجسيد ذلك، استحضر العسري في الفيلم خطاب الحسن الثاني الشهير، حين ألغى عيد الأضحى في تسعينات القرن الماضي بسبب الجفاف.
تتكرر "لازمة" الخطاب الملكي، بخصوص إلغاء العيد، في بعض مشاهد الفيلم. ويظهر البعض توجسه منها أو الجرأة على مناقشتها داخل المجتمع. لكن ورغم هذا، يحتوي الفيلم جرعة كبيرة من النقد ضد ما قام به الملك الراحل، وضد أي قرار يفرض غصبا، لا لشيء إلا لأنه صادر من أوامر عليا.
قصة الفيلم لا تمت بصلة إلى فترة الحسن الثاني، لكن العسري حاول أن يبرز أن تأثير تلك الفترة لا زال ساريا على الفترة الراهنة، فألزم شخصياته في الفيلم بقرار الملك بإلغاء العيد، محاولا توضيح مدى تأثير أساليب الحكم في الماضي على حياة المجتمع الحالي.
وللتعبير عن صوت المعارضة لقرارات الملك، بغض النظر عن صاحبها، تظهر شخصية الطفل الصغير المشاغب (الشِّيطان)، الذي ألح على والده بأن يجلب له الخروف، رغما عن القرار الملكي، وهو ما سيجلب عليه المشاكل، لأنه لم يمتثل لأمر الملك.
وتكلم الطفل بما لم ينطق به الكبار، حين قال لوالده: "الملك عندو اللحم ديما، را حنا لي ماعندناش"، في إشارة إلى طفل أو جيل جريء قد "لا يتوجس كثيرا من عدم الامتثال لتلك القرارات".
مشاهد "صادمة"
لكن ورغم أن فيلم العسري استطاع أن يجلب المتفرجين ويجعل بعضهم يجلسون بين الكراسي، إلا أن ذلك لم يمنع بعضهم من مغادرة القاعة بعض مرور نصف ساعة الأولى من عرضه، وبعضهم مخرجين متنافسين بأفلامهم في المهرجان.
ولم يسلم الفيلم أيضا، من التأفف بين الحين والآخر و"التقزز" من بعض المشاهد: مثلا إرغام فتاة على لعق المني، وقتل دجاجة بشكل عنيف.. وغيرها من المشاهد، التي خلقت حديثا وصراخا بين المتفرجين.
الفيلم ختم قصته بالإشارة إلى الفصل 475 من القانون الجنائي، الذي كان مثار الجدل في سنة 2014، والذي كانت بنوده تنص على ضرورة تزويج الفتاة المغتصبة من مغتصبها، وهو ما وقف له الجمهور وصفق بحرارة في نهايته.